من مواعظ وحكم الامام زين العابدين عليه السلام
--------------------------------------------------------------------------------
اهتم الإمام زين العابدين (عليه السلام) كأشد ما يكون الاهتمام بوعظ الناس، وقد أثرت عنه كثير من المواعظ وعظ بها أصحابه، وأهل عصره وهي لا تزال حية تضع العبر أمام الناس، وتحذرهم من الغرور والطيش، وتدعوهم إلى سبيل الحق والصواب، كما أثرت عنه بعض الحكم الخالدة التي تهدف إلى توازن الإنسان في سلوكه، وازدهار شخصيته، ونعرض لبعض ما روي عنه في ذلك.
مواعظه
وقبل أن نتحدث عن مواعظ الإمام زين العابدين (عليه السلام) نود أن نبين إلى ما تهدف إليه مواعظه، ومواعظ سائر الأئمة الطاهرين (عليهم السلام)، وفي ما يلي ذلك:
(أ) تهذيب النفوس، وإصلاحها، وغرس النزعات الكريمة فيها.
(ب) إزالة العقد النفسية من نفس الإنسان، والقضاء على جميع النزعات الفاسدة، والشريرة والأنانية، والحسد، والبغي، والاعتداء على الناس.
(ج) وضع العبر التي مرت على الناس عبر التاريخ من دمار الظالمين، وهلاك المستبدين ليتخذ الإنسان منها دروساً تنير له الطريق، وتوضح له المقصد في حياته الاجتماعية والفردية.
(د) الاتجاه إلى الله تعالى الذي هو أنبل مقصد في هذه الحياة فإنه ينجي الإنسان من كل شر وإثم.
(هـ) التزود إلى دار الآخرة التي هي المقر الدائم والحقيقي للإنسان، وذلك بعمل الخير.
هذه بعض الأهداف المشرقة في مواعظ أئمة الهدى (عليهم السلام)، ونعرض إلى مواعظ الإمام زين العابدين (عليه السلام):
1- قال (عليه السلام) في ذم الدنيا، والتحذير من شرورها وفتنتها: (إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل واحد منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، الراغبين في الآخرة، ألا أن الزاهدين في الدنيا اتخذوا الأرض بساطاً، والتراب فراشاً، والماء طيباً، وقرضوا من الدنيا تقريضا، ألا ومن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصائب، ألا أن لله عبادا كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين، وكمن رأى أهل النار في النار معذبين، شرورهم مأمونة، وقلوبهم محزونة، أنفسهم عفيفة، وحوائجهم خفيفة، صبروا أياما قليلة فصاروا بعقبى راحة طويلة، أما الليل فصافون أقدامهم، تجري دموعهم على خدودهم، وهم يجأرون(1) إلى ربهم، يسعون في فكاك رقابهم، وأما النهار فحلماء علماء بررة، أتقياء كأنهم القداح(2) قد براهم الخوف من العبادة ينظر إليهم الناظر فيقول: مرضى، وما بالقوم من مرض أم خولطوا، فقد خالط القوم أمر عظيم من ذكر النار، وما فيها..)(3).
لقد حذر الإمام (عليه السلام) من حب الدنيا الذي هو رأس كل خطيئة، ودعا إلى الاقتداء بالزهاد من عباد الله الصالحين الذين فهموا واقع الحياة الدنيا وما يؤول إليه أمرها من الزوال والفناء، فما هي إلا أيام معدودة حتى يقدم الإنسان على الله فيسأله عما عمله في حياته ليجازيه عليه إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، ولذا اتجه الأخيار بقلوبهم وعواطفهم نحو الله، فاخلصوا في طاعته وعبادته.
2- وقال (عليه السلام): (يا ابن آدم لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك، وما كانت المحاسبة من همك، وما كان لك الخوف شعاراً، والحزن لك دثاراً، يا ابن آدم إنك ميت ومبعوث، وموقوف بين يدي الله عز وجل، ومسؤول، فأعد جواباً..)(4).
لقد دعا الإمام إلى أن يقيم الإنسان في أعماق نفسه، ودخائل ذاته واعظاً يعظها ومحاسباً يحاسبها على ما يصدر منها من زلات وهفوات، فإنه مبعوث في يوم القيامة، ومحاسب على ما يقترفه من إثم وسيئات.
3- روى الزهري قال: سمعت علياً بن الحسين يقول: (من لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات، والله ما الدنيا والآخرة إلا ككفتي ميزان، فأيهما رجح ذهب بالآخر، ثم تلا قوله تعالى: (إذا وقعت الواقعة) - يعني القيامة - (ليس لوقعتها كاذبة. خافضة) - خفضت والله بأعداء الله إلى النار - (رافعة) - رفعت والله أولياء الله إلى الجنة-..).
ثم خاطب رجلاً من جلسائه، - والذي يظهر من فحوى كلام الإمام (عليه السلام) أنه كان متهالكاً في طلب الدنيا، فقال (عليه السلام) يعظه:
(اتق الله، واجمل في الطلب، ولا تطلب ما لم يخلق، فإن من طلب ما لم يخلق تقطعت نفسه، ولم ينل ما طلب، وكيف ينال ما لم يخلق..).
وأسرع الرجل قائلاً:
(كيف يطلب ما لم يخلق؟..).
فأجابه الإمام (عليه السلام) قائلاً:
(من طلب الغنى والأموال والسعة في الدنيا فإنما يطلب ذلك للراحة في الدنيا، والراحة لم تخلق في الدنيا، ولا لأهل الدنيا، إنما خلقت الراحة في الجنة، والتعب والنصب خلقا في الدنيا، ولأهل الدنيا، وما أعطي أحد منها حفنة إلا أعطي من الحرص مثلها، ومن أصاب من الدنيا أكثر كان فيها أشد فقراً لأنه يفتقر إلى الناس لحفظ أمواله، ويفتقر إلى كل آلة من آلات الدنيا، فليس في غنى الدنيا راحة، ولكن الشيطان يوسوس إلى ابن آدم أن له في جمع ذلك المال راحة، وإنما يسوقه إلى التعب في الدنيا، والحساب عليه في الآخرة.
وأضاف الإمام قائلاً:
كلا ما تعب أولياء الله في الدنيا للدنيا، بل تعبوا في الدنيا للآخرة.. ألا ومن اهتم لرزقه كتب عليه حفظه، كذلك قال المسيح عيسى (عليه السلام) للحواريين: إنما الدنيا قنطرة فاعبروها، ولا تعمروها..)(5) وفي هذه الموعظة دعوة إلى الزهد في الدنيا، والإجمال في طلبها، فإن السعي وراء المادية سببه الحصول على الراحة، ولكن لا راحة في الدنيا وذلك لكثرة همومها وآلامها، وقد خلقت الراحة في الجنة التي أعدها الله للمتقين من عباده، فالطلب ينبغي أن يكون لها، لا للدنيا
نشرت فى 22 أكتوبر 2012
بواسطة AlaaMarei
Alaa Marei
دراسه اللوجستيك والتجا ره الخا رجيه والتصدير والاستيراد والجما رك والامداد والتموين »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
2,056,051