فى مثل هذا اليوم الخامس عشر من يناير عام 1971 بدأ السد العالى فعلياً العمل فى تنظيم و تهذيب و تطويع مياه النهر العظيم التى تهدر فى نهاية الصيف و بداية الخريف ثم تخمد فى الشتاء و الربيع و بداية الصيف ... تهدر فتغرق و تخرب ....و تخفت فتجفف الافواه والحلوق ... فيظمىْ الزرع و يجف الضرع ... وجاء السد فوقنا كل ذلك... و أضاف لنا خيرا كثيراً
قلنا هنبنى ...و ادى احنا بنينا السد العالى يا استعمار....
أغنية ..طالما سمعناها عبر المذاع و نحن أطفالا و كنا نرددها دون أن نعى ما نقول لكن كنا نشعر بالفخر والحماسة و القوة والتحدى و الفرح حينما نرفع عقيرتنا بها ..لماذا؟ لانها اغنية اسوان بلدنا ...اغنية السد العالى بتاعنا.
و بعد مرور كل هذه السنين الطويلة وما اسداه السد العالى لمصر ...نتذكر عند بناء سدنا كانا نهدف الى استخدامه فى انتاج الكهرباء و تنظيم الرى للزراعة المصرية و تخزين المياه و اطلاقها تدريجياً طبقاً للاحتياجات اليومية للستعمالات المتعدده للمياه فى مصر من الزراعة و حتى توليد الكهرباء مرور بالاستخدامات المنزلية و الصناعية و الملاحة النيلية.. كما منع الفيضان و بالتالى حمى القرى و النجوع و المدن من فرط طغيانه و اغراقه لها بمياهه العنيفة القوية المتدفقه.
و قد حقق السد العالى ما كان مخططاً من بناءه فاوقف الفيضان و انتج الكهرباء التى انطلقت الى المدن و القرى و ساهمت فى تدشين بعض الصناعات الاستراتيجية منها صناعة الاسمدة فى كيما و صناعة الالمونيوم فى نجع حمادى و مجموعة مصانع استخلاص السكر من القصب بالصعيد . كما نظم الرى و حثه و دعم شبكة الترع فى مصر فتوسعت مساحة الاراضى الزراعية بما مقداره 2,4 مليون فدان و ادى الى تحويل قرابة مليون فدان من نظام الرى الموسمى (الرى بالحياض) الى الرى الدائم, ايضاً ساعد فى دفع تنفيذ اجندة استصلاح الاراضى الجديدة و التى مازالت مستمرة حتى اليوم.
وفر السد العالى حوالى 22 مليار متر مياه مكعب كانت تذهب هباءً تم اقتسامها بين مصر و السودان بالاضافة الى حصصهما السابقة, فيما اطلق عليه اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه نهر النيل و المعروفة اختصاراً باتفاقية 1959 . و بدأنا فى مصر فى احصائياتنا الزراعية نتحدث عن ما يسمى بالمساحة المحصولية و هى تعبر عن تتابع مواسم الزراعة فى نفس العام, كما اتاح التوسع فى زراعة المحاصيل الاستراتيجية المؤثرة وأهمها قصب السكرو القمح الارز و غيرها.
و لكن وبعد مرور خمسة عقود متتالية على بدء عمل السد العالى خدماته الجليلة لمصرنا الغالية تبرز فى الافق مهددات لاستمراره و ربما تؤدى الى ان يصر الى ما صار اليه خزان اسوان فى ظل ظروف اأقليمية تخالف تلك التى شهدت بزوغ نجمه على مجرى النيل. العالم اليوم وحيد القطبية , مع تخل من نستند اليهم و نثق فىيهم بل وتطاولت دولاً لم نكن نحسب لهم حساباً و تحول فى الثوابت و تغير فى المواقف طبقا للمصالح و تنكراً لمبادىء الحقوق التاريخية الثابتة و خروجاً على مبادىء القانون الدولى وخاصة اننا نقع فى منطقة تجتاحها حالة هشاشة و عدم استقرار. و فى كل تلك الظروف الهشة نرى المفاوض المصرى يبذل الجهد الجهيد للحفاظ على حقوق مصر التاريخية و حق شعبنا فى التنمية و الحياة و هنا اود ان اهمس فى اذن الجميع ان الاصطفاف الوطنى هو واجب الوقت حيال هذا الامر المعضل , حتى لا نتفاجأ بالسد و قد خرج الى التقاعد بما يترتب على ذلك من اضرار كارثية.
و لا اود ان انهى هذا الحيث دون الاشارة الى حدث سعيد جداً فى شأن النيل و هو ما تفاجئت به شخصيا من تدفق كميات مياه كثيرة على بحيرة السد فى النصف الثانى من سبتمبر الماضى , بشكل خالف توقعات الجهات المصرية المنوط بها التنبوء بمستوى الفيضان و استمرت المياه فى الزيادة لدرجة ان اضرت معها وزارة الرى الى فتح مفيض توشكى حماية للسد ... فقد جاء الفيضان فوق المتوسط و سيستمر خلال السنوات القادمة, و لكن السؤال هل احسنا التصرف فى هذه المياه هذا ما سيكون موضع مقال آخر قادم.
و أخيراً,,,
كل التهانى و التحايا التبريكات لشعب اسوان .. بالعيد القومى للمحافظة ...داعياً الله ان تعود الأيام و شعب مصر فى حال افضل و افضل.
ساحة النقاش