البنجر محصول سكرى حديث فقد اكتشف العالم ما جراف مدير اكاديمية العلوم ببرلين السكروز به بل وانه تمكن من فصل السكروز منه على هيئة بللورات وخلال اربعين عاما واصل تلميذه فرانك كارل أشارد الالمانى ايضاً التوسع فى زراعة البنجر لاستخراج السكر منه على نطاق تجارى . اذن بنجر السكر و سكر البنجر هدية المانيا للعالم. ثم ألتقف الامر نابليون بونابرت الذى شجع زراعته فى فرنسا ابتداء من عام 1811, ثم نجح مربى النبات الفرنسى لويس فليمورن فى استنباط اصناف تحوى نسبة سكر 22% حيث كانت فيما سبق لاتزيد نسبة السكر فى جذور البنجر عن 7,5% و قبل ان ينتصف القرن التاسع عشر وفى 1940 تحديدأ انتشرت زراعة البنجر و صناعة استخلاص السكر منه فى غالب الاقطار الاوربية منها المانيا فرنسا ايطاليا بولندا ..... وغيرها. و من هنا ك انتقل الى اماكن كثيرة من العالم تنحصر ما بين خطى عرض 30-60 شمالاً , أذن هو محصول المناطق المعتدلة و الباردة وبالتالى فهو محصول استحوزت عليه طويلاً بلاد الشمال سواء فى اوربا او امريكا و روسيا وغيرها . والان تزرع عدد من الدول العربية البنجر هى مصر العراق لبنان الجزائر المغرب .
وفى الموسم الزراعى الماضى زرع البنجر على المستوى الدولى فى مساحة تقدر حوالى 10,6 مليون فدان أنتجت حوالى 56,4 مليون طن سكر و هو ما يمثل 33% من الانتاج العالمى للسكر ,وبذلك يمثل البنجر المصدر الثانى لانتاج السكر فى العالم.
و فى مصر بدأت التجارب على زراعة بنجر السكر فى مصر منذ اربعينيات القرن الماضى حيث اثبتت التجارب منذ وقت طويل ان المناخ المصرى يتيح زراعته الا أن البداية الفعلية للزراعة التجارية لمحصول بنجر السكر في مصر كانت اعتبارًا من موسم 1981/ 1982، حيث تمت زراعته فى مساحة 17 الف فدان, تم توريد محصولها لمصنع الحامول بكفر الشيخ و كانت كمية السكر المنتجة منه تمثل 2,5 % من انتاج السكر فى مصر. و منذ ذلك التاريخ ظلت المساحة المنزرعة منه تتطور و تتوسع حتى وصلت الى 520 الف فدان فى الموسم الماضى , و كانت كمية السكر المنتجة من تصنيع محصولها حوالى 58% من انتاج السكر فى مصر اذن فالبنجر يمثل المصدر الاول لانتاج السكر فى مصر, و هو كذلك منذ عام 2012 . و بالتالى فالبنجر محصول حديث فى الزراعه المصرية حيث انها لم تعرفه بشكل تجارى الا من حوالى أربعة عقود تقريبا.
و يمكننا ان نحدد الخريطة الزراعية لبنجر السكر فى مصرو هى بالطبع خريطة متطورة و مستمرة فى التمدد حيث يزرع شمال مصر من شبه جزيرة سيناء شرقاً و حتى مطروح غرباً كما يزرع فى مصر الوسطى (بنى سويف و المنيا و اسيوط) بالاضافة الى الفيوم. و من المتوقع خلال الفترة المقبلة ان تشمل خريطة البنجر مناطق أخرى يمكن الزراعة بها مثل الواحات و شرق العوينات. بالاضافة الى منطقة توشكى و ابو سمبل حيث ثبت على المستوى البحثى امكانية زراعة بنجر السكر بنجاح فيهما من خلال فريق بحثى من معهد بحوث المحاصيل السكرية و انضم اليه اعضاء من جامعة اسوان و مركز بحوث الصحراء و مركز القومى لبحوث المياه . هذا الفريق البحثى الذى يترأسه كاتب هذه السطور يعمل منذ خمسة موسم و مستمر حتى الآن قد أثبت الفريق ان هناك امكانية لنجاح زراعة البنجر بهذه المنطقة و فى هذا الموسم تابع الفريق البحثى تجربة توسعيه قوامها 800 فدان فى توشكى وهنا نقول انه لدينا فرصة عظيمة لتضاف هذه المنطقة الى خريطة البنجر المصرية.
