أولاً: دور الصحافة في المجتمع الديمقراطى
توضيح العلاقة بين الصحافة والديمقراطية يتطلب الوقوف على خمسة أدوار للصحافة تؤثر من خلالها على الحياة السياسية والديمقراطية بشكل عام، وضعها الباحثون باستخدام تشبيهات واستعارات مبنية على أساس العلاقة بين الإنسان والكلب لتوضيح هذه الأدوار والوظائف وهى:
1- وظيفة المراقبة watchdog:
وتعد هذه الوظيفة امتداداً لمفهوم السلطة الرابعة Fourth estate، أي أن الصحافة تسعى لأن تكون رقيباً على كل ما يدور في المجتمع من مدخلات ومخرجات، بما في ذلك مراقبة المؤسسات الاجتماعية والسياسية النافذة في المجتمع، وهنا يوصف دور الصحافة بأنه مثل دور الحارس اليقظ الذي يعمل كحارس ورقيب ضد إساءات استخدام السلطة الرسمية، وكمراقب لمصالح المجتمع وحمايته من الفساد والانحراف، فالصحافة تعمل كرقيب للسلطة من خلال مراقبة المؤسسات والقضايا والأحداث والآراء، وتسليط الضوء على بعضها، وتقويم أداء الحكومة، وترويج مبدأ الحق في المعرفة، وحماية المجتمع من تسلط النظام السياسي، وهذا الدور الواقي يتم بشكل أفضل بواسطة صحافة مستقلة تحكمها اهتماماتها ومعاييرها الخاصة.
2- وظيفة الحراسة Guard dog:
وتعني هذه الوظيفة أن الصحافة تقوم بحراسة فقط للمؤسسات النافذة في المجتمع، وتكون أشد الحرص على متابعة العناصر الطفيلية التي تدخل إلى المجتمع وتعكر صفوه ونقاء العلاقة القائمة.
3- وظيفة المرشد Guide dog:
وتعني هذه الوظيفة أن الصحافة تقوم بدور المرشد أو الدليل الذي يمد المواطنين بمجموعة من المعلومات عن السياسات، وصانعي السياسة، والتي يحتاجونها لصنع القرارات، ولتقييم قادتهم.
4-وظيفة الأليف lapdog:
أو الناقل وتعني هذه الوظيفة أن الصحافة ترتمي في حضن المؤسسات الاجتماعية والسياسية دون أن تكون أداة مستقلة، ودون إبداء أي مساءلة للسلطة، ودون الالتفات إلى الآراء والاتجاهات الأخرى في المجتمع، خاصة التي لا تتفق مع مصالح المؤسسات النافذة في المجتمع، فهي تكون بمثابة أداة ناقلة لما يريد النظام السياسي أن تعرفه الجماهير، وبالطريقة التي يريدونها بدون توجيه أية انتقادات للمؤسسات القائمة.
5- وظيفة القائد lead dog :
وتعني هذه الوظيفة أن الصحافة تقوم بدور وضع الأجندة Agenda setting للقضايا المطروحة على الساحة السياسية، حيث تعمل الصحافة كمصفاة لهذه الحلول وترتيبها حسب الأولويات والأهمية قبل تقديمها للجمهور، كما تحث السياسيين على متابعة هذه القضايا نظراً لأهميتها في سياق الشأن العام، وبذلك تلعب دور الكلب القائد في الطريقة المحددة لإعطاء تغطية أكبر لأحد القضايا أكثر من الأنواع الأخرى.
ثانياً: مفهوم الصحافة الاستقصائية:
يعرف رئيس المركز الدولى للصحفيين "ديفيد نابل"، الصحافة الاستقصائية أنها "مجرد سلوك منهجى ومؤسساتى صرف، يعتمد على البحث والتدقيق والاستقصاء حرصا على الموضوعيـة والدقة وللتأكد من صحة الخبر وما قد يخفيه انطلاقا من مبدأ الشفافية ومحاربـة الفساد، والتزاما بدور الصحافة ككلب حراسة على السلوك الحكومى، وكوسيلة لمساءلة المسئولين ومحاسبتهم على أعمالهم خدمة للمصلحة العامة، ووفقا لمبادئ قوانين حـق الاطلاع وحرية المعلومات".
ويوضح "ديفيد نابل" أن مفهوم الصحافة الاستقصائية انطلق منذ الستينات مع الرئيس،"تيودور روزفلت" وفريق المنظفين أصحاب الحملة ضد الفساد والرشوة، وأصبح اليوم عملا مؤسسيا، له أصوله ومبادئه يساهم فى تغيير الأوضاع، وهو عمل بحثى كالذى يتطلبه أى تحقيق صحفى لكن فى العمق، يسهله .
