جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
موسوعة شعراء العربية مجلد4 ج2
بقلم د فالح الحجية
الحسين الحلا ج
هو ابو عبد الله او ابو مغيث الحسين بن منصور بن محمي الفارسي البيضاوي الصوفي ولقب بالبيضاوي نسبة الى مدينته ( البيضاء ) وهي مدينة معروفة ببلاد فارس. و قيل كان جده (مَحْمِيٌّ ) مجوسيا.
ولد الحسين بن منصور الحلاج مطلع عام \ 244هجرية الموافق \ 858 ميلادية في بلدة ( طور ) الواقعة في الشمال الشرقي من مدينة (البيضاء ) اعلاه وقد استقر والده في مدينة ( واسط ) بعد ان ساءت حالته المعاشية كونها قريبة الى ( طور ) ناشدا العمل والاشتغال وكانت (واسط ) مدينة كبيرة بناها الحجاج بن يوسف الثقفي عندما كان واليا على العراق .
لقب ( الحلاج ) لانه كني ب( حلاج الاسرار ) وقيل انه لقب الحلاج لدخوله الى مدينة ( واسط) فاستقبله قطان فكلفه الحسين إصلاح شغله والرجل يتثاقل فيه .
فقال : اذهب فإني أعينك.
فذهب فلما رجع رأى كل القطن عنده محلوجا مندوفا وكان مقداره أربعة وعشرين ألف رطل. ... وفي رواية اخرى أن أهل الأهواز أطلقوا عليه هذه التسمية لأنه كان يكاشفهم بما في قلوبهم فسموه ( حلاج الأسرار)
نشأ الحلاج في واسط ... وكانت هذه المدينة مركزا من مراكز الاشعاع الفكري والروحي ... أسس بها الأشاعرة مدرستهم الكبرى وفيها نشاط ثقافي وتيار علمي واسع.
وأقام الحنابلة فيها ( مدرسة القراء) ... ومعهدا للحديث.
وكانت المساجد مقاعد للبحث والتدرس والجدل والحوار.
و في هذا الجو العلمي نشأ الحلاج ولفت أليه الأنظار منذ طفولته بذكائه المتوثب اللماح وشفافية روحه وتفتح قلبه وحبه للعلم والمعرفة وحفظ القرآن الكريم وهو في العاشرة من عمره وتعمق في فهم معانيه ... تعمقا ليس من طبيعة الطفولة الغضة مغرفته واشتهر بالارادة القوية الموجهة والرياضات والمجاهدات الروحية حتى نسي لهو الطفولة وكان كثير الصلاة والتأمل...
. تعلق كثيرا بالدراسات التي تتناول المعرفة الروحية
وأقبل على علوم عصره من فقه وتوحيد وتفسير وحديث وحكمة وتصوف واحب معرفة المعنى الرمزي الذي يرفع دعاء الروح إلى بارئها فتعلق قلبه بالوجد والحب الالهي .
أنقطع عن دروسه وأقبل على التفكر في ملكوت السماء والأرض....
يقلب الأفاق ويتأمل أسرارها يبحث عن أسرار وأسرار .... ونذر نفسه لربه سبحانه وتعالى وأقبل عليه بكل ذاته .... والتهبت عواطفه بالحب يستهدف ارتباط قلبه بالله تعالى وقرب روحه منه ( والوجد ( قربا يفنى فيه عن كل شئ ليبقى له بعد ذلك كل شئ . يقول :
واللهِ، لو حَلَفَ العُشَّاقُ أنَّهُمُ
مَوتى من الحبِّ أو قَتْلى لما حَنَثوا
قومٌ إذا هُجِروا مِنْ بَعْدِ ما وُصِلُوا
ماتوا، وإنْ عادَ وَصلٌ بَعْدَهُ بُعِثوا
ترى المحبينَ صَرعى في ديارِهُمُ
كفتيةِ الكَهْفِ : لا يَدرونَ كَمْ لَبَثوا
ثم قصد الحسين مدينة (تُسْتَر ) فصحب سهل بن عبد الله التستري الصوفي المعروف (وسهل التستري: هو ابو محمد سهل بن عبد الله بن يونس التستري المتصوف المشهور ولد عام \200 هجرية - 815 ميلادية وقيل انه كان من اشد اهل زمانه ورعا واعبدهم وازهدهم . له مصنفات عديدة منها تفسير مختصر القران وكتاب رقائق المحبين في التصوف توفي عام\ 283 هجرية -896 ميلادية \ راجع القاموس الاسلامي المجلد الاول صفحة -466 والرسالة القشيرية صفحة -24 و المنتظم في تاريخ الملوك والامم لابن الجوزي الجزء السادس صفحة- 323)
لما بلغ من العمر ثماني عشرة سنة سافر الى البصرة وبقي فيها سنتين .
