بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين  اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً و أرنا الحق حقاً و ارزقنا إتباعه ، و أرنا الباطل باطلاً  و ارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
 أيها الأخوة الأكارم : ليست مفاجأةً أن تتوقعوا أن يكون موضوع هذا الدرس الاستعداد لشهر الصيام لأننا ويغلب على الظن أن غداً صيام دخلنا في عبادة منذ آذان المغرب والذي يلفت النظر أيها الأخوة كما قيل أو كما ورد في الأثر أن المنافق كالناقة عقلها أهلها ثم أطلقوها فلا تدري لا لما عقلت ولا لما أطلقت .
 يعني إذا الإنسان دخل في الصيام وخرج من الصيام ، صام مع الناس لا يدري لا لما صام ولا لما أفطر ففي نص هذا الحديث إنه منافق :

((مثل المنافق كالناقة عقلها أهلها ثم أطلقوها فلا تدري لا لما عقلت ولا لما أطلقت))

الإنسان مخلوق راقي ، مخلوق مكرم وأعظم ما كرمه الله به العقل ، والعقل لا يقبل أن خالق الكون يأمرك أن تمتنع عن الطعام لشهر ثم تأكل وهذا واقع معظم المسلمين هم هم  مخالفاتهم مخالفاتهم ، لهوهم لهوهم ، اختلاطهم اختلاطهم ، نظراتهم نظراتهم ، استماعهم استماعهم كسبهم كسبهم ، إنفاقهم إنفاقهم ، انحرافاتهم انحرافاتهم ، يأتي رمضان يصومون كما يصوم غير البشر جوع وعطش ، ويأتي المغرب فيفطرون ويمضون السهرة كما يشتهون ويتسحرون ثم ينامون وهم عند بعضهم صائمون بينما المؤمن يسأل نفسه هذا السؤال الله جل جلاله غني عن عبادةٍ تبدأ بترك الطعام وتنتهي بتناوله .
 إذاً بشكل أو بآخر لما ربنا عز وجل قال : 
<!--

﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63)

( سورة البقرة )

كلمة وذكروا ما فيه يعني قفوا على حكمته ، اعرفوا أبعاده ، مدلولاته ، أهدافه البعيدة ، الإنسان حينما يغفل عن الأهداف الكبرى التي من أجلها شرعت العبادات لا يحقق العبادات إطلاقاً ، كنت أقول هذا المثل كثيراً الإنسان لو سافر واستيقظ في أول صباح في هذه البلدة البعيدة النائية يوجد سؤال كبير لماذا أنا هنا ؟ إن كنت جئت هذه البلدة للتجارة ، الحركة في اليوم التالي بعد تناول طعام الفطور على حساب الفندق طبعاً يتحرك إلى نحو المعامل والمؤسسات ، وإن كان جاء سائحاً يتحرك نحو المقاصف والمتنزهات ، وإن كان جاءها طالب علمٍ يتحرك نحو المعاهد والجامعات ، فحركتك في هذه المدينة لا تصح إلا إذا عرفت الهدف .
 الآن حركتنا في شهر رمضان لا تستقيم ولا تصح إلا إذا عرفنا لماذا نحن في هذا الشهر أو لماذا أمر الله بالصيام ؟ هذه المقدمة أود منها أن أصل إلى أننا في شهر عظيم شهر المغفرة ، لا تنسوا النبي عليه الصلاة والسلام حينما قال : صعد المنبر درجة فقال آمين ، صعد الدرجة الثانية فقال آمين ، صعد الثالثة فقال آمين ـ له هيبته صلى الله عليه وسلم ـ صعد وخطب وانتهى وصلى سأله صحابي جليل يا رسول الله سمعناك أمنت وأنت على المنبر فعلى ما أمنت ، قال : أتاني جبريل فقال لي رغم أنف عبد أدرك والديه فلم يدخلاه الجنة .
<!--

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ ))

أيها الشباب انتبهوا من كان له أب وأم على قيد الحياة بإمكانه أن يدخل الجنة ببرهما وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام : قابل الله في برها تدخل الجنة أو تدخل الجنة جواب الطلب .
 قال فلما صعدت الثانية قال لي جبريل رغم أنف عبد ذكرت عنده ولم يصلِ عليك .
<!--

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ فَانْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلاهُ الْجَنَّةَ قَالَ رِبْعِيٌّ وَلا أَعْلَمُهُ إِلا قَدْ قَالَ أَوْ أَحَدُهُمَا))

وفي الدرجة الثالثة جاءه جبريل فقال : رغم أنف عبد أدرك رمضان فلم يغفر له إن لم يغفر له فمتى .
 يوجد واحد منا لا يوجد له مع الله عهد ، هذا شهر العهد ، شهر التوبة شهر الصلح مع الله ، أحياناً فيما يسمى بالانزلاق ، هذا رمضان يرقينا درجة أو درجات فمن كان عاصياً يرتقي إلى الطاعات ، ومن كان طائعاً يرتقي إلى الإخلاص ومن كان مخلصاً يرتقي إلى الذوق ومن كان ذائقاً طعم الإيمان يرتقي إلى الشهود ثم يرتقي إلى الإحسان يعني أنت اليوم أمام قفزة نوعية ، فالحقيقة وأنا تأخرت عليكم بسبب أني كنت في تعزية في الحجر الأسود أخ كريم من أخوانا الكرام توفي أخوه فجأةً فالواجب أن نعزي وهو مكان بعيد والمواصلات صعبة ويوجد ازدحام في السير صار ، على كلٍ في الطريق قلت لأحد أخواننا قلت له : ما رأيت في حياتي تاجراً يبيع البضاعة ويشحنها ويسجلها ويتحمل مشقة تسويقها وإذا جاء وقت قبض الثمن يقول لك والله لا يوجد لدي وقت فراغ اعذرني ، بربكم هل سمعتم في تاريخ التجارة تاجر يعتذر بضيق الوقت عن قبض ثمن البضاعة أنا أرى بالعكس ، هل رأيتم بحياتكم إنسان يعد الخمسماءات وهو غافل يكبو ، في القبض يوجد صحوة ، فالنبي الكريم في حديث صحيح رواه البخاري ومسلم :
<!--

