العلوم الاقتصادية والقانونية والإدارية البيئية

authentication required

تعد بحيرة المنزلة واحدة من اكبر البحيرات الشمالية والتي تم اعتبارها "نقطة سوداء" فى البيئة المصرية منذ عام 1992 كما وصفتها خطة العمل البيئى لمصر. والبحيرة تقل مساحتها الآن عن 1000 كلم مربع (حوالى 120 الف فدان) وتقدر مساحة المياة بها إلى اقل من 500 كلم مربع وتحتوى على مايقرب من 500 جزيرة ويقدر متوسط عمق المياة فيها بحوالى 130 سم تقريبا. ويعيش حول البحيرة مايقرب من 8 مليون نسمة. وتعانى البحيرة من العديد من المخاطر التى تهددها منذ بداية العصر الصناعى لمصر فى آوائل الخمسينات من القرن الماضى ومن أهمها الصرف الصناعي والصرف الزراعي والصرف الصحي وعمليات التجفيف لمساحات شاسعة من البحيرة إضافة إلى دخول العديد من الأنواع النباتية لم تكن مسجلة فيها.

وأكدت وزارة البيئة فى بيان لها أن بحيرة المنزلة تتلقى سنويا 226.6 مليون متر من الصرف الصحي و6.6 مليار متر مكعب من الصرف الزراعى و4.2 مليون متر مكعب من الصرف الصناعي، وكل هذه الكميات غير معالجة سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. وأضافت الوزارة فى بيانها أن قلة عدد البواغيز وسوء حالتها أدى إلى عدم وصول مياه البحر إلى البحيرة، وأنه لا يتم التخلص من مخلفات عمليات التطهير، مما ساعد المخالفين على إقامة الجسور والحوش الأمر الذى أدى إلى تناقص مساحة البحيرة من 750 ألف فدان فى عام 1885 لتصبح 230 ألف فدان فقط عام 2000 ، ثم 120 ألف فدان فقط فى الوقت الحالى، وفقا لتقديرات هيئة تنمية الثروة السمكية وأيضا الدراسات التى قامت بها وزارة البيئة. ومن جانبه، قال ماجد جورج وزير البيئة، إنه تم إنشاء مشروع لمعالجة مياه الصرف الملوثة من مصرف بحر البقر، وإن جهود الوزارة بالتعاون مع شرطة المسطحات أسفرت عن إزالة 3000 فدان من إجمالى 20 ألف فدان تعديات، وإزالة 257 كشكا خشبيا مخالفا على شاطئ البحيرة.

وقد عقد العديد والعديد من المؤتمرات القومية إضافة إلى المشاريع البحثية للتصدي لمشكلة تلوث بحيرة المنزلة منذ عام 1991 حيث عقد المؤتمر القومي لبيئة بحيرة المنزلة دون الوصول إلى اى حل لمشاكل البحيرة التى يهدر دمها بين عدة محافظات وبين فساد أو تقاعس بعض المسئولين عن تطبيق قانون البيئة على الجهات المخالفة. ويذكر للسيد الوزير المهندس ماجد جورج أنه قام بنشر تقارير حالة البيئة فى مصر بشفافية كاملة على موقع وزارة البيئة المصرية موضحا التلوث الذى تعانى منه بحيرة المنزلة.

ويستقبل الجزء الخاص من بحيرة المنزلة فى محافظة بورسعيد كافة أنواع الصرف الصناعي والصحي إضافة إلى عدد كبير من المصارف والتى تصب فى البحيرة وعلى رأسها مصرف بحر البقر الذى يعد من اكثر المصارف تلوثا على مستوى العالم كما تذكر العديد من المراجع والموسوعات العالمية والمصرف طوله حوالى 106 كم وله فرعان رئيسيان هما فرع القليويية بطول حوالى 73.2 كم ومصرف بلبيس بحوالى 66 كم ويستقبل المصرف كافة اشكال التلوث من الصرف الصناعى والزراعى ومياة الصرف الصحى. 
وفى عام 2010 قمت بمساعدة الباحث البيئى بمحمية اشتوم الجميل حسين محمد رشاد بنشر أول دارسة بيبليوجرافية عن بحيرة المنزلة لنوثق للعالم فى خطوة استمرت لعدة اعوام كافة الدراسات المتاحة فى حينها والتى أجريت على البحيرة منذ عام 1799. وبفحص مصادر المعلومات المتاحة تمكننا من حصر 447 مرجع نشرت خلال المائتي عام الماضية (من 1799 الى 2009). وقد تم تصنيف المراجع الواردة في هذه الببليوجرافيا إلى ثمانية عشرة مجموعة من الدراسات المرتبة أبجديا. والمراجع داخل كل مجموعة من الدراسات تم ترتيبها تصاعديا. وقد اشتملت هذه الدراسات على علوم الآثار ، البكتيريا ، الطيور، الأسماك ، النباتات، الفطريات ، الصحة، الجغرافيا ، الجيولوجيا ، الحشرات ، منوعات، الهائمات النباتية ، الاستشعار عن بعد ، الرسوبيات، الدراسات الاجتماعية ، والتربة والمياة والهيدرولوجيا والهائمات الحيوانية وفونا القاع. 

