النيل ذلك الساحر الذي ظل دوما ملهما لأهل الفكر والأدب والفن ورجال العلم والسياسة ليس في مصر فحسب بل في كل الدنيا فكل من رآه فتن به.... والنيل جدير بذلك فهو أطول أنهار الدنيا ومساحة حوضه تزيد عن ثلاثة ملايين كم مربع ويجمع بين العديد من البيئات و يمر في أقاليم جغرافية متباينة , ويروى الأبيض و الخمري و الأسود من البشر. وهو الذي استعان به المصري القديم في تشييد أعظم الحضارات التي ظلت آثارها باقية حتى اليوم لتدل على عظمة المصري القديم تلك العظمة التي ظهرت جليا في أمور كثيرة منها تعاملهم مع النيل واعتباره واهب الحياة وان مياهه مقدسة بل عبدوه وقدسوه أطلقوا عليه حابى وجعلوا له عيدا تقدم فيه القرابين اعترافا بفضله والقربان هنا هو أجمل فتيات مصر في أبهى زينة تلقى في النيل.
ومن أجل النيل أصدر الملك العظيم حور محب أول قانون بيئة في التاريخ يعاقب بمقتضاه من يلوث المياه المقدسة (مياه نهر النيل ) بجدع أنفه ( عقاب دنيوى) ويعتقد المصرين القدماء أن من به عيب في بنيته لا يدخل الجنة أذن الذي لوث النيل عوقب بجدع أنفه ثم لا يدخل الجنة (حسب اعتقادهم).
ويذكر كتاب الموتى وهو كتاب مقدس فى عقيدة المصريين القدماء* أن الميت عندما يحاسب يقول ,,لم أكذب لم أسرق لم أقتل لم ألوث الماء المقدسة,,
أما في العصور الوسطى فقد كان الاحتفال بيوم قدوم الفيضان (وفاء النيل مهرجان رسمي وشعبي بحضور الخليفة أو السلطان أو الوالي والوزراء والقضاة والأمراء وقادة الجيوش ووجهاء الناس وعامتهم.
وفى العصر الحديث نحتفل بالنيل بشكل مختلف فبالرغم من الاحتفال بعيد وفاء النيل إلا أننا نقيم المصانع التي تلقى مخلفاتها فيه و نسير العائمات ( البواخر السياحية وسفن النقل) والصرف الصحي سواء معالج أم غير معالج وسلوكيات الأهالي السيئة حيال النيل مثل إلقاء المخلفات والحيوانات النافقة فصارت مياه النيل ملوثة ونجم عن ذلك مشكلات عدة.
وفى مصر نتعرض لمأزقين يخصا نهر النيل أولهما هو أن مصر تواجه منذ بداية عقد التسعينات أزمة مائية حيث دخلنا تحت ما يسمى الفقر المائي حيث انخفض نصيب الفرد في مصر عن 1000 متر مكعب سنويا كما إن هذا المعدل مرشح للانخفاض بسبب الاستعمال الغير واعي للمياه أو بسبب انخفاض الوارد من المياه لبحيرة ناصر.
وثاني المأزقين وأمرهما هو التلوث الواقع لمياه نهر النيل في اى دولة من دول حوض نهر النيل أو داخل مصر وهذا ما يجب علينا التصدي له سواء على المستوى الرسمي الحكومي ( وزارة الدولة لشئون البيئة- وزارة الموارد المائية والري – المحافظات) ومنظمات المجتمع المدني والأفراد ويكون التصدي برفع الوعي لدى الأهالي بخطورة تلوث مياه نهر النيل والعمل على تغير الاتجاهات السلبية لدى الأهالي حيال النيل وأيضا العمل بكل قوة على تفعيل القوانين ذات الصلة بحماية نهر النيل من التلوث والوقوف بكل حزم فى وجه من يلوث النيل سواء هيئات أم أفراد وهذا واجب مجتمعي وضرورة تفرضها علينا التغيرات الحالية. فهل نعى ذلك؟
ساحة النقاش