الحديث عن المدن القديمة فى ليبيا يأخذنا الي التطرق لمرحلة نشوء هده المدن والتى كانت فى بدايتها كمحطات استراحة ومراكز تبادل تجارى على خطوط سير القوافل التجارية وهذا مايلاحظ من خلال تتبع خطوط سير تلك القوافل وهدا ماأدى إلى ازدهار تلك المراكز إلى مدن أثرتها تلك الحركة بموروث ثقافى ومعمارى متنوع .
وهنا نحن نتتبع وبشكل مختصر فكرة انشاء وطرق واساليب بناء تلك المدن التى شيدت خلال الاربعمائة سنة الأخيرة والتى فى الغالب يمتد تاريخها إلى عشرات القرون غير أن أغلبها طمرت معالمها تحت الرمال أو طورت إلى مانراه اليوم من شواهدها أو انحرفت عن مكان بنيانها الأول .
وأماأساليب وطرق البناء لهذه المدن فقد تركزت على استراتجييات تتلخص في النقاط التالية :
_ إقامة البناء فى المدن على أراض غير صالحة للزراعة وذلك للمحافظة على الاراضى الزراعية القليلة ، حيث نجد أن أغلب المدن مشيدة على اراض
صخرية أو بمحاذاة شاطيء البحر.
_ احاطة المدن بالمزارع لمقاومة زحف الرمال وخلق متنفس طبيعى للسكان.
_ تشييد الأبنية على فكرة مقاومة الظروف المناخية وتكييف البيوت والشوارع ويأتى ذلك بعدة أساليب من بناء شوارع مسقوفة على جسور من الأقواس لخلق الظل داخل الشوارع وبناء أزقة ضيقة بحيث تتداخل الجدران لتقليل نسبة سقوط أشعة الشمس على جدران البيوت ، تجزئة الزقاق إلى أقسام مسقوفة تعمل فتحاتها على أحتجاز تيار الهواء البارد، طلاء الجدران الخارجية للمبانى بألوان فاتحة تعمل على عكس أشعة الشمس ، واستعمال مواد بناء تقاوم الرطوبة ودلك بخلط مواد البناء مع رماد الخشب المحترق لامتصاص الرطوبة من الجدران وكذلك دهن النقوش
ببياض البيض الذى يعمل كعازل للرطوبة ، وكسر استقامة الشوارع للتقليل من سرعة تيارات الهواء داخل المدينة .
_ استعمال مواد بناء من البيئة المحيطة وذلك للمحافظة على البيئة .
_ الفصل التام مابين الأحياء السكنية والأسواق وورش الصناعات للمحافظة على جو هادئ داخل المنازل.
_ التغلب على ثقل مواد البناء هى إحدى المشاكل التى واجهها معماريو المدن القديمة في ليبيا بعدة أساليب منها تركيز الثقل على الاقواس التى شاع منها عدة أنواع منها
القوس المخموس وهو على شكل مدبب وحدوة الفرس الذى يتكون من قطاع دائرى أكبر من نصف دائرة ، واستعمل أسلوب آخر وهو تركيز ثقل الجدران على أقواس مائلة لنقل الثقل من المستوى الافقى إلى المستوى العمودى ليقع الثقل على الارض
وهو مايعرف بالاكتاف الطائرة حسب عمارة القرون الوسطى .
_ رغم التشابه فى تصميم المدن الليبية القديمة إلا أنه يوجد اختلاف يتمثل فى مواد البناء وطرق الانشاءات وذلك حسب تنوع التضاريس ، حيث قسمت المدن الى مدن ساحلية وجبلية وصحراوية .
- المدن الساحلية : إنه من المعروف بأن المدن المطلة على شاطئ البحر تكون فيها الرطوبة عالية ، فنجد أن مواد البناء تكون من الحجر الجيرى والرمل المخلوط مع رماد الخشب المحترق لامتصاص الرطوبة من الجدران ، والاختلاف الآخر
يتمثل فى التصميم داخلياً للبيوت حيث نجد أن لبيوت المدن الساحلية فناء داخلى محاطاً بعرائش العنب وتتوسطه فسكية المياه وتفتح عليه نوافد وأبواب الغرف .
- المدن الجبلية : وعادة ماتكون مواد بنائها من الصخور المقاومة للاحتكاك ويستعمل الجبس والطين كمادة ربط وتسقف على شكل قبو ، ومايميز المدن الجبلية بشكل واضح هو منظومة قصور التخزين وطراز البيوت المحفورة تحت الأرض والمنحوتة داخل الجبال عن أقبية أفقية متطورة من نظام الكهوف تحتوى على غرف ودواميس التى يشعر فيها المرء براحة مناخية تختلف مع درجات حرارة الجو خارجها ، ومن الملاحظ عن المدن الجبلية فى تخطيطها العام هو تشكلها على هيئة أحياء تتكون من مجموعة من البيوت فى اطار مدينة واحدة التى تعد مدينة مركزية تلتف حولها مجموعة من القرى غالباً ماتفصل بينها أراض زراعية .
- المدن الصحراوية : يستعمل الطوب الطينى والطوب الملحى المقاوم للتآكل هذا لأن تربة الصحراء مشبعة بالاملاح التى تتسبب فى تآكل الجذران ، ويوجد أختلاف اخر وهو فى نظام التسقيف الذى يتم فى المدن الصحراوية بجدوع وأوراق النخيل ، ومايميز إنشاءات هذه المدن هو بناؤها على هيئة كتلة واحدة حيث يتلاصق
جدران أغلب مبانى المدينة ، وأما البيوت من الداخل فهي عادة ماتكون صغيرة وليس لها فناء داخلي وعادةً ماتتكون من طابقين
ساحة النقاش