ثم سافر الى الحجاز فصحب عمرو بن عثمان المكي قرابة السنتين .
وكان الحلاج في ابتداء أمره فيه تعبد وتأله وتصوف و كان الحلاج يظهر للغوغاء متلونًا لا يثبت على حال إذ يرونه تارة بزي الفقراء والزهاد وتارة بزي الأغنياء والوزراء وتارة بزي الأجناد والعمال وقد طاف البلدان ودخل المدن الكبيرة وانتقل من مكان لآخر داعيا إلى الله الحق على طريقته فكان له أتباع في شرق الدولة الاسلامية وفي عاصمتها ( بغداد )
) لاحظ قوله:
سبحـان من أظهر ناسُوتُه
سرَّ سنا لاهوته الثاقــب
ثـم بــدا في خلقه ظاهرا
فـي صورة الآكل والشارب
حـتى لقـد عاينـه خلقـه
كلحظـة الحـاجب بالحاجب
وقد اتهمه الؤرخون ممن لم يكونوا يفهمون بالتأثير الروحي في الدين والفلسفة الزرادشتية . وقيل إنه كان مخدومًا من الجن والشياطين وله حيل مشهورة في خداع الناس. يقول :
عَقدُ النبوّةِ مُصباحٌ منَ النورِ
معلَّقُ الوحيِ في مِشكاةِ تأمُورِ
بالله ينفَخُ نفخَ الروحِ في خَلَدي
لخاطِري نفخَ إسرافيلَ في الصُورِ
إذا تجلّى لروحي أن يُكلِّمَني
رأيتُ في غَيْبَتي مُوسى على الطُّورِ
.
ثم قدم الى بغداد وصحب ب ( بغـداد ) الجنيد البغدادي: (هو ابو القاسم الجنيد البغدادي المتصوف المشهورالجنيد بن محمد بن الجنيد الخزاز ويلقب القواريري او الزجاج لان والده كان يصنع الزجاج والقوارير ويتاجر بهما .ولد الجنيد في القرن الثالث الهجري في مطلعه ولم تعرف سنة ولادته وكان ابوه من اهل نهاوند ( جلولاء الحالية) اما الجنيد فقد ولد وعاش في بغداد وتفقه على يد ابي ثور صاحب الامام الشافعي ومن تلاميذه ابن سريج .
حج من بغداد الى مكة المكرمة ثلاث مرات مشيا على قدميه ويعتبر الجنيد اول من اشتغل بعلم الكلام \ أي علم التوحيد
وهو شيخ مذهب التصوف الاسلامي توفي في (بغداد )عام \ 297 هجرية -910 ميلادية ومرقده في بغداد ظاهر ومزار لعامة المسلمين وبجواره مسجد كبير في جانب الكرخ لاحظ القاموس الاسلامي المجلد الاول صفحة\ 643) الا ان الحلاج اختلف مع الجنيد البغدادي فاطلق الجنيد عليه انه مدعي وليس بصوفي مما اضطره الى هجر ( بغداد ) والعودة الى مدينة (تستر) بصحبة عائلته فأقام فيها سنة كاملة ووقع له القبول التام فيها يقول:
مـزجــت روحــي فـي روحـك كمـا
تُــمْزَج الخمــرة بالماء الزلال
فـــإذا مسك شيء مســني
فـإذا أنـت أنـا فـي كـل حـال
وكاتبه عمرو بن عثمان المكي واستطاع ان يؤثر في عقليته حتى نزع ثياب الصوفية ولبس القباء وأخذ في صحبة أبناء الدنيا . لاحظ قوله :
أنت بين الشغاف والقلب تجري
مثـل جـري الدموع من أجفاني
وتحل الضمـير جـوف فـؤادي
كحـول الأرواح فـي الأبــدان
يـا هلالا بـدا لأربـع عشـر
لثمـــان وأربــع واثنتــان
سافر الى ماوراء النهر تاركا زوجته وعائلته في مدينة ( تستر) وبقي في ما وراء النهر خمس سنين رجع بعدها الى فارس ثم سافر الى (الاحواز ) - وأخذ يتكلم الى الناس ويعمل المجلس ويدعو إلى الله تعالى وصنف لهم تصانيف وكان يتكلم على ما في قلوب الناس فسُمِّي بذلك (حلاج الأسرار) ولُقب به. –
ثم سافر من (الاحواز ) الى ( البصرة ) ثم خرج الى ( مكة المكرمة) ثم عاد الى ( الاحواز ) ويمم شطر ( بغداد ) مع عائلته فاقام فيها سنة واحدة ثم سافر متجها نحو الشرق الى الهند وما وراء النهر مرة اخرى . ومكث هناك مدة عاد بعدها الى( بغداد ) واستقر فيها وبنى فيها دارا ليسكنها .
