المسرحية الإسلامية: هي وسيلة غير تقليدية للإرشاد والتعليم، ورافد مهم للمعرفة والثقافة ومنبر للإصلاح والتقويم·
ويختلف المسرح عن جميع الوسائل غير التقليدية للتثقيف والتعليم الأخرى كالإذاعة والتلفزيون والفيديو، وما يجد أو يستجد من الأشكال الإعلامية التعليمية في كونه كالحياة ينبض بالحركة ويستمد مادته منها ويصب إنتاجه فيها وكذلك لا يتطلب إنتاجه تكلفة كبيرة، بالإضافة إلى حقيقة أن كل الأشكال التمثيلية مشتقة منه لأنه أبو الفنون ورائدها كما نعلم·
قد يسعى البعض إلى عمل تجربة مسرحية إسلامية ولكن لا يجد النص المسرحي الذي يساعده في إنجاز التجربة، إذ لا يتوفر بالمكتبات العربية سوى عدد محدود من النصوص المسرحية الإسلامية المتفقة من حيث المضمون والشكل والصياغة مع كل ماجاء بكتاب الله وسنة رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، كما تندر الكتب والدراسات والأبحاث التي ترشد إلى الطرق المثلى لإعداد وتأليف مسرحية إسلامية، والنصوص المسرحية المتوفرة بها بعض القصور من الوجهة الفنية·
لأنها قد تنطوي على موضوعات رائعة ولكن بصياغات جافة مشحونة بالبيانات والإرشادات والتوجيهات التي تلح بالنصح المباشر وهو أسلوب لا يناسب المقام أو المقال المسرحي الذي يدعو إلى الفضائل جميعا بأسلوب غير مباشر حتى يبقى كما هو في ذهن المتلقي مقترناً بالمتعة والترفيه، وبعض النصوص المتوفرة نتيجة عدم معرفة كاتبها لطبيعة المسرح تكون مستحيلة التنفيذ أو أن يكون حجم الناتج منها لا يتناسب مع الجهد المبذول فيها·
ولما كانت ندرة النصوص المسرحية الإسلامية واحدة من أهم معوقات تنمية الثقافة المسرحية وهي نتيجة طبيعية لغياب المعرفة بالمبادئ اللازمة لكتابة المسرحية الإسلامية، ولأن الفراغ الناتج لا يملأه نص أو أكثر يكتب، وإنطلاقاً من حكمة >أفضل من أن تعطيني سمكة علمني كيف أصطاد< سنجتهد إلى التعريف بأجديات كتابة النص المسرحي الإسلامي وهي توجيهات يسيرة إذاصادفت نية خالصة لوجه الله·
-النص الإسلامي يجب أن يعتمد على حكاية ذات معاني وقيم دينية وأخلاقية وهذه الحكاية يمكن أن تكون تاريخية ويمكن أن تكون عصرية ويمكن أن تجمع بين التاريخية والعصرية بشرط أن تكون جذابة وطريفة وبها ما يحفز المتلقى على مشاهدتها بأن يكون النص متواصلا ومتماساً مع هموم وقضايا واهتمامات المشاهد المستهدف·
وتتفق المسرحية الإسلامية مع جميع أشكال الحكايات الأدبية في وجوب الاحتواء على المقدمة >البداية< والوسط >الحادثة أو العقدة< والخاتمة (النهاية) وهي المراحل التي تنقسم إليها أي حكاية حقيقية أو خيالية·
يكتب النص المسرح الإسلامي على النحو التالي:
1-الفكرة الرئيسية: وهي اختصار واف في كلمات معدودة للرسالة التي يصبو إليها الكاتب، وكلما كانت واضحة لا غموض فيها منطلقة من إيمان راسخ وعقيدة قوية كانت أقدر على الوصول إلى الملتقى ويحتوي النص الناضج على فكرة واحدة محددة·
2- الشخصية المسرحية، وتختلف عن الشخصية الإنسانية في كونها من بنات أفكار الحكاية أي أنها شخصيات (وهمية) تبتكر وتوظف في توصيل الرسالة المسرحية >الفكرة الرئيسية< ومن الضروري انتقاء الشخوص الصالحة للقيام بالعمل كسفراء لتوصيل الأفكار، وبعد انتقاء الشخصيات تكتب السيرة الذاتية الافتراضية لكل شخصية منها التي أهلتها لحمل الرسالة مع تحديد الكيان الجسماني والاجتهادي والنفسي لكل منها·