وفقا لرأى رئيس قسم الصحافة الاستقصائية فى صحيفة، لوس أنجلوس تايمز، "ألان ميللر" وفرة الأخبار والمعلومات، وملايين الوثائق الرسمية المفتوحة وفقا لقانون حرية المعلومات، كما يسهله تعدد وسائل الحصول على المعلومات السرية من مصادر مختلفة تشمل: كبار المسئولين، مصادر المعارضة، موظفى الحكومة الناقمين عليها، الموظفين السابقين، الخبراء الأكاديميين والباحثين، المصادر المتطوعة، والوثائق غير المنشورة، والمكتبات الخاصة، والتقارير الإحصائية، والمعلومات من بلاد أجنبية .
ويرى الصحفى الإنجليزى نيك جوردون أن التحقيق الإستقصائى الجيد هو الذى يفرض عناوين الصحف الأخرى صباح اليوم التالى.
فالصحافة الإستقصائية تشمل كشف أمورخفية للجمهور , أمور إما أخفاها عمداً شخص ذو منصب فى السلطة أواختفت صدفة خلف ركام فوضوى من الحقائق والظروف التى أصبح من الصعب فهمها , وتتطلب استخدام مصادر معلومات ووثائق سري وعلنية , وهى الصحافة القائمة على توثيق المعلومات والحقائق باتباع أسلوب منهجى وموضوعى بهدف كشف المستور وإحداث تغيير للمنفعة العامة.
ثالثاً: نشأة وتطور الصحافة الإستقصائية:
ظهرت الصحافة الاستقصائية مع بداية تطور مفهوم ودور الصحافة فى المجتمع واتجاهها فى الإبراز والتركيز والتحرى عن قضايا معينة تحدث فى المجتمع، خاصة جوانب الانحراف والفساد ونتيجة لذلك ظهر لون جديد من التغطية الصحفية سمى بالصحافة الاستقصائية Investigative Journalism وسمى محررو هذا اللون بـ المنقبين عن الفساد.
وقد أطُلق هذا الاسم على مجموعة الصحفيين الذين قادوا حملات صحيفة مهمة ضد الفساد خاصة عام 1901، حين أدى التوسع الصناعى السريع بعد الحرب الأهلية إلى الكثير من أنواع الظلم وكانت الاحتكارات موضع قلق عام، ورأى فيها بعض المراقبين تحالفا غير سديد بين التجارة والسياسة.
واعتمد هؤلاء الصحفيين الملقببين بالمنقبين عن الفساد فى حركتهم الصحفية على نشر التحقيقات الصحفية الكاشفة المبنية على وثائق رسمية وخاضعة لمراقبة الخبراء، وبرزت حركة المنقبين عن الفساد كقوة مهمة عام 1906، ثم بلغت قمة النجاح عام 1911 ، ثم تبددت عام 1912 حيث بدأ الجمهور يبتعد عنها، وكذلك تعرضت الصحف لكثرة الضغوط المالية، مما أدى إلى اختفاء هذا اللون من الصحافة.
ولكن يرجع إلى هذا النوع من الصحافة الفضل فى العديد من الإصلاحات التى تمت فى المجتمع الغربى، ومع مطلع السبعينيات من القرن العشرين بدأت الصحف الأمريكية بشكل متزايد فى تشجيع المحررين ذوى الخبرة على التحرر من القصص الروتينية حتى يستطيعوا معالجة القضايا والموضوعات ذات المغذى التى تتطلب وقتا أكثر وخبرة، حيث لعب المراسلون أدوارا حاسمة فى كشف ما يُعرف فيما بعد بأخطر فضيحة فى فترة ما بعد الحرب الثانية حيث تابع الصحفيون فى واشنطن قرائن خلفتها سرقة فى مبنى للمكاتب فى "ووترجيت" وواصلوا تحرياتهم إلى أن أوصلتهم تحرياتهم إلى البيت الأبيض، وقد دفعت التقارير الأخبارية الخاصة بالسرقة، الكونجرس الأمريكى إلى بدء تحقيقات أدت فى نهاية الأمر إلى استقالة الرئيس الأمريكي،"ريتشارد نيكسون"من منصبه بعد إدانته هو وكبار معاوينه عام1974، وأشهر المحررين الذين قاموا بالتغطية الاستقصائية، كلا من Bbwood ,Ward Cary Bernstein , بجريدة الـ Washington Post.
