تعتمد مكافحة التلوث على جهود الحكومات والعلماء والمؤسسات والمصانع والزراعة والمنظمات البيئية والافراد.
أولا - اعادة تصنيع النفايات :
النشاط الحكومي. تعمل الحكومات والمحلية في مختلف ارجاء العالم على التخلص من التلوث الذي يسبب التلف لارضنا من يابسة وهواء وماء. وبالاضافة الى ذلك بذلت جهود دولية عديدة لحماية الموارد الارضية.
وقد سنت العديد من الحكومات المحلية القوانين التي تساعد في تنقية البيئة. وفي بعض مدن العالم الكبرى واكثرها تلوثًا وضعت الحكومات المحلية الخطط للحد من التلوث الهوائي. وتشتمل مثل هذه الخطط على خطوات تحد من استخدام المركبات الخصوصية وتشجع النقل الجماعي.
وفي مقدور الحكومات سن القوانين الخاصة بعملية اعادة التدوير اعادة التصنيع . واعادة التدوير عملية تهدف الى استرداد المواد واعادة استخدامها بدلاً من التخلص منها. ففي فيينا بالنمسا مثلاً يتوجب على المواطنين ان يفرزوا نفاياتهم في حاويات خاصة بالورق والبلاستيك والمعادن وعلب الالومنيوم والزجاج الابيض والزجاج الملون ومخلفات الطعام والحدائق. وتشجع العديد من الولايات الامريكية وعدد من الدول الاوروبية على اعادة استخدام القوارير بفرض تامين مسترد في حالة اعادة القارورة.
كذلك سنت العديد من الدول تشريعاتها الخاصة بالتخلص من التلوث كما انها تنظم وسائل التخلص من المخلفات الصلبة والخطرة. ولدى العديد من الدول الصناعية وكالات تملك سلطة مراقبة التلوث وفرض التشريعات.
ثانيا - حظر الملوث :
حظرت بعض الدول استخدام المبيد الحشري الخطر دي تي تي في كل الاغراض عدا الاغراض الاساسية. وقد وجد المزارعون بدائل اقل ضررًا يمكن ان تحل محله.
وقد تحظر حكومة ما بعض الاستخدامات لمادة معينة وتبيح بعضها الآخر. فالرصاص مثلاً فلز سام في مقدوره ان يسبب تلف الدماغ والكلى والاعضاء الاخرى. وقد حظرت الولايات المتحدة الامريكية استخدام البنزول المرصص والدهانات المنزلية الرصاصية ولكنها تسمح باستخدام الرصاص في البطاريات ومواد البناء والدهانات الصناعية. وعلى الرغم من الاستخدام المستمر للرصاص في بعض المنتجات الا ان القيود على هذا الفلز في الدهانات والوقود قد حدت المشاكل الصحية التي يسببها.
ثالثا - فرض الغرامات على الشركات المسببة للتلوث :
ففي استراليا وعدد من الدول الاوروبية تُفرض الغرامات على المؤسسات التي تلوث مجاري المياه. ومثل هذه الغرامات كفيلة بتشجيع الشركات على الاستثمار في اجهزة مكافحة التلوث او في تطوير وسائل تشغيل قليلة التلوث. وفي امكان الحكومات ان تفرض الضرائب على المنتجات الملوثة. فمثلاً تفرض معظم الدول الاسكندينافية الضرائب على القوارير غير المسترجعة. وتقضي بعض الانظمة الحكومية ببساطة ان على المؤسسات ان تُعْلِم الجمهور بعدد الملوثات التي تلقي بها الى البيئة. وقد دفعت هذه الانظمة بعض الشركات الى البحث عن طرق تحد بها من التلوث للحيلولة دون تكوين المستهلكين لانطباع سيئ عنهم والانصراف عن شراء منتجاتهم.
ويصعب التحكم في العديد من انواع التلوث ويرجع السبب في ذلك الى ان ملكية الموارد العالمية اي المحيطات والغلاف الجوي ليست فردية ولا تخص اُمَّة بعينها. ولابد لسكان العالم والحالة هذه من ان تتضافر جهودهم من اجل مكافحة التلوث.
وقد داب ممثلون عن الكثير من الدول على الاجتماع منذ السبعينيات لمناقشة الطرق الكفيلة بالحد من التلوث الذي يؤثر في ماء وهواء كوكب الارض.