وكان قد اشتهر كثيرا شاعرا صوفيا وقد كثرت القابه وكناه بين الناس فقد كني في الهند ب(المغيث ) وفي بلاد نصيبين وتُرْكستان ب(المُقِيت ) وفي خراسان ب(أبي عبد الله الزاهد ) وفي خوزستان ب(الشيخ حلاج الأسرار) وفي بغداد قوم يسمونه ( المُصطلم وبالبصرة( المُحيّر).
كانت حركة الزهد التي ظهرت في العصر الاموي قد تطورت الى حركة صوفية في العصر العباسي انتشرت كثيرا في اوساط الناس فانتسب الحلاج اليها فكان صوفيا شاعرا .
يقول يناجي ربه:
اذا ذكرتك كاد الشوق يقلقني
وغفلتي عنك احزان واوجاع
وصار كلي قلوبا فيك داعية
للسقم فيها والالام اسراع
طور الحلاج النظرة العامة للتصوف فجعله جهاداً ضد الظلم والطغيان في المجتمع والنظام السياسي الحاكم في حينه . رأى الحلاج في بغداد صراعا فكريا وعصبيات مختلفة بين العرب والفرس والترك وبين القبائل العربية المختلفة .ورأى ترفا ماجنا ونظاما فاسدا وظالما وخلافة متكبرة فتأمل ما يدور من حوله باحثا عن حل واعتبر أن بمقدور التصوف - هذا المنهج الديني والروحي الذي اعتنقه احتواء المذاهب الفكرية المتعارضة ويوحدها في منهجه الإيماني . ويمحو العصبيات الجامحة بروحانيته العالية وما يشع منه صفاء وما يلهم من اعتقده من محبة حية ان التصوف يستطيع بطبيعته النقية المترفعة أن يحارب الترف والفساد والتأله الذي فرضته الخلافة العباسية على المجتمع الاسلامي يقول:
يا نسيم الريح قولي للرشا
لـم يـزدني الورد إلا عطشا
روحه روحي وروحـي فله
إن يشا شئت وإن شـئت يشا
للحلاج نظرة فلسفية تعتمد جوهر الإنسان وليس ظاهر سلوكه فالجوهر هو الاساس يقول:
أَنا مَن أَهوى وَمَن أَهوى أَنا
نَحنُ روحانِ حَلَنا بَدَنا
نَحنُ مُذكُنّا عَلى عَهدِ الهَوى
تُضرَبُ الأَمثالُ لِلناسِ بِنا
فَإِذا أَبصَرتَني أَبصَرتَهُ
وَإِذا أَبصَرتَهُ أَبصَرتَنا
أَيُّها السائِلُ عَن قِصَّتِنا
لَو تَرانا لَم تُفَرِّق بَينَنا
روحُهُ روحي وَروحي روحُهُ
مَن رَأى روحَينِ حَلَّت بَدَنا
صحب الحلاج عمرو بن عثمان ( الجاحظ ) وقيل سرق منه كتبا فيها شيء من علم التصوف فدعا عليه عمرو :
- اللهم اقطع يديه ورجليه
يقوله الحلاج في فلسفته : ومما
( النقطة أصل كل خط والخط كله نقط مجتمعة. فلا غنى للخط عن النقطة ولا للنقطة عن الخط. وكل خط مستقيم أو منحرف فهو متحرك عن النقطة بعينها، وكل ما يقع عليه بصر أحد فهو نقطة بين نقطتين. وهذا دليل على تجلّي الحق من كل ما يشاهد وترائيه عن كل ما يعاين. ومن هذا ُقلت:
ما رأيت شيئاً إلاّ ورايت الله فيه
وقيل : إن الحلاج كتب مرة إلى أبي العباس بن عطاء :
كـتبت ولم أكـتب إليك وإنما
كـتبت إلـى روحـي بغـير كتاب
وذاك لأن الروح لا فرق بينها
وبيـن محبيهــا بفصـل خطـاب
فكل كتاب صـادر منـك وارد