و تواجه مصر فجوة فى انتاج السكر حيث يقل السكر المنتج عن الكمية اللازمه للاستهلاك المحلى بحوالى 900 الف طن و لتغطية هذا النقص لابد من التوجه للاستيراد الذى يمثل عبئاً على الخزانة العامة و الرصيد من النقد الاجنبى. و عند التفكير فى حل هذه المعضلة ينبغى العمل على خفض الاستهلاك و زيادة المنتج , اما خفض الاستهلاك فيكون من خلال برامج توعوية للشعب المصرى بمختلف الوسائل الممكنة. فى حين ان زيادة الانتاج تتم بالتوسع فى محاصيل السكر رأسياً و افقياً. و لان فرصة التوسع الرأسى (زيادة المحصول من وحدة المساحة) و التوسع الافقى زيادة المساحة المنزرعة من البنجر اكبر من القصب فأن الانظار تتجه الي محصول بنجر السكر للوصول الى هذه الغالية الاستراتيجية الهامه.
و يمتلك بنجر السكر ميزات نسبية عده تمكنه من الانتشار و التوسع و الامتداد فى مصر فهو محصول نقدى تعاقدى مربح ومانح لفرص العمل سواء فى زراعته أم فى صناعة استخلاص السكر منه , يتميز بقدرة فائقة فى التأقلم و النمو فى بيئات متباينة ومدى واسع من الظروف البيئية حيث تجود زراعته فى الكثير من انواع الترب الفقيرة و حديثة الاستصلاح والتى غالباً ما تتأرجح بين الترب الرملية و الجيرية والملحية , بنجر السكر محصول ينجح حيث تفشل الكثير من المحاصيل. كما أنه يمكن اعتباره (او هو كذلك بالفعل) محصول استصلاحى لامتداد جذوره و تعمقها فى التربة يضاف الى ضخامة كمية المتبقيات الحقلية له. و أخيراً فان زراعته فى الارضى الفقيرة ذات المشاكل تؤدى الى تحسين تركيب و بناء التربة و خفض ملوحتها و زيادة نفاذيتها و كل ذلك يؤدى فى النهاية الى زيادة خصوبتها.
ولا يجب ان ننسى الاشارة الى البعد التنموى لزراعة البنجر, فهو من حيث أنه يصلح للاراضى الحديثة الاستصلاح اذن سيزرع فى مناقطق غير معموره او مأهولة , فزراعته و انشاء المصانع لاستخلاص محتواه السكرى تؤدى الى تعمير المنطقة و جعلها مانحة لفرص العمل و بالتالى جاذبة للسكان, و يزداد الامر ترسخاً بقيام الصناعات الجانبية عليه والصناعات الاخرى على متبقياته الزراعية و الصناعية. فكل هذا ينمى المناطق الحديثه لذا نرى من وجهة نظرنا كباحث ضرورة ان يتم التوسع فيه فى مناطق مثل توشكى و شرق العوينات و الواحات وشبه جزيرة سيناء و اقامة مصانع بالقرب من تجمعات زراعته بهذا تحيا المنطقة و نضاعف التنمية و نضيق الفجوة بين انتاج السكر و استهلاكه.
و هنا يجب ان ننتهى الى ان التوسع فى بنجر السكر يؤدى الى تنمية سريعة لمناطق هشة اجتماعياً و امتصاص البطالة و ايضاً هو الامل الاكبر فى سد فجوة السكر فى مصر.
ساحة النقاش