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ))

قام يعني التراويح وقت قبض الثمن ، أنت في النهار ضبطت جوارحك  ضبطت سمعك ، لسانك ، كل شعور معين إني صائم إني صائم لا سمعت غناء ولا تكلمت فحش ولا تكلمت منكر ، وتصدقت ، وقرأت القرآن صباحاً ، كل هذا التعب وكل هذا الجهد من أجل أن تقف لفترةٍ طويلةٍ طويلة بين يدي الله عز وجل تستمع إلى كتاب الله ، افتحوا إحياء علوم الدين على باب تلاوة القرآن ، الإمام الغزالي يقول إن أعلى درجة من ثواب القراءة أن تقرأه أو أن تستمع إليه وأنت واقف بصلاة في المسجد ، أنت إذا أتيح لك أن تستمع إلى كتاب الله بأكمله يتلى عليك بصوت جلي ونبرات واضحة وأحكام توجيهية بينة وقلب مقبل على الله عز وجل ، هذه فرصة لا تعوض .
 فلذلك أنا كنت أقول لأخواننا النبي الكريم يقول : تفرغوا من الدنيا ما استطعتم فما أحب عبد الدنيا إلا التاط منها بثلاث شغل عناه وأمل لا يدرك منتهاه وفقر لا يبلغ غناه .
 دائماً يحس بالحرمان ودائماً يحس ويتصور الآمال ولا يبلغها ودائماً يغرق في أعمال لا تنتهي كلها دنيوية ، إذاً نحن نريد في هذا الشهر التفرغ ، التفرغ والالتزام ، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، هنا شعور كل أخ منكم ماذا يعني أن يقول النبي قولاً كل إنسان يفهم هذا القول حسب إيمانه ، كلما ارتقى الإيمان وماذا قال سيدنا سعد ؟ ثلاثة أنا فيهن رجل وفيما سوى ذلك أنا واحد من الناس من هذه الثلاثة أنني ما سمعت حديثاً عن رسول الله إلا علمت أنه حق من الله تعالى .
 أيام الإنسان يتصفح جريدة يرى خبر صغير في الصفحة الحادي عشر في الزاوية السفلى على اليمين مثلاً صرح مصدر مسؤول أنه سوف يسمح باستيراد السيارات كله سطرين وحجم الحرف اثني عشر أو تسعة وحرف رفيع ، فيقف شعر بدنه لأنه اشترى خمس سيارات للتجارة فهذا البلاغ الصغير يخفض من سعر كل سيارة مئتا ألف ليرة أربعة في اثنين ثمان مائة ألف بثماني كلمات قرأهم لأنه صدق فإذا أنت تعاملك مع القرآن والسنة كتعاملك مع تصريح من مصدر مسؤول في جريدة يومية لكان حالك غير هذا الحال .
 مرة حدثت قصة والله لا أنساها صدر بلاغ صغير أن كل سيارة رقم محركها لا يطابق رخصة السير تصادر السيارة فوقفت أمام مصلح سيارات فوجدت أمامه اثني عشر سيارة كلهم يرجوه أن يعيد لهم المحرك الأساسي فصدرت مني عبارة وقلت : أه لو خاف الناس من ربهم كما يخافون من وزير داخليتهم لكان حالهم غير هذا الحال ، إنسان مثلك ومثله أصدر لك بلاغ صغير كلمتين جعلك تخرج من جلدك وتركض إلى المصلح وتقول له ضع المحرك الأساسي لأن هذا الرقم لا يتطابق مع رخصة السير .
 لو تعاملت مع الله بهذه الطريقة ، النبي الكريم يقول وطبعاً هذا وحي لكن وحي غير متلو والقرآن وحي متلو ، عن أبي هريرة قال :
<!--

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ))