إليــك بـلا رد الجـواب جـوابي
اختلف الناس في ارائه وفلسفته بين مؤيد ومعارض فهناك من وافقوه وفسروا مفاهيمه فإنهم يقدسون أقواله ويؤكدون نسبتها
إليه ولكنهم يقولون أن لها معان باطنية غير المعان الظاهرية وأن هذه المعاني لا يفهمها سواهم. ومن معارض اختلفوا معه وكفروه واعتبروه وقال فيه الشيخ بن تيمية :
(مَنْ اعْتَقَدَ مَا يَعْتَقِدُهُ (الْحَلاجُ )مِنْ الْمَقَالاتِ الَّتِي قُتِلَ الْحَلاجُ عَلَيْهَا فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ; فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ إنَّمَا قَتَلُوهُ عَلَى الْحُلُولِ وَالاتِّحَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَقَالاتِ أَهْلِ الزَّنْدَقَةِ وَالإِلْحَادِ كَقَوْلِهِ
-أَنَا اللَّهُ.
-وَقَوْلِهِ : إلَهٌ فِي السَّمَاءِ وَإِلَهٌ فِي الأَرْضِ...
وَالْحَلاجُ كَانَتْ لَهُ مخاريق وَأَنْوَاعٌ مِنْ السِّحْرِ وَلَهُ كُتُبٌ مَنْسُوبَةٌ إلَيْهِ فِي السِّحْرِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَلا خِلافَ بَيْنِ الأُمَّةِ أَنَّ مَنْ قَالَ بِحُلُولِ اللَّهِ فِي الْبَشَرِ وَاتِّحَادِهِ بِهِ وَأَنَّ الْبَشَرَ يَكُونُ إلَهًا وَهَذَا مِنْ الآلِهَةِ : فَهُوَ كَافِرٌ مُبَاحُ الدَّمِ وَعَلَى هَذَا قُتِلَ الْحَلاجُ (وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ذَكَرَ الْحَلاجَ بِخَيْرِ لا مِنْ الْعُلَمَاءِ وَلا مِنْ الْمَشَايِخِ ; وَلَكِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَقِفُ فِيهِ لأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ أَمْرَه )
ويقول الحلاج في صوفياته :
كم دمعةٍ فيكَ لي ما كنتُ أجريها
وليلةٍ ـ لستُ أفني فيكَ ـ أُفنيها
لمْ أُسلِمِ النفسَ للأسقامِ تُتلِفُها
إلا لعلمي بأنَّ الوصلَ يُحييها
ونظرةٍ منكَ يا سؤلي ويا أملي
أشهى إليَّ من الدُّنيا وما فيها
نفسُ المحبِّ على الآلامِ صابرةٌ
لعلّ مُسقِمُها يوماً يُداويها
اللهُ يعلمُ : ما في النفسِ جارحةٌ
إلا وذكراكِ فيها قبلَ ما فيها
ولا تنفَّستُ إلا كنتَ في نَفَسي
تجري بكَ الروحُ منّي في مجاريها
إن كُنتُ أضمرتُ غَدراً أو هَمَمْتُ به
يوماً، فلا بلغتْ روحي أمانيها
أو كانت العينُ مذْ فارَقتُكُمْ نظرتْ
شيئاً سواكُمْ فخانَتْها أمانيها
أو كانت ِالنفسُ تدعوني إلى سكنٍ
سواك فاحتكمت فيها أعاديها
حاشا فأنتَ محلُّ النّورِ منْ بَصَري
تجري بكَ النفسُ منها في مجاريها
وقال الصولي فيه :
(رأيت الحلاج مرات كثيرة وخاطبته فرأيته جاهلا يتعاقل وعييا يتبالغ، وفاجرا يتزهد، وظاهره أنه ناسك صوفي، فإن قيل له أن أهل بلدة أو قرية يرون الاعتزال صار عندهم معتزليا، وإذا رأى قوما يميلون إلى الإمامية صار إماميا عندهم، وإذا رأى قوما من اهل السنة صار سنيا، وكان خفيف الحركة مشعوذا عالج بالطب وجرب الكيمياء، وما يغتر به الناس )