3- الصراع (الحدث): وهو المعركة التي يفتعلها الكاتب بهدف توصيل الفكرة ويجب مهما بعد عن الفكرة في الظاهر أن يكون لديه ما يؤكد أن الابتعداد كان بغرض رؤيتها بطريقة أفضل ويتم التصويب من كل النقاط نحو نفس الهدف وعلى الكاتب أن يعتمد على الشخصيات في افتعال المشكلات التي يجب أن تتصاعد حتى تبلغ ذروتها التي يظن عندها المتلقي أنه لا نجاة حتى يسقط الطوق إلى محيط النص ومعه النهاية الطبيعية التي تؤكد على حقيقة أن الخير لابد منتصر في النهاية ليتفق مع تعليمات الإسلام·
4-الحوار المسرحي: وهو الإداة التي يستخدمها كاتب النص المسرحي الإسلامي لتوصيل أفكاره وحكاياته بواسطة شخصياته وهو يجب أن يكون بلغة القرآن العربية الفصحى، وهو على الأقل يكفل للمنتج المسرحي إمكانية التداول على محيط عربي أوسع وأشمل ومفردات اللغة العربية يسرة وقادرة على التعبير عن كل الاحتياجات المسرحية، والحوار المسرحي الجيد هو ما يعبر عن أبعاد الشخصية التي تتلفظ به بلا تكلف ولا إسفاف، ويراعى فيه البعد عن الثرثرة بأي ألفاظ أو كلمات لا تؤدي إلى إضافة معنى أو معلومة للمتلقي، لأن الحوار إذا كان لغة تفاهم في الحياة فإنه في المسرح طريقة توصيل للأخبار الهامة والتي رغم أهميتها يحسن عدم تكرارها حتى لا يحدث رتابة أو ملل ويستخدم الحوار كأداة رئيسية في توصيل الحكاية المسرحية·
وإذا كان هناك أي غموض في أي من الخطوات السابقة فإنه سيتضح بإذن الله في البيان العملي التالي والذي يعرض تطبيقاً مسرحيا على هذا الحديث المتفق عليه >عن ابن عمر ] قال: سمعت رسول الله [ يقول: انطلق ثلاثة نفرٍ ممن كانوا قبلكم، حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه··· فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم··· الغار فقالوا، إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، قال رجل منهم: اللهم كان ريلي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالاً فنأى بي طلب الشجر يوماً فلم أرح عليهما حتى ناما، فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين فكرهت أن أو قظهما وأن أغبق قبلهما أهلاً ومالاً فلبثت والقدحُ على يدى أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر والصبية يتضاغون عند قدمي فاستيقظا فشربا غبوقهما اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج منه، قال الآخر: اللهم إنه كانت ابنة عم لي كانت أحب الناس إليَّ فأردتها عن نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تُخلى بيني وبين نفسها ففعلت حتى إذا قدرتُ عليها قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلىَّ وتركت الذهب الذي أعطيتها اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها، وقال الثالث: اللهم استأجرت أجراء و أعطيتهم أجرتهم غير واحد ترك الذي له وذهب فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال لي: يا عبد الله أد إليَّ أجري فقلت: كل ماترى من أجرك من الأبل والبقر والغنم والرقيق فقال: ياعبد الله لا تستهزئ بي فقلت: إني لا أستهزئ بك فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئا اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون< يبدأ التطبيق العملي على الحديث·
أولاً: يتم التمييز بين الشخصيات ورصد السمات والأبعاد المختلفة لها كما يلي:
1- موسى: راعي أغنام، رقيق الحال، قوى البنان، >بار بوالديه<·
2- ياقوت: تاجر ثري، رومانسي، عصامي وافر الصحة >المتيم بابنة عمه<·
3- فضل: تاجر وافر الثراء قوي معتدل البنيان >المعطي الأجير أجره<·