إيماناً واحتساباً أي نيةً وعزيمةً ، كل إنسان أيام يصوم وكثير من أخوانا التجار في الشتاء يكون عندهم موسم يقول لك أنا تناولت طعام الغداء ؟ لا أتذكر ، لا يشعر من كثرة البيع والقبض ، يقول لك موسم ساخن ويمكن أن يتغدى بعد المغرب هل هذا الإنسان صام ؟ لا ما نوى الصيام والصيام عبادة ، هذا الشيء ذكرته في الخطبة ، الصيام يبدو أنه عمل سلبي ، لأنه يوجد عبادة قولية الأذكار والتلاوة ، عبادة مالية الزكاة  وعبادة بدنية الصلاة ، وعبادة مركبة كالحج  قولية بدنية مالية ، ويوجد عبادة سلبية وهي الصوم وهي امتناع عن الطعام و الشراب فقط ، لكن هذا الامتناع بنية التقرب إلى الله عز وجل وبهذه النية انقلب هذا الامتناع إلى عمل إيجابي .
 مرة انتبهت إلى نقطة وهي أنه لو أحضرنا مصور ووضعنا خمسة مائة في الطريق يقولون مرة أجروا تجربة وضعوا مسجلة بصندوق بريد وطبعاً مضبوطة من مكان بعيد   فرجل مر أمام الصندوق يا أخي تعال وأخرجني ، هل إنسان داخل الصندوق فامتحنوا الناس  كيف دخلت إلى الداخل فهذا يكون تفكيره ضعيف جداً ، كل إنسان رد فعله يتغير عن الثاني  يوجد امرأة قالت تعالوا وأخرجوه ، مر رجل مثقف فقال له المسجل تعال وأخرجني ، فنظر أين يوجد توصيلات لحتى وجد شريط يصل إلى شرفة بعيدة ففهم القصة كلها .
 فأحياناً الإنسان يكون فهمه عميق لأمر ، وأيام يكون فهمه سطحي ، لو وضعنا في الطريق خمس مائة ليرة وصورنا في الطريق ، مر شخص نظر وانحنى وقبضها ووضعها في جيبه ، عدناها مرة ثانية ، ربما توافقت الحركات توافقاً تاماً تاماً ، أحدهم نوى أن يعطي هذا المبلغ لصاحبه بعد البحث عنه ، والآخر نوى أن يأخذه اغتصاباً ، الحركات واحدة والتصرفات واحدة والانحناءات واحدة ، الأول يرتقي والثاني يسفل ، الأول طائع والثاني عاصي ، الأول يكرم والثاني يعاقب ، ما الفرق بينهما ؟ النية فقط ، إذا أنت تعلم علم اليقين أن هذا الدواء يؤذي لهذا المريض ، أن هذا الليمون يؤذي هذا المريض ومعه قرحة ، فصنعت له كأس ليمون تفضل من أجل أن تزيد من مرضه ، وإنسان آخر يعلم أن هذا الدواء ينفع هذا المريض ، لو أن الدواء آذى المريض والليمون نفع المريض على الرغم من أن الليمون نفع المريض    الذي قدمه له يأثم بنيته السيئة ، وعلى الرغم من أن الدواء آذى المريض لكن الذي قدمه له يرقى عند الله بنيته الطيبة ، فلذلك موضوع النية دقيق جداً  لكن مرة قال لي أخ كريم سؤال سألني إياه وأضحكني قال لي : هذه النية كيف تصير ؟ فقلت له : هذا السؤال يشبه تماماً رجل سأل طبيب قديم متفوق ومعه اختصاص من أمريكا قال له علمني شيء بسيط بدقيقتين كيف تكتب الوصفة ، فالطبيب ابتسم وقال له : هذه الوصفة كتابتها محصلة دراسة ثلاثة وثلاثين سنة .
 فالنية العالية بالضبط محصلة إيمان عمر ، كلما ازداد إيمانك تسمو نواياك ، مرة أخ سألني وهو خطيب مسجد قال : أيام أشعر أن الناس استفادوا أو أشعر أنني نجحت في الخطبة والخطبة كانت ناجحة جداً تأتيني نشوة ، هل هذه النشوة مشروعة أم غير مشروعة ، يا ترى من الدنيا أم من الآخرة ؟ الله سبحانه وتعالى ألهمني جواب قلت له : يا أخي إذا أعجبك المصلون فهذا من إخلاص العالِم أما إذا أعجبت المصلون فهذا من شهوة العالم ، يعني أنت حريص على هدايتهم ، إن رأيتهم على الطريق الصحيح ووفق السنة النبوية ، إن رأيت سمتهم حسناً وإقبالهم طيباً وإخلاصهم شديداً فقرت عينك بهم فهذا من إخلاص الداعية إلى الله أما إذا فرحت لأنهم أعجبوا بك ، انتزعت إعجابهم وقد عظموك على هذا الكلام فهذه شهوة من الدنيا ، ما الذي يعجبك أن تعجبهم أم يعجبوك  أن تنتزع إعجابهم أم أن تقر عينك بهم ؟ الفرق دقيق جداً إن انتزعت إعجابهم فهذه من الدنيا أما إن قرت عينك بإيمانهم فهذا من إخلاص الداعية إلى الله عز وجل .
<!--

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ))

فمعنى إيماناً واحتساباً أي نيةً وعزيمةً غفر له ما تقدم من ذنبه الحديث متفق عليه  يعني الله عز وجل كريم بالمناسبة تصوروا دين لا يوجد فيه توبة ما الذي يحدث إذا لا يوجد توبة ولا تكفير للذنوب ؟ إذا الإنسان وقع في معصية يئس يقول لك خربانة وخربانة ولا يوجد أمل تتفاقم أغلاطه ، لكن ربنا عز وجل لكرمه قال :
<!--

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الصَّلاةُ إِلَى الصَّلاةِ الَّتِي قَبْلَهَا كَفَّارَةٌ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا كَفَّارَةٌ وَالشَّهْرُ إِلَى الشَّهْرِ الَّذِي قَبْلَهُ كَفَّارَةٌ إِلا مِنْ ثَلاثٍ قَالَ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ أَمْرٌ حَدَثَ إِلا مِنَ الشِّرْكِ بِاللَّهِ وَنَكْثِ الصَّفْقَةِ وَتَرْكِ السُّنَّةِ قَالَ : قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الشِّرْكُ بِاللَّهِ قَدْ عَرَفْنَاهُ فَمَا نَكْثُ الصَّفْقَةِ وَتَرْكُ السُّنَّةِ ظن قَالَ : أَمَّا نَكْثُ الصَّفْقَةِ فَأَنْ تُعْطِيَ رَجُلاً بَيْعَتَكَ ثُمَّ تُقَاتِلَهُ بِسَيْفِكِ وَأَمَّا تَرْكُ السُّنَّةِ فَالْخُرُوجُ مِنَ الْجَمَاعَة ))