: ومما يقول
أَنْعـى إليـك نفوسـا طـاح شاهدها
فيما وراء الغيب أو في شاهد القدم
أنعى إليـك علومـا طالمـا هطلـت
سحائب الوحـي فيهـا أبحر الحكم
أنعـى إليـك لسـان الحـق مُذْ زمن
أودى وتذكاره كالوهم فـي العـدم
أنـعى إليــك بيانــا تستسـر لـه
أقوال كــل فصيـح مِقْـوَل فهـم
أنعـى إليـك إشـارات العقـول معـا
لــم يَبْـقَ منهـن إلا دارس العلم
أنعى -وحــقك- أحلامــا لطائفـة
كانت مطاياهم مـن مكمـد الكـظم
مضى الجــميع فلا عيـن ولا أثـر
مضي عـاد وفقــدان الأولـى إرم
وخلفوا معشــرا يجــدون لبسـتهم
أعمى مـن البهم با أعمى من النعم
وفي يوم الثلاثاء \24 من ذي القعدة سنة 309هـجرية تم تنفيذ حكم الخليفة المقتدر بالله به ونفذ فيه حكم الاعدام ثم الحرق وبهذا يكون قد قتل بعد عمر يناهز الخامسة والستين .
وعند إخراجه لتنفيذ الحكم فيه ازدحم الناس لرؤيته. وقيل أن سبب مقتله ان اعرابيا سال الحلاج عن ما في جبته فرد عليه الحلاج:
- (ما في جبتي إلا الله)
فاتهم بالزندقة واقيم عليه الحد.
و مما يروى في حادثة قتله انه قال ابن الخفيف:
(وكنت قد عزمت على الخروج إلى بلدي فتبصرت حتى أرى ما يكون من شأن الحلاج فكان لما كان اليوم الخامس عشر إذا بالحلاج يصلب فدعا الخليفة فقطع يداه ورجلاه، فمشى تسعة عشر خطوة على كراسيع رجليه، فجاءه حامد بن العباس البلخي عند خشبته فقال له:
- الحمد لله الذي امكن منك يا عدو الله فكيف رأيت تقبيل الناس يديك ورجليك وقولهم لك سيدي ومولاي وأنت راض بذلك؟
فالتفت إليه الحلاج وقال له:
- إسمع يا لكع؛ إن كنت تحسن أن تسمع
ثم أنشأ يقول:
تأمل الوجد الوجد والفقد والوجد وجد
والبعد لي منك قبل والقبل لي منك بعد
فكيف يثبت ثاني وأنت للفرد فرد
تحوز قلبي العاني وليس لي من ذاك بد
والشيء إثبات غير والشيء لا شك جحد
أعد في الناس مولى لأنـنـي فيه عبد
وقال ابن الخفيف :
( فقدمت إليه من الليلة الثانية التي صلب فيها فلما رأيته على خشبته التي صلب عليها قال لي:
- أذعنّا بالحقيقة ففعل بنا ما ترى . فلما أصبحنا جاءه حامد بن العباس الوزير ومنعه موكب وصاحب الشرطة محمد بن عبد الصمد فأخرج من كمه درجا فناوله لمحمد بن عبد الصمد فنشره فغذا فيه شهادة أربعة وثمانين رجلا من الفقهاء والقراء:
(أن قتل الحلاج فيه صلاح للمسلمين، ودمه في رقابنا، )
فقال الزير : أريد الشهود
فهرعوا إليه، وقال لهم:
(هل هذه هي شهاداتكم وخطوطكم )
فقالوا نعم،
فنزل من على الخشبة وتقدم السياف ليضرب عنقه فقال الوزير للشهود: - أمير المؤمنين بريء من دمه وصاحب الشرطة محمد بن عبد الصمد وأنا بريئان من دمه .
