الفصل الأول

تكامل شخصية المرأة المسلمة

المرأة قبل الإسلام

لقد أهدرت الحضارات القديمة: الصينية والهندية والرومانية واليونانية، وحتى بعض منتسبي الديانات كاليهودية والمسيحية، قيمة المرأة، وغضت من شأنها واعتبرتها من سقط المتاع، وأنها دنسة يجب أن تُحبس في البيت فلا تغادره.

يقول ديموستين المفكر اليوناني المشهور: (إننا نتخذ العاهرات للذة، والخليلات للعناية بصحة أجسامنا، ونتخذ الزوجات ليلدن لنا الأبناء الشرعيين). لا أهلية قانونية للمرأة ولا حقوق اقتصادية أو اجتـماعية لها من أي نوع كان.. بل إن إنسانيتها كانت موضع شك، حتى أنهم كانوا يتساءلون: هل المرأة إنسان له روح، أم هي حيوان نجس لا روح له..؟. وليست أهلا للتدين فالأصل فيها التجرد من الشرف كما يقول مانو فيلسوف الحضارة الهندية.. لهذه الأسباب وصفهم القرآن الكريم بقوله: )وإذا بُشّرَ أحدُهم بالأنثى ظلّ وجهُهُ مسودا وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بُشّرَ به، أيمسِكُهُ على هُونٍ أم يدسّهُ في التراب.. ألا ساء ما يحكمون...( [1][1].

الإسلام يحرر المرأة

وجاء الإسلام ليصحح المعادلة.. ليكرم الإنسان من حيث هو إنسان. قال تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم..)، وهذا التكريم يشمل الذكر والأنثى، السادة والعبيد، الأبيض والأسود، العربي والأعجمي، الغني والفقير، الحاكم والمحكوم.. المسلم وغير المسلم.

والبدء بتكريم الإنسان هو المدخل الحقيقي والصحيح نحو بناء حضارة إنسانية عادلة باقية.

إن النظم العالمية التي سبقت الإسلام لم تهدر قيمة المرأة فقط، بل أهدرت قيمة الإنسان إلا من طبقة صغيرة، كانت تعد بالآلاف في كثير من الأحيان، تختلف ميزاتها من مكان إلى مكان..

فعند الرومان.. السيد هو الروماني.. والروماني الحقيقي هو الذي يملك ألف عبد أو يزيد، وعند اليونان الناس طبقات ثلاث.. غالبيتهم العبيد. وعند الهندوس أغلبية الناس من طبقة المحرومين أو المنبوذين الذين ينجس بهم الماء والهواء. أما اليهود ففي تلمودهم أن الله لم يخلق الناس إلا ليكونوا حميرا يركبهم اليهود. أما حضارة الغرب الحديثة سليلة الحضارتين الرومانية واليونانية، فعندهم أن الأشقر صاحب العيون الزرقاء هو الذي يجب أن يسود، أما الشعوب الأخرى فمواصفاتها العقلية لا ترفعها إلا لدرجة الرقيق للسيد الأبيض.

جاء الإسلام فوجد الإنسان مهانا في جزيرة العرب وخارجها.. فقرر أول ما قرر كرامة الإنسان: (ولقد كرمنا بني آدم).

(لا فضل لأبيض على أسود ولا لعربي على أعجمي إلا بالتقوى).

(كلكم لآدم وآدم من تراب).

(متى استعبدتـم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا..؟).

ومع استغراب قادة قريش أن يسوي الإسلام بينهم وبين عبيدهم.. كان استغراب الجميع أشد وأقوى عندما قرر أن الكرامة الإنسانية تشمل المرأة والرجل على السواء لا فرق..!

)يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ..( [1][2].

في غاية الدقة والإحكام والسموق يقرر الإسلام: أن جميع الشعوب والقبائل والألوان والأجناس والذكور والإناث عند الله سواء، أكرمهم عنده أتقاهم له وأنفعهم لعياله.

الميلاد الحقيقي للإنسان

اليوم ولد الإنسان. كل الإنسان. كرمه خالقه رب العالمين، بعد أن خلع عنه كل ما تعارف عليه البشر من أغلال وأوزار.

وهكذا استعاد الإنسان الذكر والأنثى حقه ووُضِعَ في بداية الطريق.. ليبني لبني الإنسان حضارة ربانية متوازنة.. يرتفع فيها الإنسان بقدر ما يقدمه من خدمة في البناء الإنساني الصحيح.

وتتالت آيات الكتاب العظيم، يتلوها المؤمنون ليقتلعوا من نفوسهم كل غبش يعارض هذه الحقائق.

نفس واحدة

أولى هذه الحقائق هي أن الرجل والمرأة من أصل واحد:

قال تعالى: )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا..( [1][3].

الجميع (ذكرانا وإناثا) من نفس واحدة هي نفس سيدنا آدم عليه السلام..

وأُمّ الجميع حواء، من نفس المصدر الروحي الذي نسب إليه بنوها.. فالأبناء إذاً وأمهم معهم داخلون في التقويم الإنساني المستـمد من خصائص تلك النفس الواحدة [1][4].

