الحداثة الأدبية وجوداً -اعتداداً بالمستجد التاريخي- هي آخر مرحلة استقرت أصولها، وغطت النماذج الأدبية مطالبها، ولم يستجد ما ينسخها؛ وبهذا يكون الفرق بين المعاصرة والحداثة؛ فالرومانسية والحداثة تشتركان في صفة المعاصرة، ولكن الحداثة آخر ما هو جديد؛ ولهذا تخصصت بمصطلح الحداثة.. هذا من ناحية المستجد التاريخي، وأما من ناحية الحكم المعياري المعتد به فكل حداثة تنفصل عن الجذور جمالاً وحقاً وخيراً عبث وعداء ولغو وتضليل، بل المشترط فيما هو حداثة أن يكون مزيداً من استثمار تلك القيم.. أي زيادة بشرية في الإحساس الجمالي، وزيادة بشرية إلى خبرة العقل والتجربة الخلقية (العقل العملي)، ولعلي ألامس عناصر هذه القيم المعيارية من رصد شاعر حداثي هو الحيدري.. قال الشاعر بلند الحيدري عن عناصر حداثية مضيئة (وهو يتحدث عن الشعراء العراقيين الشبان الذين كان على أيديهم التجديد الحداثي): «كان الطابع المميز لشعرهم (والذي ظهر جلياً في المجاميع الشعرية التي صدرت ما بين عامي 1946-1947م) رومانسياً ذا حضور واقعي، وجنوح رمزي.. على شيء من تبني الصورة الغريبة المدهشة، وإيلاء الأهمية الخاصة للحدث النفسي الداخلي عند الشاعر.. مع تقييم جديد للكلمة والبيت في القصيدة؛ فشاعرنا الحديث ميال إلى تجنب القصيدة الطويلة؛ لأنه يتجنب التكلف والبحث عن المفردات التي تصلح أن تصير قوافي تمد بعمر قصيدته، ولأنه غير راغب إلا في الكلمة المأنوسة والمألوفة والتي لها أن تنقل القارئ من قطب في السلب إلى قطب في الإيجاب من العمل الشعري.. كما أنه بدأ يتململ من سيطرة القافية ذات النغم المكرور، وتحولت الصورة على أيدي هؤلاء من مجالها العيني إلى مجال حسي مشحون بالإيحاء بدلاً من الوصف والتقرير».
عدد زيارات الموقع
41,484
ساحة النقاش