معنى هذا أن يوم الجمعة صار صلح مع الله ، والصلاة هذه الأخطاء والزلات والصغائر الهفوات التي ارتكبت خلال الأسبوع محيت ، وكل واحد منكم يصلي يعرف هذا الشيء ، دخل إلى المسجد توضأ وصلى  يعني إذا يوجد مزحة لا تليق ، أو كلمة قالها وشعر أنه انحجب عن الله عز وجل بهذه  الصلاة وكأن هذه الصلاة كفارةٌ لما بين الصلاتين ، هذا الذي قاله النبي عليه الصلاة والسلام :
 (( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَفِي حَدِيثِ بَكْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ قَالُوا لا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ قَالَ : فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا ))
 فهنا الحديث متفق عليه ويوجد رواية للنسائي :
<!--

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ))

هذا الحديث متفق عليه وهو أعلى أنواع الحديث ، إذاً أنتم دخلتم في شهر يمكن أن يغفر لكم كل ذنب سابق ، لو صمتم الصيام التي أراده الله عز وجل وقمتم القيام التي أراده الله عز وجل ، مرة سألني أخ من أخوانا قال لي أخ من أخوانا : أسمع عالم حقيقة وعالم شريعة وعالم طريقة ، ما الفرق بين هؤلاء ؟ الحقيقة أحياناً الإنسان تبقى القضايا مجردة والتعريفات صعبة وشائكة ومتداخلة ، أحياناً المثل يوضح ، قلت له : إنسان لا يوجد عنده بيت دخل على مهندس من كبار المهندسين أطلعه على الطابق التي تحت الأرضي مستودعات وكراج سيارات والتدفئة المركزية شيء جميل ، أطلعه على الطابق الأرضي الأبهاء والصالونات وغرف الضيوف والزوايا ، غرف النوم مع المرافق العامة  أطلعه على الطابق العلوي للنوم شيء جميل جداً غرف كلها باتجاه الجنوب غرف واسعة شرفات جميلة ، أطلعه على مخطط الكهرباء ، أطلعه على مخطط التزيينات دهش هذا عالم الشريعة أنت بيت لا يوجد عندك والخارطة رائعة جداً  عالم الطريقة دلك على بيت فخم قال لك هذا البيت إذا وصلت إليه فهو لك طريقه من كذا إلى كذا ودلك على الطريق ، قال عالم الحقيقة هو الذي يأخذ بيدك ويدخلك إلى هذا القصر فبين أن تتطلع على خرائطه وبين أن تدل على طريقه وبين أن تدخل إليه ، طبعاً لو دخلت هذا القصر وتنعمت بما فيه من خيرات حسان هذا القصر مبني على علم وله خرائط لكن أنت الآن في قصر تتمتع بالدفء شتاءً وبالبرودة صيفاً وبالآرائك الوثيرة ، وبالطعام النفيس والشرفات الجميلة والمناظر الخلابة والمسليات ، أنت الآن عشت السعادة الحقيقية كذلك الدين ليس له مشكلة وله قضية ما دام الدين فكرة ، مطالعة ، ثقافة  الدين مثله كمثل أي نشاط آخر أما لو عشت هذا الدين ولم تعيشه إلا باستقامتك على أمر الله ، كنت أضرب مثل سابقاً يوجد أخوان رأوه مبالغ به كلمة آلاف مليون تفضل والفظها سهل لفظها سهل جداً دولار بالعملة الصعبة ، بين أن تلفظها وبين أن تملكها والله الذي لا إله إلا هو هذه المسافة بين لفظ هذا المبلغ وقد لا تملك ثمن رغيف خبز وبين أن تملكه هي المسافة بين أن تتحدث عن الدين وبين أن تكون متديناً حقاً المسافة نفسها .
<!--

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ ))

متفق عليه ، ومتفق عليه أعلى درجات الحديث ، مرة قلت هذا الكلام يا رب أنت في رمضان تقيد الشياطين فلماذا ببقية أشهر العام يفلتون علينا الجواب المؤمن إذا تاب إلى الله واصطلح معه ألغى عمل الشيطان ، إذا إنسان مثلاً دكان تبيع الخمر في حي فيه مائة بيت مادام هؤلاء الناس يشترون من هذه الدكان المحل يعمل كلما باع بضاعته يحضر بضاعة جديدة ، لو أن هؤلاء المائة اتفقوا على أن يقاطعوا هذا المحل الذي يبيع الخمرة وما اشتروا منه إطلاقاً بعد أيام يغلق هذا المحل ، هم أغلقوه حكماً فكل إنسان يصطلح مع الله ويمتنع عن طاعة الشيطان حكماً قيده وصفده وألغى عمله هذا معنى الحديث .
 أيام الإنسان كلمة دعاء لا يعرف كثير قيمة الدعاء ، تصور إنسان أعطاك شيك من دون رقم ووقع لك هذا الشيك شيك مفتوح ، ويسمونه في بعض البلاد القاضي يعطى شيك مفتوح ومهما طلب الرقم يقبضه ، أما إن كان قاضي مسلم وإسلامه عميق مهما كان معاشه قليل لا يحكم إلا بالحق ، مرة أحدهم روى حديث وقال لي في آخر الزمان قاضيان إلى النار وقاضي إلى جهنم ماذا جهنم إلى الجنة قال : لا هذا الحديث معدل ، يبدو إذا الإنسان باع دينه من أجل الدرهم والدينار فقد باع آخرته .
<!--

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ثَلاثَةٌ لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمُ الإمَامُ الْعَادِلُ وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ دُونَ الْغَمَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ بِعِزَّتِي لأنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ  ))

