المُتَحَرّشَة
جَلَسَتْ أَمَامِي وَبَعْثَرَتْ أَوْرَاقَهَا،
وَتَشَاغَلَتْ بِالطِّيبِ وَالإِمْلاَءِ.
نَظَرَتْ لِنَصّّ مُرْبِكٍ أَوْحَى لَهَا
أَنَّ السِّهَامَ مَقَاتِلُ الشُّعَرَاءِ،
جَالَتْ بِنَصِّي بُرْهَةً وَتَغَامَزَتْ
بِمُدَامِ رِمْشٍ أَرْبَكَ خُيَلاَئِِي،
رَنَمَتْ فَقُلْتُ غَزَالَةً مَمْشُوقَةً،
قَصَدَتْ بِدَلٍّ فَأَشْعَلَتْ إِغْوَائِي.
أَشْعَلْتُ نَفْسِي بِرَسْمِهَا فَتَدَلَّلَتْ،
وَثَنَيْتُ حَرْفًا تَاهَ فِي البَيْدَاءِ
وَأَنَا بِفَصْلِي شَارِدٌ فِي مِحْنَتِي،
وَخُيُولُ جَمْرِي تَصْهَلُ بِعَنَاءِ..
فَكَتَبْتُ حَرْفًا قَادَنِي لِجَمَالِهَا
وَسَلَكْتُ دَرْبًا أَطْفَأَ غَوْغَائِي:
"مَنْ لِلْعُيُونِ النّجَّلِ وَشَعْرِهَا المُجَعَّدِ؟
وَخَدُّهَا المُوَرَّدُ كَمِثْلِ جَمْرِ المَوْقِدِ.
عَالَجْتُهُ بِنَظْرَةٍ فَزَادَ فِي التَّوَقُّدِ.
هِضَابُهَا الشَّهِيَّةُ تُبَشِّرُ بِمَوْعِدِ.
قَرَارُهَا يُرَفْرِفُ يَجُولُ كَالتَّرَدُّدِ.
سَافَرْتُ فِي فُرُوعِهَا كَطَائِرٍ مُغَرِّدِ
أُنَقِّرُ شُغَافَهَا فَيَعْبُقُ بِمِثْرَدِي..
مَكَثْتُ فِي عُيُونِهَا فَأَبْصَرَتْ تَوَدُّدِي.
فَأََطْبَقَتْ جُفُونَهَا بِشَوْقِهَا المُلَبَّدِ"
وَقَرَأْتُ هَمْسًا مَا كَتَبْتُ، فَأَشْرَقَتْ
كَالصُّبْحِ عِنْدَ بِدَايَةِ الأَفْجَارِ،
وَتَطَلّعَتْ تَرْنُو لِسَهْمِي شَارِدًا،
فَتَهَاطَلَتْ بِالوَجْدِ كَالأَمْطَارِ.
لَمَّا رَأَيْتُ سُلاَفَهَا دَكَّتْ فَمِي،
وَثِمَارَهَا مَعْقُودَةُ الأَوْزَارِ
أَيْقَنْتُ أَنَّ غَزَالَتِي مَفْتُونَةٌ
بِغَزَالِهَا المَوْثُوقُ بِالأَسْوَارِ،
فَضَرَبْتُ عُسْرًا بَيْنَنَا مُتَعَمِّدًا،
وَهَتَكْتُ يُسْرًا آلَ لِلْحِرْمَانِ.
وَشَرِبْتُ بَوْحًا نَاعِمًا مُتَوَهِّجًا،
وَدَفَنْتُ سِرًّا مِنْ شَذَى الأَسْرَارِ..
صالح سعيد / تونس الخضراء