ويفيد التوصيف البيئي لمحافظة بورسعيد لعام 2008 أن كافة أنواع الصرف الصناعي لمصانع بورسعيد تصب مباشرة فى قناة الاتصال الواصلة بين بحيرة المنزلة وقناة السويس لتتلوث بحيرة المنزلة وقناة السويس دونى أدنى اهتمام من الجهات الحكومية أو أصحاب المصانع للحفاظ على بيئة البحيرة من التلويث.

واستعرض تقرير التوصيف البيئي بيان بالملوثات الموجودة فى بحيرة المنزلة عن عام 2006 ولخصها ان الصرف الصناعي هو المصدر الرئيسي لتلويث البحيرة فى محافظة بورسعيد 

وقد أوضحت نتائج الدراسات التي أجريت على البحيرة خلال التسعينيات من العام الماضي وحتى الآن على يد الباحثين المصرين أو بالتعاون مع الفرق البحثية الأجنبية التالى:
1- تحول البحيرة من مياة مالحة إلى مياة عذبة نتيجة الصرف الصناعي والزراعي والصحي المستمر فيها.

2- ان نسبة املاح الفوسفات والنبرات والنيتريت والامونيا فى مياة البحيرة قد تعدت المقاييس العالمية والمصرية الخاصة بقانون البيئة رقم 4 لعام 1994 والمعدل بالقانون 9 لسنة 2009.
3- العناصر الثقيلة وخصوصا الرصاص والنحاس والمنجنيز والزنك فى المياة قد وصلت لنسبة عالية تخطت الحدود المسموح بها لمنظمة الصحة العالمية.
4- العناصر الثقيلة فى القاع مثل الرصاص والكادميوم والنحاس والمنجنيز والزنك قد وصلت إلى أعلى المعدلات التى تم تسجيلها خلال العشرين عام الماضية.
5- وقد سجلت بكتريا القولون (ايشيرييا كولى) كدليل تلوث برازي للمياة معدلات عالية وصلت الى 2 مليون CFU فى الميليلتر وقد اصابت اسماك البلطى سواء فى الخياشيم أو لحومها.
6- تم عزل وتعريف العديد من البكتيريا الممرضة فى المياة مثل بكتيريا الالتهاب الرئوى والتليف الكيسى للرئتين.
7- تم عزل وتعريف بكتيريا الكوليرا وبكتيريا السالمونيلا والشيجيلا المسبب الرئيسى للتسمم الغذائى وبكتيريا الإضطربات المعوية من الرسوبيات القاعية للبحيرة.
8- وصلت نسب العناصر الثقيلة فى الأسماك وصلت للحد السام وخاصة الرصاص والنحاس والكادميوم حيث سجل الرصاص نسبة تزيد عن 4 مجم لكل جم من السمك من الوزن الجاف اما النحاس فقد سجل نسبة تصل الى 0.9 مج/جم أما الكادميوم فقد سجل نسبة تصل الى 0.2 مجم/جم وهو مايزيد عن ثلاثة اضعاف ما سبق تسجيله فى الدراسات السابقة لبعض الباحثين المصريين و بالتالى عدم صلاحية الاسماك للاستهلاك الآدمى وخاصة فى قناة البشتير مصب مصرف بحر البقر. والتلوث بالعناصر الثقيلة السابقة إضافة إلى الزئبق ينتج من الصرف الصناعى لمصانع البويات والدهانات وكذلك مصانع تصنيع الصودا الكاوية.