هل أنتم مصدقون هذا الكلام ، هذا كلام النبي والحديث صحيح ، أنت صائم شاب يدعو الله يا رب هيئ لي عمل يرضيك ، يا رب هيئ لي رزق حلال ، يا رب هيئ لي زوجة صالحة ، يا رب هيئ لي مأوى ، أنت إذا كنت صائماً فلك عند الله دعوةٌ لا ترد ، بالمناسبة يوجد مناسبات كثيرة إذا ذهبت إلى بيت الله الحرام ما إن تقع عينك على الكعبة المشرفة لك عند الله دعوة لا ترد ، إذا وقفت أمام الملتزم والتزمته كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لك عنده دعوة لا ترد .
 إذا صليت الصلاة في عقب الصلاة لك عند الله دعوةٌ لا ترد ، إذا صمت رمضان للصائم عند الله دعوة لا ترد ، مالك حاجة عند الله عز وجل أم أنت مستغني عنه ؟ ألا تحتاج إلى ألطافه الخفية ، ألا تحتاج إلى أن يمتعك الله بالصحة لتامة ، ألا تحتاج إلى رزق حلال ، ألا تحتاج إلى وفاق زوجي ، ألا تحتاج إلى أولادٍ أبرار تقر عينك بهم ، الذي عنده أولاد يعرف هذا الكلام ، الأب إذا رأى ابنه صالح يعني يشعر بسعادة لا توصف وكأنه ملك الدنيا بحذافيرها  والأب الصالح إذا رأى ابنه على خلاف الصلاح يشعر بإحباط لا يوصف هذا الدعاء القرآني : 
<!--

﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً (74)

( سورة الفرقان )

(( ثَلاثَةٌ لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمُ الإمَامُ الْعَادِلُ وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ دُونَ الْغَمَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ بِعِزَّتِي لأنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ ))

يوجد كلمة يقولونها عامة الناس أشعر أنها مشعر أو مقياس ، يقول لك واحد شكيتك إلى الله المؤمن يمكن لا ينام الليل ، لما سيدنا عمر كان يتفقد رعيته في الليل ورأى عبد الرحمن بن عوف قال : امشي معي نحرس هذه القافلة فلما بكي أحد الأطفال الصغار قام عمر إلى أمه وقال أرضعيه يبدو أنها أرضعته لكن هي لم ترضعه فبكى ثانيةً فقام إليها ثانيةً وقال لها أرضعيه يبدو أنها لم ترضعه فبكى ثالثةٍ فقام إليها وقد غضب قال : يا أمة السوء أرضعيه ، قالت له : وما شأنك بنا إنني أفطمه ، فقال : ولما ، قالت : إن عمر لا يعطينا العطاء إلا بعد الفطام ـ التعويض العائلي ـ يروي كتب السيرة أن هذا الخليفة العادل ضرب جبهته ، صعق وقال : ويحك يا بن الخطاب كم قتل من أطفال المسلمين أنا أتمنى على أخوانا الكرام إذا قال لك أحدهم أنا لا أسامحك أو شكوتك إلى الله لا سمح الله ، أو أحدهم قال إلى الآخر الله ينتقم منك ، ضعيف قهره ، مظلوم اغتصب ماله أهين لا يستطيع وهو ضعيف فقال له : الله لا يسامحك ، شكوتك إلى الله ، إذا كنت مؤمن حقاً هذه الكلمة تجعلك تقفز من شدة الهلع والخوف أما إذا في إيمان ضعيف أم نفاق تقول له خير إن شاء الله .
<!--

(( وَيَقُولُ بِعِزَّتِي لأنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ ))

يوجد رواية أخرى : 
<!--

((  قَالَ : ثَلاثَةٌ لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمُ الإمَامُ الْعَادِلُ وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الْغَمَامِ وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ وَعِزَّتِي لأنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ ))

لذلك يسن عند الإفطار أن تقول : 
<!--

(( عَنْ مُعَاذِ بْنِ زُهْرَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ : اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ ))

يوجد رواية ثالثة :
<!--

(( حق على الله أن لا يرد ، الصائم حتى يفطر والمسافر حتى يرجع والمظلوم حتى ينتصر))

وهو كتاب الترغيب والترهيب ، الآن يوجد حديث فيه ترهيب شديد من إفطار يوم من رمضان :
<!--

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ رُخْصَةٍ وَلا مَرَضٍ لَمْ يَقْضِ عَنْهُ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ وَإِنْ صَامَهُ  ))

رواه الأربعة وصححه ابن خزيمة وأخرجه البيهقي .
 مرة في أخ من أخواننا أنا لا أعرفه أرسل لي رسالة مفادها ويبدو أنه كان في جاهلية جهلاء وارتكب الفاحشة مرات عديدة ثم تاب إلى الله توبةً نصوحة فشعر بسعادةٍ ما بعدها سعادة يبدو أنه بعد حين زلت قدمه مرةً ثانية ، شعر بشقاء لا يوصف وكتب لي رسالة ثمانية عشر صفحة وطلب مني أن يجلده الأخوان في المسجد ، عذاب شديد ، التوبة لأول مرة سهلة جداً ، أما الإنسان إذا بعد أن تاب نقض التوبة يسقط من عين الله لذلك حالات البعد صعبة جداً ، حجاب  الإنسان يشعر أن الطريق إلى الله غير سالك مسدود ، الله عز وجل أبعده عن رحمته ، هذا معنى اللعن قال تعالى :
<!--

﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23)

( سورة محمد )