وعقدت هذه الدول المعاهدات والمواثيق التي تساعد في مكافحة مشاكل مثل المطر الحمضي ونقصان طبقة الاوزون والقاء المخلفات في المحيطات. ففي الاتفاقية التي اطلق عليها بروتوكول مونتريال حول المواد التي تستنزف طبقة الاوزون والتي عقدت في سنة 1989م اتفقت الدول المنتجة للكلوروفلوروكربونات على ايقاف انتاجها لهذه الكيميائيات تدريجيًا. ونص تعديل لهذه الاتفاقية اجري في سنة 1991م على حظر الكلوروفلوروكربونات حظرًا تامًا بحلول عام 2000م. وفي عام 1992م وافقت العديد من الدول الاوروبية على وقف انتاجها من الكلوروفلوروكربونات قبل ذلك التاريخ اي بحلول 1996م. وقد اوقفت معظم الدول انتاج الكلوروفلوروكربونات في الموعد المحدد وارجات بعض الدول تنفيذ القرار الى عام 2010م. وفي عام 1992م ايضًا اجتمع ممثلون عن 178 دولة في ريودي جانيرو لحضور مؤتمر الامم المتحدة حول البيئة والتنمية. وقد كان هذا المؤتمر الذي عُرف بقمة الارض اهم مؤتمر عالمي انعقد حول البيئة حيث وقّع اعضاء الامم المتحدة على اتفاقيات لمنع تاثير البيت المحمي والحفاظ على الغابات والكائنات المهددة بالانقراض ومواضيع اخرى.
وفي عام 2001م وقّعت 127 دولة على اتفاقية حظر استخدام 12 من الملوثات العضوية المداومة. وتنتقل هذه المواد الكيميائية ومن بينها مادة د.د.ت. بالهواء والماء عبرالدول مهددة الانسان والحيوان على حد سواء. وحثت الاتفاقية العلماء والشركات الصناعية والحكومية على التقليل من وجود الملوثات العضوية المداومة في البيئة.
رابعا - الجهود العلمية :
دفع الاهتمام الواسع بالبيئة العلماء والمهندسين الى البحث عن الحلول التقنية لهذه المسالة. فبعض الابحاث تحاول ايجاد طرق للتخلص من التلوث او تدبيره وبعضها الآخر يهدف الى منعه. ويعمل العديد من الباحثين الصناعيين على ايجاد المزيد من الطرق الاقتصادية لاستخدام الوقود والمواد الخام الاخرى.
ونتيجة لهذه الابحاث تستخدم بعض المدن الاوروبية حاليًا حرارة المخلفات الناتجة عن محطات القدرة ومحارق النفايات في تدفئة البيوت. وتحرق المحركات الحديثة الوقود بطريقة انظف واكثر فعالية من المركبات القديمة. كما طور بعض الباحثين سيارات تستخدم وقودًا نظيف الاشتعال مثل الميثانول وهو مادة كحولية والغاز الطبيعي. وتستخدم بعض السيارات في البرازيل نوعًا آخر من الكحولات وهو الايثانول وقودًا. ويعكف العلماء ايضًا على تطوير سيارات تعمل بغاز الهيدروجين وهو غاز لا يُصدر اي تلوث اذا ما اشتعل.
ويبحث العلماء والمهندسون في طرق لتوليد الطاقة الكهربائية بتكلفة اقل من الموارد المتجددة مثل الرياح والشمس والتي قلما نتج عنها اي تلوث. وتزود حقول واسعة من طواحين الهواء تسمى مزارع الريح العديد من الاقطار بالكهرباء حيث تُحوِّل نبائط تسمى الخلايا الفولتية الضوئية اشعة الشمس مباشرة الى الكهرباء. ففي مدينة ساكرامنتو بكاليفورنيا في الولايات المتحدة الامريكية تنتج محطة قدرة فولتية ضوئية تكفي لانارة الف منزل.
خامسا - المؤسسات والمصانع :
اكتشفت العديد من الشركات ان الحد من التلوث امر مطلوب من المنظور التجاري. فقد وجد بعضها ان الحد من التلوث يحسِّن صورتها لدى الجماهير كما انه يوفر المال. وطور آخرون منتجات او وسائل لا تشكل خطورة على البيئة وذلك سعيًا لكسب رضى المستهلكين كما طور البعض الآخر انظمة لمكافحة التلوث لاعتقادها بان القوانين سترغمهم على فعل ذلك آجلاً او عاجلاً. وتحد بعض الشركات من التلوث لان القائمين على هذه الشركات آثروا ان يفعلوا ذلك.
لقد كان التخلص من المخلفات في الماضي رخيصًا نسبيًا لمعظم المؤسسات. اما اليوم فان المواقع المصرح بها للتخلص من النفايات اضحت نادرة وزادت تكاليف استخدامها. ونتيجة لذلك ابتدعت العديد من المؤسسات طرقًا لانتاج اقل قدر ممكن من المخلفات. فمثلاً قد يستخدم المصنعون حدًا ادنى من التغليف ومواد تغليفية يمكن اعادة تدويرها اذ كلما خفّ التغليف قلّ استهلاك موزعي المنتجات للوقود وقلّ ما يلقي به المستهلكون من التغليف في النفايات.