أما الحالة الصحية للمواطن البورسعيدي وفى تصريحات للدكتور/ حلمي العفني مدير الشئون الصحية ببورسعيد لموقع بورسعيد أون لاين 28 مارس 2010 أعلن ان المواطن داخل محافظة بورسعيد يعانى من انتشار لمرض السرطان و الفشل الكلوي الذى ينتشر بطريقه رهيبة بين الشباب الصغير والمواطنين كبار السن ومن أسبابه ارتفاع ضغط الدم وحصوات الكلي والاطعمة ذات الرصاص العالي . وأن الكلي الصناعي (مركز في مستشفي بورسعيد العام وأي مركز يتواجد فيه 10 ماكينات او 15 ماكينة للغسيل الكلوي والمستشفي الأميري بها 62 ماكينه غسيل كلوي) ,ان أكتر من 200 مريض يتم عمل الغسيل الكلوي 3 بواقع ورديات يوميا إضافة إلى إنتشار الالتهاب الكبدي بأنواعه A –B- C. وتلك التصريحات والنتائج ترتبط إرتباط مباشر بدراسة العالم ياسر النحال والتى اجريت عام 2004 عن حالة الغذاء فى الوطن العربى وتأثير الملوثات على صحة الإنسان حيث خضعت 75 سيدة من محافظة بورسعيد كعينات بحثية لتلك الدراسة كانت من بينهم 43 سيدة منهم مصابة بسرطان ثدي و 21 سيدة لديها أورام حميدة فى الثدى و11 سيدة لا تعانى من اى أعراض وتم تسجيل تفاوت نسب الملوثات فى الدم من حيث ارتفاع معدلاتها فى حالات سرطان الثدي ووجودها بنسبة اقل فى حالات الاورام الحميدة وإنعدامها فى الحالات السليمة 

وقد قام محافظ بورسعيد الأسبق مصطفى كامل بتشكيل اللجنة العليا للبيئة للمحافظة بالقرار رقم 62 لعام 2006 والتى يعد من القرارات المعيبة حيث ان جميع الجهات الحكومية التي تتهاون ومازالت فى حق المواطن فى الحصول على بيئة نظيفة تم تمثيلها داخل تلك اللجنة مع التعمد الواضح لتهميش دور العلماء ومنظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حماية البيئة داخل محافظة بورسعيد. وعلى النقيض ضمت اللجنة بعض ملاك المصانع الذين يشار لهم بأصابع الاتهام في قضية تلويث بيئة بحيرة المنزلة. 

ومنذ عام 2003 تتصدى العديد من منظمات المجتمع المدنى داخل محافظة بورسعيد وعلى راسها "جمعية بلدى بورسعيد لحماية البيئة وحماية المستهلك" لمشاكل تلويث البيئة وخاصة بحيرة المنزلة من خلال العديد من الانشطة مثل محاضرات التوعية والنشرات العلمية والوقفات الاحتجاجية مثلما حدث فى يوم 3 يونيو 2010 امام ديوان عام محافظة بورسعيد ضد مصانع الموت الملوثة لبيئة البحيرة.