أي أبعدهم عن رحمته ، الله أحياناً يرحمك ويحرمك الدنيا فأنت من أسعد الناس وأيام يعطيك الدنيا ويحرمك من رحمته فأنت أشقى الناس لا سمح الله ، فالعبرة أن تصيبك رحمة الله عز وجل ، رحمة الله مثل الكهرباء صعب أن نعرفها ولكن آثارها واضحة بالضبط ، أخي ما هي الكهرباء يوجد تعاريف دقيقة لها وكلها تعاريف فلسفية ، أما آثارها واضحة جداً آثار هذا الضوء هذه الحركة التبريد من آثار الكهرباء ، التكييف ، التدفئة ، حركة الآلة، تألق المصباح ، صوت المسجلة هذه كلها من آثار الكهرباء أما تعريفها صعب ، فرحمة الله عز وجل آثارها واضحة جداً من آثارها السعادة ، من آثارها الطمأنينة ، من آثارها الرضا بنصيبك من الله عز وجل ، من آثارها التوازن ، تشعر أنك مالك الدنيا وقد لا تملك قوت يومك ، هذه آثار رحمة الله عز وجل .
 كلكم يعلم أيها الأخوة أن الإمام الغزالي حينما صنف الصائمين ، صنف صيام العوام هو صيام عن الطعام والشراب ، صيام جوع وعطش ، صيام عادات من عوائدنا ، وصيام المؤمنين صيام عن كل المعاصي والآثام ، وصيام الأتقياء صيام عن ما سوى الله ، طبعاً أنا لا أظن أن أحد في هذا المسجد سيصوم صوام العوام إطلاقاً ، مادام هو في المسجد فهو طالب علم  ما الذي قاده إلى المسجد إيمانه لكن الفرق بين صيام المؤمنين وصيام المتقين ، صيام المؤمنين ما ارتكب غلطاً ولا معصيةً أما صيام المتقين صيام عن ما سوى الله لذلك الأخوة المؤمنين مدعوون في رمضان إلى التفرغ من الدنيا ما استطاعوا هذا التفرغ يمنحهم صفاءً نحن حياتنا المدنية معقدة متلاحقة يوجد هموم كبيرة ، يوجد برامج وقوائم أعمال وقوائم إنجازات لا تعد ولا تحصى إلا أنه الإنسان أحياناً يتحرر من هذه الأعباء وتصفو نفسه ويلتقي مع ربه في هذا الشهر الكريم لذلك السنة الإنسان يتفرغ من الدنيا ما استطاع .
 أول شيء مسنون في رمضان تلاوة القرآن فنحن مثل كل سنة من عشرين سنة عندنا خطبة عن فضل رمضان وخطبة عن تلاوة القرآن وخطبة عن الإنفاق وخطبة عن معركة بدر ، وخطبة عن ليلة القدر الأولى تأتي قبل رمضان ففضل رمضان وفضل تلاوة القرآن وفضل الإنفاق وفضل معركة بدر وفضل ليلة القدر ، فالقرآن إذاً ركن أساسي طبعاً ركن بالمعنى المعنوي لا الفقهي من أركان هذا الشهر الفضيل .
 أنا يخطر في بالي أن أخوانا الكرام لو سألوا أنفسهم هذا السؤال ، أو لو سألني رجل ما الدليل على أن هذا الكلام كلام الله ، هل يوجد معك دليل؟  هذا سؤال كبير وخطير وله آثار طيبة جداً ، من عنده جواب وأنت الآن مدعو إلى قراءة القرآن الكريم آناء الليل وأطراف النهار  مدعو لسماعه بصلاة الفجر والتراويح ، مدعو للإجابة عن بعض الأسئلة ، ما الدليل على أن هذا الكلام الذي بين يديك هو كلام الله عز وجل ؟ تحقق الوعد والوعيد دليل أن هذا الكلام هو كلام الخالق ، كلما رأيت وعداً تحقق أو وعيداً تحقق ، إن رأيت المؤمن المستقيم تنعم في حياةٍ طيبة تقول كلام الله حق ، وإن رأيت المعرض عانى من المعيشة الضنك أنت الآن تتأكد أن هذا الكلام كلام الله ، لو فرضنا مع الآلة يوجد تعليمات لو أنك فعلت كذا وكذا لتألق الضوء الأحمر وانطفأ المحرك ، سوف نجرب فعلت كذا وكذا فتألق الضوء الأحمر وانطفأ المحرك معنى هذا أن هذا الكلام كلام الصانع ، لو كان هذا الكلام لغير الصانع والوعد والوعيد لم يتحقق ، فهذا جواب لطيف أيضاً ما الدليل على أن هذا الكلام كلام الله ؟ إعجازه ، في القرآن يوجد إعجاز علمي إعجاز تشريعي ، إعجاز بياني ، إعجاز تربوي ، إعجاز إخباري ، إعجاز رياضي ، إعجاز بياني ، إعجازه دليل أنه كلام الله عز وجل ، يعني البشر يعجزون عن أن يأتوا بمثله .
 لو كان من عند البشر لوجدنا فيه اختلافاً كثيرا ، أنا أقول لكم اقرأ أي كتاب قبل خمسين عاماً لابد من أن تضحك في بعض صفحاته ، والآن تبدو مضحكة ، هل فهمتم قصدي  كتاب من عند البشر قد يكون فيه أغلاط وتطور العلم يكشفها ، أنا مرة قرأت كتاب لعالم كبير جداً عاش في العصور الوسطى فهذا العالم يقول إن الإنسان إذا تناول الطعام بخار الطعام يصعد إلى الدماغ وكأنه يظن أن الجوف فارغ والدماغ موصول بالجوف فإذا أكل طعاماً كثيفاً صعد بخار الطعام إلى الدماغ فعطل تفكير الإنسان ، هذه الفكرة تبدو مضحكة الآن بعد أن كشف في الإنسان موضوع المعدة والأمعاء وجهاز الهضم ، دليل آخر :
 ما من حقيقة علمية مهما بدت متقدمةً جداً إلا والقرآن أشار إليها لأن هذا كلام خالق الكون والعلم علاقات ثابتة وقوانين مكتشفة من قبل العلماء من خلال استقرائهم الظواهر المادية يعني لأنه من عند الله عز وجل والله عز وجل يعرف طبيعة النفس .
 سمعت قصة من يومين أن إنسان في فرنسا جاء إلى بيته فأطلق النار على زوجته ثم على ابنه ثم انتحر ، فالقصة مفادها أن هذه الزوجة تعمل في شركة ويبدو أن لها علاقةً مع مدير هذه الشركة هذه العلاقة اكتشفها زوجها ولم يستطع أن يصرفها عن هذه العلاقة فغلت نفسه بفعل فطرته فأطلق عليها النار وقتلها مع ابنها وخاف أن يحاسب فقتل نفسه .
 حينما نخالف كلام الله عز وجل في علاقاتنا ندفع الثمن باهظاً ، الله عز وجل فطر الإنسان فطرة عالية فلما أمر الزوجة بالحجاب وأمر الرجل بغض البصر ومنع كل المزالق التي يمكن أن تقع من الاختلاط معنى ذلك أن هذا توجيه خالق الكون ، أنت تشعر أن كل مجتمع يخالف منهج الله عز وجل يشقى ويدفع الثمن باهظاً ، قال تعالى : 
<!--