مسؤولية إنسانية واحدة

وفي المرحلة الثانية من استرداد المرأة لشخصيتها.. طالبها الإسلام بأن تكون مسؤولة عن تصرفاتها.. فالحرية لا قيمة لها بدون المسؤولية.. قال تعالى: )وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ(

ثم قال: )أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ( [1][6].

فالأمر في البداية للاثنين (آدم وحواء) معا، والتكليف لهما كذلك، والنهي وتحمل المسؤولية كذلك.. ولا تزر وازرة وزر أخرى [1][7].

قال تعالى: )قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى( [1][8].

والرسول صلى الله عليه وسلم وهو ينادي بطون قريش من على جبل الصفا يقول يا معشر قريش: اشتروا أنفسكم. لا أغني عنكم من الله شيئا. يا بني عبد مناف: لا أغني عنكم من الله شيئا. يا عباس بن عبد المطلب: لا أغني عنك من الله شيئا. ويا صفية عمة رسول الله: لا أغني عنك من الله شيئا ويا فاطمة بنت محمد: سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنك من الله شيئا [1][9].

والجزاء واحد

أما الحقيقة الثالثة فهي أن الرجل والمرأة في الجزاء سواء.

قال تعالى: )فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ( [1][10].

وقال أيضا: )وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا..( [1][11] .

وفي ظلال هذه الحقائق الثلاث استكمل الإسلام شخصية المرأة من كافة الجوانب وأعطاها كل الحقوق.

النيل من شخصية المرأة

وبالرغم من استكمال الإسلام لشخصية المرأة.. وإعطائها كافة الحقوق التي تناسب فطرتها.. إلا أنها تعرضت ومازالت تتعرض لمظالم لا حصر لها.. في بعض المجتمعات الإسلامية.. وفي مجتمعات أخرى كثيرة.

ظلمت في المجتمعات الغربية، ولنستمع إلى الفيلسوف الإنكليزي هربرت سبنسر في كتابه (علم وصف الاجتماع) يقول: إن الزوجات كانت تباع في إنكلترا حتى القرن الحادي عشر، وإنه حدث أخيرا في القرن الحادي عشر أن المحاكم الكنسية سنت قانونا ينص على أن للزوج أن يعير زوجته لرجل آخر لمدة محدودة. وشر من ذلك ما كان للشريف النبيل من الحق في الاستمتاع بامرأة الفلاح إلى مدة أربع وعشرين ساعة من بعد عقد زواجها عليه.

وفي سنة 1567م صدر قرار من البرلمان الاسكوتلندي بأن المرأة لا يجوز أن تمنح أي سلطة على أي شيء. كما أصدر البرلمان الانكليزي في عصر هنري الثامن ملك إنكلترا قراراً يحظر على المرأة أن تقرأ الكتاب المقدس.

نتحدث عن أوضاع المرأة في انكلترا.. بينما هي أسوأ حالا في المجتمعات الغربية الأخرى.

 

ناقصات عقل ودين

أما في المجتمعات المسلمة فقد تمسك الجميع بتفسير خاص للحديث المروي عن أبي سعيد الخدري قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى فمرّ على النساء فقال: يا معشر النساء ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن. قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله..؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل..؟ قلن: بلى.

قال: فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم..؟ قلن: بلى. قال فذلك من نقصان دينها [1][12].

فسّروا الحديث بأن المرأة مخلوق ناقص لا أهلية له.. والحديث كان عظة للنساء في يوم عيد.. فهل نتوقع من الرسول الكريم صاحب الخلق العظيم أن يغض من شأن النساء في هذه المناسبة البهيجة..؟

أما صياغة الحديث فليست صيغة تقرير قاعدة عامة أو حكم عام.. وإنما هي أقرب إلى التعبير عن تعجب رسول الله من التناقض القائم في ظاهرة تغلب النساء -وفيهن ضعف- على الرجال ذوي الحزم. ونحن نتساءل: هل تحمل الصياغة معنى من معاني الملاطفة العامة للنساء خلال العظة النبوية؟

إن كلمة ناقصات عقل ودين إنما جاءت مرة واحدة وفي مجال إثارة الانتباه والتمهيد اللطيف لعظة خاصة بالنساء، ولم تجئ قط مستقلة بصيغة تقريرية سواء أ�

المصدر: [1] النحل - (58-59) . [2] الحجرات - 13 . [3] النساء - 1 . [4] الإسلام وقضايا المرأة المعاصرة - البهي الخولي، ص- 27. [5] البقرة - 35. [6] الأعراف -22. [7
BOOKSG

بادرة النهضة و الاشراق و الامل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 134 مشاهدة
نشرت فى 16 أغسطس 2015 بواسطة BOOKSG

ساحة النقاش

الباقر على مختار

BOOKSG
بادرة موقع جنوب سودانى لرصد الاخبار المحلية و الاقليمية و متابعة للانشطة الحياتية على كافة الاصعدة يشرف عليها الصحفى الاستاذ : الباقر على مختار »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,569