حَوّاءُ الجَدِيدَة
قَالَتْ بِعَيْنٍ غَائِمَة: عِمْتَ لَهِيبًا سَيّدِي....
وَسِهَامُهَا غَاصَتْ بِقَلْبِي نَاعِمَة،
كَرَبِيعِ يَوْمٍ مُمْطِرِ،
لَمْ أَدْرِ كَيْفَ أَجَبْتُهَا وَلِسَانِي يَهْفُو بِذِكْرِهَا
بِجُنُونِ حَرْفٍ مُثْقَلِ..
وَسِهَامِي تَعْبُرُ صَدْرَهَا، وَيَدِي تُلاَمِسُ وَرْدَهَا
دُونَ اِنْتِظَارِ المَوْعِدِ:
"أَنْتِ الشَّمَالُ بِثَلْجِه
وَأَنَا الجَنُوبُ السَّاخِنُ حِمَمِي كَجَمْرِ المَوْقِدِ."
كَانَ الجَوَابُ نَافِذًا لِحُصُونِ قَلْبٍ مُوصَدٍ
بِهُمُومِ بَحْرٍ مُزْبِدِ..
فَتَنَاوَمَتْ وَتَوَرَّدَتْ وَكَأَنَّ حُلْمًا نَاعِمًا شَقَّ مَدَاهَا الصَّاعِقِ
وَتَفَتَّحَتْ وَتَنَفَّسَتْ بِعُطُورِ شَوْقٍ سَامِقٍ شَقَّ فُؤَادِي الآبِقِ.
عَمَّ السُّكُونُ بَيْنَنَا وتَدَاخَلَتْ أَنْفَاسُنَا
وَالشَّوْقُ مَدَّدَ خَمْرَتِي..
وَتَنَاغَمَتْ أَرْوَاحُنَا وَتَعَانَقَتْ أَشْوَاقُنَا
وَيَدِي بِبَعْضِهَا تَسْرُدُ
قَصَصَ اللَّيالِي الهَائِمَة وَهَدِيرَهَا المُتَوَقِّد..
شَهَقَ الزَّمَانُ بِعِطْرِهَا، لَعِبَ اللَّهِيبُ بِنَصْلِهَا،
فَازْدَادَ وَهْجُ رُوَائِهَا، بِرَنِيمِهَا المُتَرَقْرِقِ
ضَحِكَ المَكَانُ لِبَوْحِهَا، رَنَمَ الفَضَاءُ لِسِرِّهَا
وَتَدَفَّقَ زمْزَمُ مَائِهَا كَضِيَاءِ لَيْلٍ مُشْرِقِ..
فَشَرِبْتُ مِنْ فِرْدَوْسِهَا كَأْسًا دِهَاقًا نَاعِمَة..
وَأَكَلْتُ مِنْ أَنْفَاسِهَا رُوحَ السَّلاَمِ الدَّائِمَة..
وَعَلَوْتُ صَهْوَةَ بَحْرِهَا،
وَرَكِبْتُ رَغْوَةَ مَوْجِهَا،
سَفَرًا لِبَذْرَةِ خَلْقِهَا، أَعْتَامُ سِرَّ الخَالِقِ..
وَبَذَرْتُ بَذْرَةَ خَلْقِهَا فِي كُلِّ لَيْلٍ عَاشِقِ،
فَرَأَيْتُ نُورًا تَائِهًا يَدْوِي كَبَحْرٍ هَائِجِ،
وَتَلَأْلَأَتْ صَحْرَاؤُنَا بِسَمَاءِ نَجْمٍ ثَاقِبِ.
كَثُرَ الضَّجِيجُ حَوْلَنَا، وَتَغَاوَغَتْ أَخْلاَقُهُمْ،
فَتَمَلَّصَتْ مِنْ قَبْضَتِي تَرْوِي أَبَاهَا الآبِقِ.٠
وَتَزَعْزَعَتْ مِنْ شَرِّهِمْ، وَتَخَلْخَلَتْ مِنْ غَدْرِهِمْ،
وَتَوَقَّعَتْ أَفْعَالَهُمْ كَسْرًا لِسِرٍّ خَاِنِقِ.
فَجَذَبْتُهَا مِنْ خِصْرِهَا وَبَلَوْتُ رَوْعَ خَوْفِهَا،
فَتَمَاوَجَتْ مِنْ وَجْدِهَا،
وَتَعَطَّرَتْ بِحَدَائِقِي..
لَمَّا اِرْتَوَيْنَا شَقَّنَا لَمْحُ السَّرَابِ الغَامِقِ..
حَتَّى انْثَنَيْنَا نَلْهَثُ خَلْفَ القِطَارِ المَارِقِ..
صالح سعيد / تونس