من بين أمنيات مليار مسلم، استجاب المولى عز وجل إلى حوالي 4 مليون ليكونوا حجاج بيته الحرام هذا العام.

وبين ما تحمله كل نفس من أنفس هذه الملايين، يأتي الصادق إلى الله ويأتي المدعي لحب الله، ولكن هناك أيضا من يأتي (ُمسيسا في الله)..

وتأتي تلك الدعوة على اعتبار أن الحج لابد أن يخرج من مجرد أداء لشعائر دينية روحية ليتحول إلى موقف المسلمين حول العالم في هذا المكان الذي يعمل على توحيدهم.

فهل يجب - في ظل ما تشهده الأمة من أحداث دامية في الحروب التي تنهش في الجسد المسلم حتى أوشكت علي انتهاء التهامه - أن تعمل الأمة من خلال حجاجها علي تحويل هذا المنبر المقدس إلى ساحة سياسية تتوحد فيها نبرة السني والشيعي لتصدر صيحة الموت لإسرائيل والموت لأمريكا؟

أم أن هذا يعد خروجا عن آداب الحج من مشاعر ومناسك إيمانية خالصة، ولا يجب أن نشوهها بما جلبته علينا السياسة؟

سياسة مفسدة

في البداية استبعد الدكتور والمفكر (جمال البنا) –المفكر الإسلامي- أن تنصح الإدارة الإيرانية حجاجها بذلك، نظرا لظروفها غير الملائمة، وقد رأى في هذا العمل آنه عمل خاسر.

وعن رأيه في قضية "تسييس الحج"، قال البنا: "لا أظن أن تسييس الحج فيه من الحكمة شيء؛ لأن السياسة ما دخلت شيء إلا أفسدته، وهذا لا ينفي أن هذه المناسبة يجب أن تفيد حاجة المسلمين جميعا، كأن يتوحد علماء المسلمين وأن تناقش أجندة المسلمين، فالأسلوب الممارس الآن في الحج يؤدي دوره بصفة فردية، فيقوم الشخص بالتوبة على أساس فردي، ولا تفعل في المقابل قضايا الأمة من تخلف اقتصادي وتقييد الحريات".

وللحج معاني

وعن رأيه عبر الأستاذ (نبيل عبد الفتاح) –رئيس تحرير تقرير الحالة الدينية بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية - قائلا: "الحج مؤتمر عام سنوي للمسلمين جميعا لدراسة أحوالهم وتحديد موقفهم من أعدائهم وأصدقائهم قبل أن يكون شعائر ومناسك، ومناسك الحج هي رموز لأمور حياتية فالطواف أي الهدف الواحد، والسعي أي الجهاد، ورمي الجمرات أي قذف العدو، والنحر أي التضحية"..

ويكمل عبد الفتاح بقوله: "ليس من المعقول أن يجتمع كل هؤلاء المسلمون، ولا تناقش أمورهم، فالرئيس الأمريكي لابد أن يلقي خطاب عن حالة الاتحاد كل عام في الولايات المتحدة، فنحن لسنا أقل منه، بل نحن في أمس الحاجة إلى مناقشة أمور السياسة لتكون جزءاً من مشاعر الحج".

وعن الشكل الأمثل لتحقيق هذا المطلب، يضيف عبد الفتاح قائلا: "ربما بالإقناع والحوار مع السلطات السعودية، وليس بالصدام الدامي الذي يتنافي مع الأشهر الحرم من الحج، حتى لا تشوه صورة المسلمين، وهذا في حاجة إلي أخوة وإلي نية خالصة وليس لاعتبارات سياسية".

قومي لا إسلامي

القضية في الأساس أثارتها دولة تستند إلي المذهب الشيعي، لذا رجعنا إلى المرجع الشيعي (أية الله حسين المؤيد) الذي قال لنا: "هذه القضية لها عدة أبعاد، الأول يرتبط بالسياسة الإيرانية حيث أن النظام الإيراني ليس له مشروع إسلامي، بل قومي إيراني، والثاني أن موسم الحج هو مؤتمر إسلامي عام يجمع كل المسلمين وتتجسد فيه وحدة المسلمين جميعا وتتكرس فيه الهوية الإسلامية، وهو موسم عبادي لكنه يحمل الهوية الإسلامية والتي لا ترتبط بطقوس تعبدية فقط وإنما يجب أن ترتبط بما يحدث للأمة".

