ذات يوم .. كنتُ راكباً الحافلة العاملة فى طريقى إلى العمل، وكان فى طريقنا سوق ضخم، ثم كوبرى علوى، وسارت الحافلة خلال السوق الخالى من الزحام فى هذه الساعة المبكرة من النهار بهدوء وبدون أى مضايقات.

وكانت هناك محطة قبل الكوبرى بنحو مائة متر، وكانت هذه هى المحطة الوحيدة لنزول الركاب، غير أن الركاب اعتادوا النزول قبل صعود الكوبرى مباشرة من الحافلة، وكان السائق فى كثير من الأحيان يوافق على هذا الاستثناء رفقاً بهم، وخاصة كبار السن.

فى ذلك اليوم .. نبه السائق بصوت عال أن لا محطات نزول أخرى بخلاف المحطات الرسمية للركاب، أى المحطة الأخيرة قبل الكوبرى ثم صعود الكوبرى مباشرة .. وفور أن أعلن هذا بصوت عال، تصاعدت نبرة احتجاج تنذر بشجار من شاب صغير لا يتجاوز السابعة عشر من عمره.

(إزاى يعنى؟ .. أنا كل يوم بركب الخط ده، وبنزل قبل الكوبرى على طول .. إنت هتشتغل من دماغك؟ إنت هتنزلنا على كيفك؟)

والكثير من هذه الجمل المستفزة لأى ذى نفس حمية .. وتملك الغضب والعناد من السائق فأقسم للشاب أنه إن لم ينزل الآن فلن ينزل من الحافلة حتى نهاية الكوبرى من الناحية الأخرى .. أى أن عليه أن يعاود سير هذه المسافة على قدميه.

بالطبع اغتاظ الشاب للغاية ولكنه لم يملك إلا أن ينزل من الحافلة على مضض وهو مضطر – المسكين – أن يسير 50 – 100 متراً على قدميه الرقيقتين.

وفور نزوله تعالت التعليقات:-

(هما دول شباب الأيام دى) (عيل صغير ومش قادر يمشى 50 متر؟ يا عينى على ده جيل) (شوف قلة أدبه .. غلطان وبرضه بيلامض مع السواق) ( … الخ).

وتوقفت لحظة أنظر إلى حال هذا الشاب وإلى حال أقرانه ..

بالفعل.. الجيل يعتريه كسل شديد – غير مبرر – للمصاعب والتحديات .. عفواً ليس هناك أصلاً تحديات ملموسة فى حياة أولئك الشباب حتى يشدوا حبال الحماس تجاهها .. الأمر كله كسل بدون أدنى مبرر .. اللهم إلا التربية على الكسل.

كيف بالله عليك ترجو نجاحاً أو تقدماً فى الحياة فى ظل نفس كسولة تنأى عن المجهود بغض النظر عن المعالى من الأمور .. إن الشاب الذى يتكاسل عن سير مسافة تقل كثيراً عن 100 متر، ويكون على استعداد لعمل مشاجرة لأجل هذا الأمر، لهو شاب مثير للحزن فى حاله وحياته.

لقد قرأنا يوماً عن شباب أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة بدر كان كل همهم من الغزوة هو رأس ابو جهل.. ومن هو أبو جهل يومها؟ رأس الكفر، وقائد جيش المشركين، وعظيم قومه وحسيبهم.

ولكن راغبوا المعالى ليس الأمر عليهم بعال ..

