فى زيارتى لاوغندا علمت من مضيفتنا انها سوق تنظم زيارة تأخذنا فيها انا ومجموعة من الزملاء و الاصدقاء من دول حوض نهر النيل الى منابع النهر فى منطقة جنجا ويقصد بمنابع النيل هنا مخرج النيل الابيض من بحيرة فكتوريا التى تمثل احدى البحيرات العظمى فى العالم. وبمجرد معرفتى بأمر هذه الزيارة انتابنى شعور غريب لم اعرف ما هو؟ وكان تفكيرى ساعتها هو اننى فى الغد سوف اقف على منابع النيل ذلك الساحر العظيم الذى طالما وقفت وجلست على شاطئه فى قريتى الصغيرة باسوان و التى تقع على يسار النهر, وكانت وقفاتى و جلساتى هناك للاستذكار او اللعب و التمتع بنهر النيل الذى ارتبطت به كثيرا... و لكن غدا وقفتى مختلفة تماما ففيها ستكتحل عيناى لأول مرة بمنظر المنابع التى طالما فكرت فيها وتسألت عنها فى طفولتى من اين ياتى النيل بالماء؟ من الارض أم من السماء؟ وهل يمكن أن يتوقف أو تقل مياهه أو تزداد؟ أسئلة طالما فكرت فيها و لكنها لم تكن ذات أهمية قصوى بالنسبة لى طالما أننى كل صباح كنت أرى النهر يفيض زرقه بمياهه التى تروى البشر و الزروع و الحيوانات, وتجرى عليها السفن وتحيا داخلها الاسماك لذا كان فؤادى مطمئن من هذه الناحية و ربما تكون هذه ميزة من لا يعرف. .......
و فى اليوم التالى عندما وقفنا على منابع نهر النيل فى جنجا باوغندا أدركنا اننا محظوظون حينما وطأت أقدمنا وأمتلأت أعيننا باجمل واجل موقع فى قارة افريقيا, عندها جال بخاطرى اننى كأننى أقف فى الجنة ولما لا وقد رأىت حولى خضرة لا نهائية وزرقة مياه النيل الابيض ممتدة امام ناظرى غازلت خيالى فوجدتنى و قد ملأت نفسى بنشوى عجييبة لا أعرف كنهتها و لا مصدرها, وذلك حينما وقع نظرنا على الطيور العديدة المختلفة البديعة الالوان و الاشكال والتى تعزف معا سنفونية رائعة ورأىنا الطيور حولنا تسير بتؤده دون خوف من البشر و اعظم و اجل الطيور التى رأيناها هو الكركى وهو الطائر القومى لاوغندا الذى يتوسط العلم رافعا احدى ساقية علامة على أستمرار اوغندا فى التقدم الى الامام. وهذا الطائر حينما يكون وسط الطيور تراه متعاليا فى هيئته متبخترا فى مشيته و تركيبه و حركة جسمه كأنسان يسير واضعا زراعيه خلف ظهره وينظر حوله يمنه ويسرة كمن يتابع عمل اتباعه ومأجوريه بنظره الثاقب. واما الطيور التى تنتشر فى هذه المنطقة كأنما تعيش فى مأمن من الصيد او القنص فتراها تسير الى جوارك دون خوف وكانما انت الذى تقوم بتربيتها واطعامها فتعودت عليك, بل و الاغرب من هذا ان احد هذه الطيور كان يقوم بخطف الطعام من ايدى الزائرين للمنطقة فتجد الزائرين بعد فعلته هذه بين خائف ومندهش و سعيد وقد اصر احدها ان يفعل معى هذا الامر فى محاولتين الاولى عندما هم ولكننى لم امكنه و فى المرة الثانية حاولت الامساك به فأبتعد عنى ولم يعد وماهى الا لحظات لنجده قد اختطف طعام ( كلارا) منسقة الرحلة فقلت لها كان يتوجب عليك زيادة عدد الوجبات حتى تحصل الطيور على نصيبها منه و لا تلجأ لمثل هذه الوسائل العنيفة فضحك الجميع.
و فى طريق عودتنا مررنا على خزان اوين الواقع بالقرب من مخرج النيل الابيض من بحيرة فكتوريا وهذا الخزان نموزج رائع لتعاون مصر مع اوغندا أحدى دول حوض نهر النيل, حيث كانت التصميمات التى وضعت للخزان تشير الى ان انشاء الخزان وتشغيل محطة توليد الكهرباء به سيؤدى الى اضرار ما ئية بمصر فتفاوضت مصر و طلبت اجراء تعديلات منها تعلية بناء الخزان وسددت فى سبيل ذلك مبلغ 22653 جنيه استرلينى, كما قدمت مصر مبلغ 980 الف جنيه استرلينى لا قامه محطات كهربائية و منشآت و آبار فى انحاء اوغندا المختلفة. وتوجد حتى الان بعثة فنية هندسية مصرية فى مدينة جنجا للاشراف على الخزان. بالاضافة الى تنفيذ العديد من المشروعات المشتركة مع اوغندا سواء فيما يخص بحيرة فكتوريا و غيرها من المشروعات على الاراضى الاوغندية و التى تعود بالنفع على البلدين.
ربما تكون هذه الوسيلة اى التعاون هى أحد صيغ التوافق الهامة بين دول حوض نهر النيل و عدم المساس بحصة مصر من مياه النيل, و هذا لا يتأتى الا بالحوار و التعاون بين تلك الدول. وكذلك اعادة النظر الى مسألة مياه النيل من الاتجاه الى أعادة تقسيم الايراد الحالى للنهر الى العمل على استقطاب جزء من المياه التى تفقد فى الحوض سواء فى حوض الهضبة الاستوائية او الهضبة الاثيوبية او حوض بحر الغزال, بما يؤدى الى الدفع بمزيد من المياه الى مجرى النهر يمكن استخدامها فى مواجهة تزايد احتياجات الدول للمياه و الطاقة. هذا ما ارجو ان يتحقق فى الفترة القادمة خاصة و ان مصر مقبلة على عهد جديد بعد سقوط نظام الحكم السابق و مجىء حكومة وطنية مصرية تحرص على مصالح مصر.
ساحة النقاش