ويستطرد المؤيد بقوله: "لكن يجب أن تنسجم هذه الطقوس وقداسة المكان وأن تعبر عن حالة حضارية إسلامية، أما القيام بمظاهرات في الشوارع بالطريقة التي تكون سلبياتها وتأثيراتها واضحة بل أكثر من ايجابياتها، فهذا غير مستحب، والأجدى أن تناقش مشكلات الأمة من خلال مؤتمر تدعو له منظمة المؤتمر الإسلامي خلال فترة الحج".

لِيَشْهُدوا مَنافِعَ لَهُمْ

وعندما توجهنا بالسؤال إلي الأستاذ (عصام الشعار) –الباحث الشرعي بموقع إسلام أون لاين.نت- قال: "موسم الحج هو موسم حصاد للدنيا والآخرة، ومعنى ذلك أنه لا حرج على الحجيج أن يغتنموا موسم الحج في طلب منافع الدنيا، فالله سبحانه وتعالى قال ( لِيَشْهُدوا مَنافِعَ لَهُمْ) فالله سبحانه وتعالى قد أذن للحجيج في تحصيل ما يحتاجونه من منافع الدنيا على أن لا ينسوا منافع الآخرة، وقد قال أهل التفسير إن المقصود بالمنافع في الآية السابقة منافع الدنيا والآخرة، أما منافع الآخرة فرضوان الله وعفوه ومغفرته، وأما منافع الدنيا فما يصيبون من منافع البُدْن والربح والتجارة.. إلى غير ذلك".

ويستكمل الشعار كلامه فيقول: "ونفس المعنى السابق دل عليه قول الله تعالى (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ..) البقرة -الآية: 198

فلا حرج في استثمار موسم الحج لتحقيق مكاسب سياسية بشرط الابتعاد عن التجريح والتسفيه، فإن المسلم إذا كان منهيا عن ذلك في عامة أحواله فهو في هذه الأوقات أشد حاجة لصفاء القلب والروح والبعد عما يشوب ذلك ، قال تعالى : " فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج...."

وقد تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ساكني مكة والجزيرة العربية في موسم الحج أخطر تصريح عسكري وسياسي في تاريخ الرسالة كلها، وذلك حين بعث علي بن أبي طالب يرد على المشركين عهودهم ويبرأ منها، فتلا عليهم صدر سورة براءة التي تؤذنهم بانتهاء مدة الهدنة التي كانت بينهم.

أسئلة مشروعة

نفهم من كلام الشيخ عصام أن الرسول استغل هذا الحدث المقدس في التحدث في أشد أمور السياسة حرجاً، فلماذا لا نستن بهذه السنة الحسنة ونتحدث في السياسة أثناء الحج؟

ولماذا لا تتحول خطبة الحج إلى خطبة سياسية تناقش أوضاع المسلمين في العراق والصومال وتناقش امتلاك إيران للسلاح النووي ولماذا لا يعلن الخطيب حينها براءة المسلمين من بوش وأعوانه، مثلما فعل الرسول.. ولماذا لا يتم مصالحة فتح وحماس أثناء الحج؟ ولماذا لا يتصالح السنة والشيعة؛ فالدعوة التي توجهها إيران جاءت للسنة والشيعة معاً.. أي أنها ليست طائفية؟

لماذا لا يصبح نقد السياسة الأمريكية سنة حسنة نقوم بها في كل موسم حج بدلاً من خطب الحج التي لا تناقش إلا أمور تتعلق بالسلوك والمناسك، وهي أمور يحفظها الصغير قبل الكبير

السؤال الآن: لو كنت في الحج وقامت مظاهرة ضد أمريكا هل ستشارك فيها؟!

  • Currently 60/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
20 تصويتات / 332 مشاهدة
نشرت فى 28 ديسمبر 2006 بواسطة Badeaonly

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

75,487