والنبى صلى الله عليه وسلم يصحب زيد بن حارثة فى رحلة إلى الطائف على القدمين بدون استعداد مسبق، (المسافة 500 كيلو متر) حتى يدرء عن نفسه عيون قريش حتى لا تلاحقة بالأذى إذا علمت أنه فى طريقه إلى الطائف لنشر دعوته.. كيف وافق زيد رضى الله عنه على هذه الرحلة؟ وكيف تحمل مشاقها؟ بل كيف وقف مدافعاً بجسده عن النبى صلى الله عليه وسلم وسفهاء القوم يقذفونه بالحجارة؟

السؤال الآن: كيف تربى ابنك اليوم إن كنت أباً وغداً إن لم تكن بعد؟

هل على الكسل والركون إلى السهل واليسير من الأمور، والابتعاد عن شاق الأمور وأصعبها؟ أم على منهج (على قدر أهل العزم تكون العزائم) ؟

كما تعودنا دائماً.. أنا لا أحب النقد الهدام الفارغ من المحتوى والمضمون .. لقد قدمت مشكلة نعانى منها جميعاً، وأيضاً أقترح لها حلول الآن عل هناك من يستفيد من هذه الحلول.

1- الرياضة اليومية الثابتة: لن تجد شيئاً يحطم الكسل قدر الرياضة المنتظمة اليومية والتى تربى داخلك بغض الكسل وعدم سلوكه. اختر لنفسك مكاناً مناسباً من المنزل وخصصه بربع ساعة يومياً لممارسة الرياضة، حتى ولو كانت رياضة بسيطة كتليين العضلات وتحريكها، هى كافية كبداية وستجد نفسك تزيدها مع مرور الوقت.

2- اختر الصعب: انظر فى حياتك وابحث عن الأمور التى كنت تراها صعبة وأعرضت عنها استصعاباً لها، واختر أحدها لنفسك كتحدى حقيقى تتخطاه وتتخطى فى نفسك عقبة أن تكون ضعيفاً أمام أى عائق. حاول أن تختار التحدى الذى لا يأخذ وقتاً زمنياً كبيراً فى البداية حتى لا تمل وتعود إلى قديم العهد من القنوط والكسل، وإنما اختار تحدياً قصير الوقت ترى نتائجه سريعاً حتى يكون حافزاً جيداً لك فى البداية.

مع نجاحك أول مرة ستجد أن الأمر لم يكن بهذه الصعوبة السابقة، وستستلذ اختيار الصعاب من الأمور حتى تثبت لنفسك أنك أهل لها..جرب هذا الإحساس الرائع وأخبرنى بالنتائج.

ولو حدثت لك بالفعل تجربة جيدة فى هذا الشأن، سأكون سعيداً للغاية لو أرسلتها لى بالميل حتى أخصص لها موضوعاً فى المدونة يقرأه الجميع ويستفيد منه.

وأخيراً …

3- المشى: ربما يكون حلاً عجيباً ولكن – صدق أو لا تصدق – المشى يربى داخلك عزيمة عجيبة على مواجهة الصعاب والتحديات ويهذب نفسك بطريقة قد لا تتصورها ويعودك الصبر .. وأيضاً حتى إذا أجبرك سائق الحافلة يوماً أن تنزل فى المحطات الرسمية لا تكون متذمراً ولا متضايقاً من مشى هذه المسافة.

المصدر: مقالات النجاح، النواوي
Al-Resalah

الرسالة للتدريب والاستشارات.. ((عملاؤنا هم مصدر قوتنا، لذلك نسعى دائماً إلى إبداع ما هو جديد لأن جودة العمل من أهم مصادر تميزنا المهني)). www.alresalah.co

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 526 مشاهدة
نشرت فى 22 إبريل 2011 بواسطة Al-Resalah

ساحة النقاش

الرسـالة للتدريب والاستشارات

Al-Resalah
مؤسسة مهنية متخصصة في مجالات التدريب والإستشارات والبحوث والدراسات، وتُعتبر أحد بيوت الخبرة متعددة التخصصات في العالم العربي.. ومقر الرسالة بالقاهرة.. إن الرسالة بمراكزها المتخصصة يُسعدها التعاون مع الجميع.. فأهلاً ومرحبا بكم.. www.alresalah.co - للتواصل والإستفسارات: 00201022958171 »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,028,585