﴿قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)

( سورة طه )

هذه الأسرة شقيت ويوجد أسر مطبقة للدين ناجحة جداً في سعادة ووفاق في نوع من أنواع المودة البالغة والسكن ، والوفاء ، والحب ، والوفاق لأنها طبقت منهج الله عز وجل ، أنا لي عبارة أقولها في كل عقد قران أقول أيها الأخوة الأكارم : ما من زواجٍ بني على معصية الله ولو توافرت له كل أسباب النجاح إلا ويتولى الشيطان التفريق بين الزوجين  وما من زواج بني على طاعة الله ولو افتقر إلى معظم مقومات نجاحه إلا ويتولى الله إلى التوفيق بين الزوجين ، هذه قاعدة ثابتة إذا زواج بني على طاعة الله فهذا الزواج بني على معصية الله انتهى بجريمة وانتحار مادام يوجد اختلاط ، خيانة زوجية ، إنسان يغار وامرأة حينما التقت برجل أجنبي مالت إليه ومال إليها على حساب إخلاصها لزوجها هذه هي النتيجة ، فلذلك الله عز وجل من أسمائه السلام ماذا يعني السلام ؟ يعني اسم السلام إذا أطعته أنت في سلام ، في سلام مع نفسك  المؤمن يوجد عنده شيء لا أحد يعرف قيمة مشاعر المؤمن أنه راض عن نفسه لا يوجد عنده انهيارات داخلية اختلال توازن ، الإنسان إذا سقط من عينه ، إذا كذب كذبة واحدة ولو ما أحد كشفها إطلاقاً يسقط من عين نفسه ، إذا غير في الحسابات ، إذا أكل درهم حرام ، إذا غش  لو أن الناس ما كشفوه أبداً لكنه حينما يكشف نفسه يسقط من عين نفسه  أحد أسباب السعادة أن تحترم نفسك أنت صادق ولو كنت فقيراً ، ولو كنت ضعيفاً ، ولو كنت خامل الذكر ، ولو كنت مريضاً لا سمح الله ولو كنت عاجزاً حينما تشعر أنك منسجم مع مبادئك محققٌ لمراد الله حينما تشعر أن الله راض عنك .
 أنا مرة كنت في عقد قران قام أحد العلماء وألقى كلمة وذكر فيها حديث والله الذي لا إله إلا هو حتى هذه الساعة لا أنسى هذا الحديث ، الحديث معروف سيدنا النبي خاطب سيدنا معاذ قال له : والله يا معاذ إني لأحبك ، رأيت هذه الكلمة كبيرة جداً نبي عظيم يحب هذا الإنسان أنت أيها الأخ الكريم ألا تسعى إلى أن يحبك الله عز وجل ، ألا يوجد عندك هذه الغيرة ، ألا ترجو رحمة الله عز وجل ألا ترجو مودته ، قال تعالى: 
<!--

﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً (96)

( سورة مريم )

ألا ترجو أن تكون في موضع يحبك الله فيه ، ألا ترجو أن تكون حيث أمرك ، ألا ترجو أن يفتقدك حيث نهاك ، ما عندك رغبة أن تتقرب من الله ، ما عندك رغبة أن تطلب وده  فلذلك السلام إذا كنت مع الله عز وجل فأنت في سلام مع نفسك ، وفي سلام مع من حولك ، وفي سلام مع ربك ، لذلك قال تعالى : 
<!--

﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)

( سورة المائدة )

أيام الإنسان يسأل محامي يقول له اعمل عقد ، يقول له عملنا عقد في محكمة البداية لا يوجد داعي لأنه جاء الطرف الثاني ووقع أمام القاضي ، لا يستطيع أن يقول هذا ليس توقيعي إذا قال ليس توقيعي ثمان سنوات تذهب الدعوة ، خبراء في التوقيع وفي الحبر ، أما إذا وقع أمام قاضي البداية لا يستطيع أن يقول لك هذا ليس توقيعي ، فإذا الإنسان سأل أخ محامي مخلص   كل قضية قال له اعمل عقد ، خذ براءة ذمة ، اعمل تصريح سجله في التأمينات مثلاً ، كلما نشأت مشكلة أخذ له الاحتياطيات كأن هذا المحامي دله على طريق الراحة ، لو في أخطاء  تقصيرات دخل في متاهة أنه أنكر المبلغ ، دخل في متاهة أنه أنكر العقد ، دخل في متاهة أقيمت عليه دعوة ، فالإنسان مع محامي من بني البشر إذا دله على وسائل مريحة فرب خالق الكون  قال : 
<!--

﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)

( سورة المائدة )

