على الرغم من الفرق بين العمارة ومفهوم فن العمارة، فإن ثمة خصائص شاملة للفن المعماري الإسلامي تعتمد على المبدأ الهندسي العلمي والمبدأ الفني الإبداعي.
لقد استوفى فن العمارة في مصر والرافدين وفي الهند وفي الغرب حقَّه من الدراسة النظرية، وكانت مراجع تاريخ العمارة زاخرة بالنظريات التي تناولت هذه الفنون المعمارية، والتي درسها الاختصاصيون في العالم، وانتقلت إلينا مترجمة خالية من دراسة تنظيرية تحدد خصائص الفن المعماري الإسلامي، وكان لابد من سد هذا النقص من خلال مجموعة من المعطيات.
ويجب أن يكون واضحاً أن تحديد الخصائص لم يكن سابقاً لتكون فن العمارة الإسلامية، بل هو استدلال نستخلصه من شواهد هذا الفن المعماري. ولكن خصيصة أساسية كانت وراء هذا الفن حددت سمته واسمه، وهي الخصيصة الدينية التي تجلت في الفكر الجمالي الإسلامي، الذي كون الفنون الإسلامية والعمارة.
تتجلى علاقة العمارة بالدين الإسلامي من خلال عقيدة التوحيد كأساس عقائدي، ومن خلال التعاليم والمبادئ والتقاليد الإسلامية.
والفكر التوحيدي يقوم على الإيمان بإله واحد مطلق لا شبيه له {ولم يكن له كفواً أحد}، (سورة الإخلاص ، الآية: 4) وهو رب العالمين ورب السماوات والأرض، وبهذا فإنه يختلف عن مفهوم الرب في جميع الأديان والعقائد، حيث يبدو الرب مشخصاً محدداً أو مشبهاً ونسبياً. لقد كان الإطلاق سبباً في البحث المستمر عن أبعاد هذا المطلق، وكان الإيمان ممارسة حضارية تبدو في البحث عن سر المطلق وعن قدراته الهائلة التي تتمثل في الكائنات والطبيعة.
وكان المسجد أول بيت أسس على التقوى يجمع المؤمنين تحت قبة واحدة خاشعين أمام عظمة الخالق سبحانه، يتدبرون سرّاً وعلانية، التقرب منه علماً ويقيناً. وكان شرط عمارة المسجد يقوم على قواعد الصلاة. وانتقلت شروط الإيمان بالله الملاذ الأجل، إلى أشكال العمارة الأخرى، المدرسة والضريح والقصر والبيت.
. أما بناء المسجد فإن الزركشي، يتحدث بإسهاب عن شروط بنائه، لكي يساعد المصلي على أداء صلاته براحة، وعلى الاستماع إلى الخطيب بيسر.
ومن شروطه التي أوردها نذكر:
1- شرط الاتصال بين المصلين وتراص الصفوف
2- شرط خلو صحن المسجد من الأعمدة التي تقطع صفوف المصلين.
3- شروط تحقيق الإقتداء بعدم وجود حائل يمنع من تلاحق وتتابع صفوف المسلمين.
4- شرط وجود جدار نافذ بين الصحن والحرم.
5- شرط ألا يكون الدخول إلى صحن المسجد مباشراً.
لعمارة الحمامات شروط لابد من تحقيقها لضمان النظافة والحشمة والبيئة الصحية المواتية، تحدث عنها الكوكباني في (حدائق التمام في الكلام عن الحمام) وهي النظافة والعلاج من بعض الأمراض، وضمان الخدمات عن طريق منبر الإدارة، والمَخْلََع والمخزن وخزائن الأمانات، ويتحدث عن قواعد العمارة برفع مستوى الحمام، وتنظيم مجاري المياه والإكثار من فتحات الإضاءة في القباب.
ويشترط أن يقسم الحمام إلى ثلاثة أقسام. القسم البارد ثم الرطب وثم الساخن المجفف، لكي لا يتأثر المستحمون من تقلبات الجو المفاجئ.
أما المشافي فلقد حددت شروطها الوقفيات وأوامر المحتسب، ونصت على منهجية التصميم والبناء.
. إضافة إلى الشروط المفروضة المتعلقة بعمارة المباني، هناك شروط تتعلق بالعمران، كان أولها ما وضعه الخليفة عمر بن الخطاب. وأهمها أورده ابن الرامي في كتابه ، حيث حدد استعمالات الأراضي وحقوق الارتفاق وحقوق استعمال الطرق. ولقد تناولت المصادر الجَغْرافية وكتب الرحلات شروطاً تتعلق بالتخطيط الحضري، وبخاصة كتاب تاريخ مكة للأزرقي وتاريخ دمشق لابن عساكر، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي، وكتاب المواعظ والاعتبار للمقريزي الذي استوفى التخطيط الحضري الكامل لمدينة القاهرة، كما تضمن الكتاب وصفاً للجوامع والحدائق والزوايا والبيمارستانات والحمامات والخانات، وحدد مواقعها ضمن مخطط القاهرة. ويُعَدُّ كتاب المقريزي أهم مرجع لعلم التخطيط الحضري عامة و لوصف القاهرة خاصة .
ساحة النقاش