وتتخصص العديد من المؤسسات في انواع مختلفة من وسائل ادارة التلوث. ويتوقع لاعمال الحد من التلوث او القضاء عليه ان تكون واحدة من اسرع الصناعات المستقبلية نموًا. فمثلاً طورت بعض مؤسسات ادارة التلوث نبائط للتخلص من الهبائيات الضارة المنطلقة من المداخن. فالهبائيات يمكن احتجازها باستخدام المرشحات او المصائد التي تستخدم الكهرباء الساكنة او نبائط تسمى المغسالات تغسل الهبائيات عن طريق الرش بالكيميائيات. وتساعد مؤسسات اخري الشركات في تنفيذ الاوامر الحكومية من اجل التخلص من التلوث. وتدير بعض المؤسسات برامج اعادة التدوير وحفظ الطاقة. كما تساعد بعض المؤسسات الاخرى في تطوير عمليات تقلل من الملوثات.
وبصرف النظر عن السبب والكيفية التي بدات فيها الصناعات في التخلص من الملوثات فانها عملية بطيئة وباهظة التكاليف. وتعتمد العديد من المؤسسات على ارخص طرق الانتاج المتاحة حتى لو كانت هذه الطرق تحمل التلوث في طياتها. فمحطات القدرة على سبيل المثال تحرق عادة الزيت والفحم لتوليد الكهرباء نظرًا لكونها اكثر الطرق ملاءمة من الناحية الاقتصادية. ويستخدم المصنعون الكادميوم والرصاص والزئبق في صناعة البطاريات لان هذه الفلزات على الرغم من سميَّتها تحسن كفاءة البطاريات. وعندما تضاف تكلفة التخلص من التلوث الناتج عن طرق الانتاج الحالية الى تكاليف التصنيع يتضح ان الطرق قليلة التلوث هي الافضل من الناحية الاقتصادية.
سادسا - الزراعة :
يطور العلماء والمزارعون طرقًا لتنمية الغذاء تتطلب القليل من الاسمدة والمبيدات. ويستخدم الكثير من المزارعين الدورات الزراعية اي المناوبة بين المحاصيل من سنة لاخرى لتقليل الحاجة الى الاسمدة الكيميائية. فالمناوبة بين الذرة والقمح والمحاصيل الاخرى والبقول كالفصفصة وفول الصويا تساعد في تعويض النيتروجين المفقود من التربة. وتساعد الدورات الزراعية ايضًا في مكافحة الآفات والامراض الزراعية. ويستخدم بعض المزارعين خليط التسميد والاسمدة الاخرى التي لاتضر التربة. وبدلاً من رش المحاصيل بالمبيدات الضارة يكافح بعض المزارعين الحشرات باطلاق انواع من البكتيريا او الحشرات الاخرى التي تفترس هذه الآفات. ويعكف العلماء على تطوير نباتات مهندسة وراثيًا تقاوم الآفات الزراعية.
ويسمى استخدام الدورات الزراعية واستخدام الاعداء الطبيعيين للآفات معًا المكافحة الطبيعية للآفات. ويطلق على التجميع بين الاستخدام المحدود للمبيدات الحشرية الكيميائية والمكافحة الطبيعية الادارة المتكاملة لمكافحة التلوث للآفات. ويستخدم الذين يلجاون الى هذا النوع من المكافحة كميات قليلة من المبيدات الكيميائية وحتى هذه الكميات القليلة لا يستخدمونها الا اذا راوا انهم سيحصلون على نتائج جيدة.
سابعا - المنظمات البيئية :
تساعد في مكافحة التلوث عن طريق محاولة التاثير على المشرِّعين وانتخاب القادة السياسيين الذين يولون اهتمامًا بالبيئة. وتقوم بعض الجماعات بجمع الاموال لشراء الاراضي وحمايتها من الاستغلال. وتدرس جماعات اخرى تاثيرات التلوث على البيئة وتطور نظمًا لادارة ومنع التلوث وتستخدم ما توصلت اليه من نتائج لاقناع الحكومات والصناعات بالعمل على منع التلوث او الحد منه. وتقوم المنظمات البيئية ايضًا بنشر المجلات والمواد الاخرى لاقناع الناس بضرورة منع التلوث. وتقف جماعة السلام الاخضر واصدقاء الارض في طليعة هؤلاء الناشطين.
وقد تشكلت احزاب سياسية تمثل الاهتمامات البيئية في العديد من الدول الصناعية. ولهذه المنظمات والتي تعرف باحزاب الخُضْر تاثير متنام على السياسات الحكومية تجاه البيئة. ومن الدول التي توجد فيها مثل هذه الاحزاب استراليا والنمسا والمانيا وفنلندا وفرنسا ونيوزيلندا واسبانيا والسويد.
