إن من أسـوأ الامور التي تمر على الإنسـان في حيـاته هو التقليد الأعمـى للآخرين، وهي من الآفات والظواهر المنتشـرة بيننا، وهي إحـد الأسـباب التي تؤدي إلى اختفـاء شخصية الإنسـان في تعاملاته اليومية، ويدع اتخاذ القرار للقيل والقال، والاعتمـاد على حـديث الآخرين واختيار ما يُنـاسبـه، فالأهـتمام بالآخرين والإنصـات لأحـاديثيهم إما أن تـؤدي إلى الضـياع وهذا هو الغـالب وإما تـؤدي إلى الصـلاح وهذه فئة قليلة، وكأن هذا الإنسـان كالكرة يُلعب به كيفمـا يشـاء الآخرون وعلى حسب أمزجتهم، فلا يستطيع التحرك خطوة واحدة إلا بمن حـوله، وأبسط الأمثلة على ذلك حالات الضيـاع التي تحدث من انحراف الشباب للمخدرات وغيرها، وعندما يتم سـؤالهم سيكون الجواب المتعارف عليه هو ”رفقـاء السـوء”، وهذا دليل على اعتمادهم الواضح بالرفقـاء دون ظهر شخصية واضحة تمنع الشخص من القيـام بذلك .
يجب على كل إنسـان يطمح لتحقيق النجاحات أن يعتمد الاعتماد الكلي على نفسـه، ولا يهتم بالآخرين وحديثهم الذي لا يمر عليه إلا يومين ويختفي، وإرضـاء الناس غاية لا تُدرك، وكلام النـاس لا يُقـدم شيـئا ولا يؤخـر، ولا يجد منه البشـر إلا الخراب في المجتمع، مثل تلك المرأة اشترطت في زواج ابنتها أن يكون هناك ” كوشة ” ومغنيات ورقاصات، وجميع أصنـاف الطعـام، وزفاف مُكلف رغم حالتها المادية المتوسطة، وكل ذلك من أجل عدم فتح المجال لزميلاتها بالحديث عنها بالسلبية بعد حفل الزفاف ، وكما نلاحظ أن بعد كل حفلات الاعراس نجد الانتقادات وكثرة الحديث وخاصة من النسـاء، وهذا يـؤدي إلى خراب البيوت، وسبب ما يحدث هو الاهتمام بالحـديث من الآخرين، وكـذلك الأمر يحـدث في حياتنا الأسـرية، فالشـاب عندما يُشـاهد شيئا جديدا لدى ابن عمـه ، يطلب من والده ذلك الشـيء والسبب ” ليش ولد عمي عنده” ، وتلك الفتاة تًصاب بالضيق والبكاء، لعدم توفير الاهل لها ملابس مثل تلك التي تلبسها زميلاتها، وتحدث كثيرا تلك المقارنات وتحدث معها المشـاكل التي لن تنتهي مع تكرار المقارنة على أمـور آخرى، فلو كان كل شخص لا يهتم بكلام الناس ولديه شخصيته وقدرته على اتخاذ القرار بنفسه، لما تواجدت تلك الآثـار السلبية من النظر للآخرين ومقارنتنا بـهم .
ويجب أن نعلم أن الثـقة بالله تعالى ومن ثم الثقة بالنـفس، عاملين مهمين في عدم النظر للآخرين والاهتمام بكلامهم ، ففي الأخير الإنسـان هو من سيتحمل نتائج قرارته كانت من نفسه أو كانت بالإعتماد على الآخرين، وأفضل مثـال يُمكننا التعلم منه، هو في قول الله تعالى: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) سورة إبراهيم (22)، هذا قول الشيطان الرجيم، لكل من طاوعه وسـار خلفه، فالدعوة وكانت منـه، والاستجابة كانت منهم، ولهـذا كان عليهم ان يتحمـلوا ما قاموا به بعد موافقتهم للشيطان، وجميعنا نعلم أن الإنسـان مُخيـر وليس مُسير، ومن اهتم بكلام الناس مات همـا، ولن تكون لديه المقدرة على القيام بالاعمال او ممارسة الاعمال الحياتيـة، وسيكون بانتظار الاحاديث من حوله ، لتكون عونا له في تحركه، وعندما يقع الفأس بالرأس، يبـدأ النـدم وترديد عبارة ” يا ليتي لم اسمعهم أو امشي معهم ” وما يُفيـد النـدم بعد إنقضـاء الاجل .
وأخيـرا، انصحكم ونفسي بعدم الاهتمام بالآخرين، فكل إنسـان ينظر لجانب معين وقليل من نجد من ينظر للجوانب جميعها، ويهتم لمصلحتك ويدلك على الطريق الصحيح، وعندما تود اتخـاذ القرار فعليك بالتفكير فيه بنفسك استـفتاء قلبك، أهـو نـافع أم ضـار؟ فذلك الشـاب يقرر شـراء سيـارة فيبدأ بالاستماع لحديث زملائهم، وستكون أغلب الآراء أن تكون السيارة فاخرة، ويُمكنك الاقتراض من البنوك إن لم يتوفر لك المـال، ويضربون له الامثلة على فلان وابن فلان، حتى يستمع إليهم ويشتري تلك السيارة الفارهـة، وبعد فترة نجده يبكي والدموع تملأ عينـه وهو يقول ”الديون اغرقتني، وحطمت حياتي، والسبب الرفقاء، ولو فكرة أخينا في شـراء سيارة تقوم بتوصيله من البيت لمكان العمل والعكس وقضاء حاجته وعلى الملبغ الذي لديه دون الإقتراض من البنوك، تكون حياته أفضل بكثيـر، وسيكون مرتاح البـال، وفي سعادة وطمأنينه، وحياتنا بهـا أحـداث كثيرة تدل على عواقب الاهتمام المبالغ فيه بالآخرين وتقليدهم تقليد الأعمى لملابسهم ومقتنياتهم، مع أنهم لن يُقـدموا لنا شيئـا، فلمـاذا لا نعيش حياتنا بشخصيتنا الحقيقية دون طمسهما وإخفـائهـا والنظر لمن حولنا، فعلينا أن نرفـع رؤوسنـا عاليـا، ونبزر أنفسنـا ونعتمد عليها ونتوكل على الله تعالى في تيسير أمور معيشتنا في هذه الدنيـا .
ساحة النقاش