فقالوا: نعم
: فتقدم إليه السياف فتبسم الحلاج وأنشأ يقول
ونديم ليس منبوس
إلى شيء من الحيف
سقاني مثل ما يسقى
كفعل الضيف بالضيف
فلما دارت الخمر
دعا بالنطع والسيف
كذا من يشرب الراح
الممزوج في الصيف
ثم ضربت عنقه فبقي جسده ساعتين من النهار قائما ورأسه بين رجليه يتكلم بكلام غير مفهوم وكان آخر كلامه ( أحد أحد أحد).
وقيل تقدم إليه ابن الخفيف الشيرازي فإذا بالدم الذي يجري مكتوب على الأرض( الله الله أحد أحد) في نيف وثلاثين موضعا.
ثم اوقدت في جدثه النار حتى احترق وجمع رماده ثم ذروه في الهواء فلم يبق له اثرا .
هكذا تصوروه الا ان الحلاج الشاعرالصوفي لم يمت فقد بقيت طواسينه وقصائده خالدة خلدته بخلودها .
ومن صوفياته الشعرية هذه الابيات :
لبَّيكَ لبِّيكَ يا سرِّي ونجوائي
لبَّيك لبِّيك يا قصدي ومعنائي
أدعوكَ بل أنت تدعوني إليك فهل
ناديتُ إيَّاك أم ناديتَ إيَّائي
يا عين َ عينِ وُجُودي يا مَدى هِمَمي
يا منطقي و عباراتي وإيمائي
يا كلَّ كُلِّي ويا سمعي ويا بصري
يا جملتي وتباعيضي وأجزائي
يا كلَّ كلِّي وكلُّ الكلِّ ملتبِسٌ
وكلُّ كلِّكَ ملبوسٌ بِمعنائي
يا مَنْ به عَلِقَتْ روحي فقد تَلِفتْ
وَجْداً فَصرتُ رَهيناً تحتَ أهوائي
أبكي على شجَني من فُرقتي وطني
طَوْعاً ويُسعدني بالنوحِ أعدائي
أدنو فَيُبعدني خوفي، فيُقلقَني
شوقٌ تَمكَّنَ في مَكنون أحشائي
فكيفَ أصنعُ في حبٍّ كَلِفتُ به ؟
مولايَ، قد ملَّ مِنْ سُقمي أطبائي
قالوا : تداوَ بهِ منهُ فقلتُ لهم :
ياقومُ هل يتداوى الداءُ بالداءِ؟!
حُبَّي لِمولايَ أضناني وأسقَمَني
فكيفَ أشكو إلى مولايَ مَوْلآئي؟!
إني لأَرْمُقُهُ والقلبُ يَعرفُهُ
فما يترجِمُ عنهُ غير إيْمائي
يا ويحَ روُحيَ من روحي، فواأسفي
عليَّ مني فإني أصلُ بَلْوائي
كأنني غَرِقٌ تبدو أنامِلُهُ
تَغَوُّثاً وهوَ في بحرِ من الماءِ
وليٍسَ يَعلَمُ ما لاقيتُ من أحدٍ
إلا الذي حلَّ مني في سُويدائي
ذاك العليمُ بما لاقيتُ مِنْ دَنَفٍ
وفي مَشيئتهِ موتي وإحيائي
أغايةَ السؤلِ والمأمولِ يا سَكني
يا عيشَ روحيَ، يا ديني ودُنيائي
قل لي، فديتُك يا سمعي ويا بصري
لِمْ ذي اللجاجة في بُعدي وإقصائي
إن كنتَ بالغيبِ عن عَيْنَيَّ مُحتجباً
فالقلبُ يرعاكَ في الإبعادِ والنائي
اميرالبيا ن العربي
د.فالح نصيف الكيلاني
العراق- ديالى - بلدروز
*************************
المصدر: مجلة رابطة شعراء وأدباء وطن عربي واحد
مجلة رابطة شعراء وأدباء وطن عربي واحد الالكترونية
آمال محمود