أيضاً إذا الإنسان طبق منهج اله عز وجل أيضاً يقطف ثمارها ، يقطف الثمار اليانعة التي وعد الله بها المؤمنين ، وهذه قريبة من تحقيق الوعد والوعيد ، أيضاً قوله تعالى :
<!--

﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)

( سورة القمر )

وأيضاً التقدم العلمي البالغ ، كلما تقدم العلم اقترب من القرآن الكريم ، الله عز وجل يوجد أمراض كثيرة الله لحكمةٍ أرادها هذه الأمراض تتحدى كل تقدم علمي ، الرشح أحدها أبسط مرض وأخطر مرض الرشح والمرض الخبيث يتحديان كل المنجزات العلمية ، والحفظ دليل إعجاز القرآن الكريم ، فهذا سؤال كبير ، طبعاً لن تنتهي الإجابات لأنه كلام الله عز وجل ، قال تعالى :
<!--

﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً (109)

( سورة الكهف )

تلاوة القرآن لكن مع التدبر أيها الأخوة ، كنت أتمنى على أخواننا في رمضان أنه إذا قرأ القرآن يقرأه مرة ويستنبط الآيات ذات الطابع الكوني مثلاً ، آيات الكون هذه الآيات الكونية موضوعات للتفكر ، ممكن أن نستنبط آيات الأحكام ، هذه تلاوة ثانية ، ممكن أن نستنبط الآيات المتعلقة بالأمر والنهي ، ممكن أن نستنبط الآيات المتعلقة بالقوانين الثابتة ، فكلما قرأت القرآن بتدبر كنت أقرب إلى مراد الله من تلاوته لقول الله عز وجل :
<!--

﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)

( سورة محمد )

نحن في العام الماضي سلكنا طريقاً أرجو الله أن يوفقني إلى مزيد منه أنه بعد التراويح يوجد أسئلة  ، الأخ إذا صلى التراويح لأن الآية تقول :
<!--

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً (43)

( سورة النساء )

إذاً ينبغي أن نعلم ما نقول ، فطرح السؤال بعد التراويح ربما شجع الأخوة المصلين على أن ينتبهوا إلى الآيات ويفكروا في مضمونها وفي أبعادها وفي آياتها وفي مناحيها فلعل هذا يرسخ معاني القرآن في نفوس الأخوة المؤمنين ، التدبر شيء أساسي ، مع التدبر وهو قريب من التفكر التطبيق فالقرآن يتلى ويتدبر ويطبق هذه نصيحة قيمة ، نحن في رمضان يقول لك قرأت كل يوم ختمة ، أخي الحمد لله قرأت ختمتين ، رب تالي للقرآن والقرآن يلعنه ، ما آمن بالقرآن من استحل محارمه ، أما إذا كان في تدبر وتطبيق هذا الذي يقربنا من عبادة التفكر في القرآن الكريم .
 الشيء الثاني في رمضان الإنفاق ، يعني الأخ من دون عمل الطريق يبقى طويل وأنت تقف في مكانك والعمل يرقى بك والدليل قال تعالى :
<!--

﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132)

( سورة الأنعام )

يعني أنا مرة قلت لكم كلمة أحد أخوانا كان يؤذن فلما كان يأتي إلى المسجد نقول للمؤذن دعه يؤذن هذا ضيف عندنا فتوفاه الله فذهبت كي أشيع الجنازة فكانت الصلاة على الجنازة في جامع في آخر الخط في المهاجرين فهو كان يؤذن وكانت له أعمال تجارية ناجحة جداً وله أعمال صناعية ، ووضعوه في النعش فقام أحد العلماء وقال : أخوكم أبو فلان كان مؤذن فترحموا عليه أقم الصلاة ، أنا هذه الكلمة لا تغيب عن ذهني إطلاقاً ، إنسان عاش ستين سبعين سنة نشيط جداً ، حيوي ما استطاع المؤذن أن يزيد عن كلمة كان مؤذناً ترحموا عليه بإمكانه أن يتحدث عن بيته ؟ كلام ليس له معنى عند الموت ، عن دخله ، عن مركباته ، عن معمله ، عن نشاطه ، عن نجاحه في كسب المال ، عن سفراته هذا كلام لا يقال ، يقال عند الموت عن أعماله الصالحة فقط هذا كان يؤذن فأنا بقيت أتأمل أسبوعين أو أكثر أن يا ربي والله قضية خطيرة إنسان يتأبن بكلمة واحدة ، فليعمل أحدنا عمل يؤبن بخمس دقائق أقل شيء ، ست دقائق ، يقرأون عنه صفحة زمان فقط كان مؤذن فإذا الإنسان أعماله كانت متعلقة فقط في الدنيا لا يوجد أمامه إلا كلمة واحدة ترحموا عليه يا شباب ، أما إذا كان له أعمال صالحة كبيرة انظروا كم مرة نقول سيدنا عمر  وسيدنا أبو بكر ، وسيدنا عثمان ، وسيدنا علي وسيدنا صلاح الدين ، وعمر بن عبد العزيز  والشافعي وأبو حنيفة ، هؤلاء الأعلام الكبار نقولهم ليلاً نهاراً ، فأنت فليكن في ذهنك هذا السؤال ما العمل الذي عملته لله عز وجل ، يا بشر لا صدقة ولا جهاد فبما تلقى الله إذاً ، وأنتم في رمضان مدعوون إلى شيئين إلى الصيام كما أرا

المصدر: منقول للخير
AkrumHamdy

Akrum Hamdy [email protected] 01006376836

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 189 مشاهدة
نشرت فى 16 يوليو 2012 بواسطة AkrumHamdy

أ.د/ أكـــرم زيـن العــابديــن محـــمود محمـــد حمــدى - جامعــة المنــيا

AkrumHamdy
[email protected] [01006376836] Minia University, Egypt »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,742,541