ثانيا: تبدأ المشكلة التي إما أن تكون للجميع كما هو في الحديث أو أن تكون بين الشخصيات المفترضة وفي الحديث العقدة تبدأ مع تدحرج الصخرة العملاقة التي تسد فوهة الغار·
ثالثا: يتم صياغة الحوار لتوصيل المعلومات المسرحية على النحو التالي:
موسى: هل تذكرا الصخرة العملاقة التي كانت أمام الغار قبل دخولنا·
ياقوت: نعم·
فضل: نعم نذكر·
موسى: لقد دفعتها الرياح، وسدت علينا فوهة الغار·
فضل: لن نستطيع الخروج؟
وعبثا يجرب الثلاثة الوسائل المختلفة للخروج كالصراخ والاستغاثة ودفع الصخرة وكلها تتم من دون جدوى، يبدأ كل منهم في توجيه اللوم والعتاب إلى الآخر بدعوى أنه صاحب الإثم والذنب الذي أودى بهم إلى تلك التهلكة ومن هنا تنطلق فكرة أنه إذا كان ما عرضهم لهذا المأزق هو ما ارتكب أحدهم من آثام وذنوب فإنه لا خروج لهم إلا بذكر ما فعلوه من طيبات وحسنات وخيرات، ويبدأ كل شخص في البحث عن الموقف من حياته الذي يستحق به الخروج من هذا المأزق المميت وسنتخيل هنا حوار أحدهم على هذا النحو·
موسى: أقول وأنت ياربي أعلم >ينظر إلى السماء< أنه كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت أحبهما وأحنو عليهما وأستبشر برعايتها وكنت اعتدت أن أعود بالحليب كل مساء فلا يذوقه أحد من أبنائي قبل أن يأخذا كفايتهما، وذات يوم أخذني العمل فتأخرت، وعدت فوجدتهما نائمين وأبنائي في انتظاري جائعين فكرهت أن أطعمهم قبل أبوي، وانتظرت ساهراً حتى استيقظا من نومهما وتناولا طعامهما ثم أطعمت أولادي بعدهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك فأزح عنا الصخرة·· فتزاح الصخرة جزءاً قيلاً لا يسمح بخروجهم·
ويتحدث رفيقاه بأن يذكر كل مهما العمل الصالح الذي قاله نبينا عليه السلام في الحديث حتى تنزاح الصخرة ويخرجون فرحين مهللين ثم ينتهي النص بحوار كالتالي:
موسى: >عائداً< لقد نسيت حاجياتي·
ياقوت: يتبعه محذراً< هلم ياموسى قبل أن يغلق الغار·
موسى: حتى لو أغلق مرارا، فلا ضرر ولا ضرار··· مادمنا قد عرفنا الطريق، وأدركنا الطوق··· طوق النجاة العمل الصالح·
وقبل أن نسدل ستار الختام عن كيفية··· أبجديات··· كتابة المسرحية الإسلامية سنراجع الوصايا التي تؤدي إلى منتج جيد وهي:
كتابة النص في أقل عدد ممكن من الصفحات وبالطريقة الموضحة في النموذج العملي بأن يكتب اسم الشخصية وبجواره يميناً الحوار الخاص بها، مع الحفاظ على الكيفية والمضمون وأن يحتوي النص على شخصيات قليلة ومحدودة وأن يكتب بأسلوب يسهل تلقيه وأن يتضمن الحوار في كل مرحلة قاعدة >سرد الماضي وإقرار الحاضر واستشفاف المستقبل< حتى يمكن للمتلقي التواصل مع المسرحية الإسلامية إذا تابعها في أي مرحلة من مراحلها لأن الحوار في أي وقت سيشمل معلومات من الماضي وإقراراً عن الحاضر يمكن أن يستنتج منه مستقبل الأحداث، وبهذا الإنجاز يسهم المرء في إيجاد بديل إسلامي للمنتجات الفنية اللا أخلاقية التي تقتحم أفكار ووجدان أبناء أمتنا، وهي شرور لا نجاة منها إلا بتوفير ماهو خير منها·
< المراجع
- في الشعر: أرسطو
- في كتابة المسرحية: لاجوس آجري
- رياض الصالحين: للإمام أبي زكريا بن شرف النووي·
- المسرح العربي: رشدي صالح
- ضرورة الفن: آرنست فيشر
المصدر: مجله الوعى الاسلامى
نشرت فى 18 فبراير 2010
بواسطة Arabmedia
صفاء السيد
صفاء السيد باحثة ماجستير قسم الإعلام - كلية التربية النوعية - جامعة المنصورة , اهتم بكل ما هو جديد ومثير فى مجال الاعلام عموما والصحافه على وجه الخصوص تم انشاء الموقع 2010/2/11 »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
553,511