ثامنا - جهود الافراد :
جهود الافراد. يعد حفظ الطاقة من اهم الطرق التي يمكن للفرد ان يتبعها للحد من التلوث. فحفظ الطاقة يحدّ من التلوث الهوائي الناجم عن محطات القدرة. وقد تؤدي قلة الطلب على الزيت والفحم الحجري الى التقليل من انسكاب الزيت ومن التلف الحاصل للمناطق المشتملة على الفحم الحجري. والتقليل من قيادة السيارات يعد ايضًا احد افضل طرق توفير الطاقة وتجنب التلوث الحاصل للهواء.
وفي مقدور الناس توفير الطاقة الكهربائية عن طريق شراء مصابيح الانارة والاجهزة المنزلية ذات الكفاءة العالية. فمصابيح الفلورسنت على سبيل المثال تستهلك 25% فقط من الطاقة التي تستهلكها المصابيح المتوهجة. ويمكن ايضًا توفير الطاقة بالتقليل من استخدام الاجهزة وباطفاء الاجهزة والمصابيح في حالة عدم وجود حاجة اليها وبتوقيت ضابط الحرارة المنزلي على 20°م او اقل في الشتاء وعلى 26°م او اكثر في الصيف. وبالاضافة الى ذلك تحتاج المباني التي عولجت نوافذها بطريقة خاصة وذات العزل الجيد الى قدر من الوقود والكهرباء بغرض التدفئة او التبريد اقل بكثير من المباني التي تخلو من هذه الميزات.
وفي مقدور الناس ايضًا شراء المنتجات التي لاتشكل خطرًا على البيئة. فبامكان الاسر على سبيل المثال ان تحدّ من التلوث عن طريق تقليل استخدام المنظفات السامة والتخلص الصحيح من هذه المنتجات. فاذا ما امتنع المستهلكون عن شراء المنتجات الضارة فلسوف يتوقف المصنعون عن انتاجها.
ومن الطرق الاخرى التي يمكن للناس ان يحدوا بها من التلوث الحد من اكل اللحوم. فالمزارعون يستخدمون كميات كبيرة من الاسمدة لزيادة كمية الحبوب التي تتغذى بها المواشي. ولو ان الناس قللوا من اكل اللحوم وزادوا اكل الحبوب والخضراوات لقلل المزارعون من استخدامهم للاسمدة والمبيدات. ولا يرضى كثير من الناس من الفاكهة والخضراوات الا الصحيحة الكاملة والخالية من العيوب وهذا ما يقدر المزارعون على توفيره دون استخدام كميات كبيرة من المبيدات. ولو ان الناس ارتضوا الفاكهة والخضراوات بما فيها من عيوب طفيفة لقلل المزارعون استخدامهم للكيميائيات.
ومن اسهل الطرق التي يمكن للافراد اتباعها من اجل منع التلوث اعادة استخدام المنتجات. فمثلاً يستخدم بعض منتجي الالبان القوارير الزجاجية بدلاً عن العبوات الكرتونية الورقية. ويمكن اعادة تعبئة هذه القوارير واستخدامها مرة اخرى. وفي مقدور الناس اعادة استخدام الاوراق القديمة والحقائب البلاستيكية لحمل مشترياتهم او وضع النفايات فيها. وباعادة استخدام المنتجات يمكن للناس تجنب التلوث المرتبط بانتاج المزيد من المنتجات والتلوث المتسبب عن رمي المنتج.
تاسعا - التدوير :
العديد من المدن والبلدات تنظم عملية تجميع المخلفات من اجل اعادة معالجتها. ويوفر التدوير كلا من المادة والطاقة ويمنع التلوث. وهناك الكثير من المخلفات المتنوعة التي يمكن تدويرها. ومن المخلفات الشائع تدويرها : العلب والزجاج والورق والاوعية البلاستيكية والاطارات القديمة. فالعلب يمكن صهرها واستخدامها في تصنيع علب جديدة. والزجاج يمكن سحقه وتصنيع اوعية جديدة منه او استخدامه في مواد البناء. والورق يمكن معالجته الى منتجات ورقية مختلفة. ويمكن صهر البلاستيك واعادة تشكيله الى سياج او الواح او مناضد او سجاد. اما الاطارات القديمة فيمكن حرقها لانتاج الطاقة او تقطيعها واضافتها الى الاسفلت او صهرها وقولبتها الى منتجات مثل الحصائر الارضية ومعدات الملاعب.
واهم الطرق التي يمكن للناس ان يكافحوا بها التلوث ان يتعلموا قدر استطاعتهم كيف يمكن لنشاطاتهم ان تؤثر على البيئة. وفي مقدورهم بعد ذلك ان يلجاوا الى خيارات ذكية للتقليل من الدمار الحاصل لهذا الكوكب.