ومن خلال العديد من المؤتمرات والدراسات فإن حل مشكلة تلويث بحيرة المنزلة داخل نطاق محافظة بورسعيد والتى تتعرض لكافة أنواع الصرف كالتالي:
• الاعتراف بوجود المشكلة هو أول الطرق لحلها وأن تطبيق الشفافية في إعلان نتائج الدراسات العلمية هو حماية للمواطنين من الأمراض وتوفير لأموال الدولة في علاج المصابين نتيجة للتعتيم عليها أو تجاهل إعلانها. 
• الوقف الفوري لكافة أنواع الصرف والقادمة من المحافظات الأخرى للبحيرة داخل المصارف مثل مصرف بحر البقر والسرو وحادوس ورمسيس وغيرهم.
• تطبيق قانون البيئة لقانون 4/94 المعدل بالقانون 9 لسنة 2009 بكل حزم على المصانع المخالفة فى محافظة بورسعيد دون النظر إلى أصحابها حيث انه لا احد فوق القانون.
• ضرورة عمل مسح دوري لكافة معايير الخاصة بالمياة والقاع فى بحيرة المنزلة عن طريق وزارة البيئة وإعادة تقييم هذه القياسات ومقارنتها بالدراسات السابقة كل فترة.
• وضع خطة متكاملة لفتح البواغيز بالشكل الذي يضمن دخول مياة البحر إلى البحيرة لغسيلها وتطهيرها وإعادة مياة البحيرة إلى حالتها السابقة بالاتفاق مع دول حوض البحر المتوسط بهذا الصدد.
• تطبيق تقنيات الاراضى الرطبة لمعالجة مياة الصرف الصحي على الفرع الآخر لمصرف بحر البقر (فرع الجنكى) حتى يتم التخلص من كم كبير من الملوثات التى تصرف فى البحيرة. 
• تطبيق تقنيات غير مكلفة ومن البيئة المصرية لمعالجة مياة الصرف حيث سجل العديد من الباحثين المصرين العديد من الدراسات الرائدة فى هذا المجال باستخدام الكائنات الدقيقة والفطريات والنباتات فى امتصاص العناصر الثقيلة أو التخلص الآمن من الملوثات.
• تشكيل لجنة شعبية للدفاع عن البيئة ببورسعيد وأن تكون اللجنة فى حالة اجتماع دائم ويتم تشكيل اللجنة من ممثلين عن الأحزاب وممثلين عن منظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية والعمالية والعلماء المتخصصين كون انه لا توجد اى جهات تدافع عن البيئة فى بورسعيد حتى تاريخه.
• إنشاء المرصد البيئى التفاعلي لمحافظة بورسعيد لتوثيق وتسجيل كافة أنواع المخلفات والانتهاكات للحقوق البيئة للمواطنين ورفعها على الفور على الشبكة العنكبوتية الدولية للمعلومات.

• عدم تقاعس المواطنين وضرورة مطالبتهم بحقوقهم التى كفلها لهم القانون حيث نصت المادة 103 من قانون البيئة رقم 4 لعام 1994 والمعدل بالقانون 9 لعام 2009 أن من حق أى مواطن أو جمعية معنية بالبيئة أن تقدم شكاوى للجهات المختصة أو بلاغات لقسم الشرطة أو النيابة العامة أو تتخذ إجراءات قضائية أمام القضاء العادى ومجلس الدولة للمطالبة بما قد يرونه من حقوق لهم وللمجتمع طبق لقانون البيئة ولائحته التنفيذية، ولا يشترط وجود مصلحة للشاكى أو المبلغ أو المدعى فى الشكوى والبلاغ والدعوى المتعلقة بمشكلة بيئية.

• مخاطبة منظمات دولية عاملة فى مجال حماية البيئة مثل السلام الأخضر وإخطارهم بالصناعات الملوثة للبيئة وإعداد قائمة سوداء وبجانب كل مصنع عبارة منتج غير صديق للبيئة على ان تعلن باللغات الستة المعتمدة فى الامم المتحدة على مواقع الشبكة العنكبوتية للمعلومات.
• تشكيل لجان لتقصى الحقائق داخل المصانع الملوثة للبيئة من سكان المناطق المضارة من تلويث البحيرة وعلى راسها منطقة القابوطى على ان تضم كافة اطياف المجتمع من شعبيين وعلماء ومتخصصين بعيدا عن الجهات الحكومية التى اخترقها أصحاب النفوذ 
• تكاتف رجال الإعلام بكافة أنواعه (المقروء والمسموع والمرئي).
• وقفات احتجاجية وبلاغات للنائب العام.
• تطبيق العدالة البيئية على محورين وهما:
1- محاربة بؤر التلوث و الحيلولة دون نشوءها. 
2- اعتماد مفهوم الأثر المضاعف للتلوث أساسا قانونيا و بيئيا لعملية قياس الاثر البيئي للمشاريع المزمع اقامتها في هذه المناطق. 

وفى النهاية اجدنى أقول لكل ملوثي بيئة بحيرة المنزلة.......قف بيئتنا حياتنا

أعدته للنشر/ أمانى إسماعيل

المصدر: د. احمد محمد عبد العظيم إستشارى تصنيف وبيئة وفسيولوجيا الكائنات الدقيقة كلية العلوم- جامعة قناة السويس

ساحة النقاش

Amany2012
موقع خاص لأمانى إسماعيل - باحثة دكتوراه فى العلوم الاقتصادية والقانونية والادارية البيئية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

555,957