وقد انتشرت الصحافة الاستقصائية فى الولايات المتحدة الأمريكية خلال فترة السبعينات من القرن العشرين لأسباب متعددة منها: الدعم المالى الذى حصلت عليه الصحافة فى أوائل السبعينات، إذا كان التخطيط لذلك قد بدأ منذ عام 1968 بشكل غير منتظم، وأصبح هناك منظمة أو صندوق مستقل هو Fund Of Investigative Journalism، يموله المؤسسات والأفراد، وقد نجح هذا الصندوق فى تمويل أكثر من 60 مشروع تغطية استقصائية خلال الفترة من سبتمبر عام 1971 وحتى سبتمبر 1973، كشفت عن أوجه نشاط قابلة للمناقشة تتصل بالأوضاع المريبة فى النشاط الاقتصادى والحياة السياسية، وعن فساد الحكومة.
وفى عام 1976 تأسس اتحاد المندوبين والمحررين الاستقصائيين " IRE" Investigative Reporters & Editors كجماعة صحفية لا تهدف إلى الربح، وذلك على يد مجموعة من المحررين الاستقصائيين بهدف تشجيع الصحافة الاستقصائية وتنميتها, وخطط لتطوير مركز للموارد يضع خدمات ونشرة إخبارية عن الموضوعات الاستقصائية إلى جانب دليل للخبراء وبعض الخدمات الأخرى, ومع نهاية عام 1976 شكلت الجماعة فريق عمل صحفى بقيادة محرر جريدة Newsday الشهير Robert Green لإجراء تغطية استقصائية عن الجرائم التى أدت إلى اغتيالBallston محرر جريدة Arizona Republic الذى كان يقوم باستقصاء نشاط الجريمة المنظمة فى ولايته, أريزونا، حيث وضعت قنبلة فى سيارته، ومنذ ذلك الوقت يتعرض الصحفيون المنقبون عن الفساد للخطر من أجل تعزيز الشفافية والحكم المسئول والتصرف المشترك والحد من الفساد، وقد اغتيل ثمانية وستون صحفيا عام 2001ويرجع سبب اغتيال خمسة عشر صحفيا منهم إلى أعمال استقصاء عن قضايا الفساد وهذا رقم ينذر بالخطر.
وتستخدم الصحافة الاستقصائية الآن بشكل متسع فى مجالات كشف الفساد فى المجتمع وتقديم الرؤية الاستقصائية الشاملة التى لا تستطيع أن تقدمها وسائل الإعلام الأخرى، وقد صاحب هذا نموا متزايدا فى توظيف الحاسبات الإليكترونية لأغراض تصنيف المعلومات والبيانات الكثيرة التى يحصل المحررون الاستقصائيون عليها، وتحليلها بشكل يساعدهم على الوصول إلى خلاصات كمية دقيقة وقد ساعد على ذلك انتشار استخدام المؤسسات الحكومية والمؤسسات الخاصة للمحاسبات الإليكترونية فى تخزين المعلومات وتصنيفها واسترجاعها مما أتاح إمكانية الحصول عليها بنفقات قليلة أو بدون نفقات على الإطلاق.
ورغم النجاح الذى حققته الصحافة الاستقصائية خلال السنوات السابقة فى الولايات المتحدة الأمريكية وتفجيرها لأخطر فضيحة أمريكية "ووترجيت" إلا أن الوضع قد تغير بعد انقضاء ثلاثة عقود على هذا الإنجاز، فلم تعد الصحافة الاستقصائية النجم الأكثر تألقا فى أمريكا، ففى الوقت الذى ظلت فيه الصحافة تفخر بما قامت به خلال سنوات ما بعد ووترجيت، بدأت تنتشر موجة من التشاؤم حول الأوضاع الصحفية فى الولايات المتحدة الأمريكية، نظرا للتوسع فى تركيز وسائل الإعلام فى عدد قليل من الشركات الضخمة، والاتجاه إلى إدخال الإثارة فى التغطية الإخباريةمما استنزف النشاط الذى تتطلبه عمليات الاستقصاء فى الميدان الصحفى, بجانب ضغوط إدارة الأعمال التى تعوق القيام بنشاطات صحيفة استقصائية.
فمثل هذه النشاطات تتطلب تخصيص أوقات طويلة وموارد بشرية ومالية كبيرة، كما أن احتمال تسبب التقارير الصحفية فى دعاوى قضائية مكلفة يقلق المؤسسات الصحفية فى دعم حملات الاستقصاء ,ولكن هذه العوامل لم تؤثر على عدد التقارير الاستقصائية التى تم نشرها خلال العامين الماضيين فى الولايات المتحدة الأمريكية، فقد نشرت صحف المدن الرئيسية تقارير كشفت عن حالات فساد، وظلم، وسوء إدارة
نشرت فى 14 سبتمبر 2010
بواسطة Arabmedia
صفاء السيد
صفاء السيد باحثة ماجستير قسم الإعلام - كلية التربية النوعية - جامعة المنصورة , اهتم بكل ما هو جديد ومثير فى مجال الاعلام عموما والصحافه على وجه الخصوص تم انشاء الموقع 2010/2/11 »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
553,407