أوراق من أول أرشيف دبلوماسي في التاريخ

 

تؤكد الرسائل أن ملوك البلاد المجاورة للامبراطورية المصرية يحرصون على الارتباط بمصر بالمحالفة أو الصداقة.

 

ميدل ايست أونلاين

 

بقلم: عبدالمنعم عبد العظيم

تحدثنا عن اكتشاف أول أرشيف دبلوماسي في التاريخ في أطلال تل العمارنة عاصمة التوحيد في مصر القديمة في عصر امونوفيس الرابع اخناتون على يد سيدة عجوز من قبيلة عمران.

ترجم علماء اللغة المسمارية جميع الرسائل التي احتوتها قوالب الطوب التي عثر عليها في تل العمارنة واتضح أنها رسائل منظمة ومتتابعة ومفهرسة. منها 6 رسائل من ملك بابل و9 رسائل من ملك الازبا، وهي مملكة قديمة كانت تقع في المنطقة الشمالية بين الساحل ونهر اورونت نهر العاص الآن. و6 رسائل من احد حكاام سوريا يسمى ريب دى، ونحو 100 رسالة من حاكم اورشليم القدس الان ويدعى ارادهيبا، وحاكم لمدينة في ىسوريا يدعى ايزرو وغيرهم من حكام سوريا وفلسطين.

هذه الرسائل كانت موجهة لاثنين من فراعنة مصر هما امونوفيس الثالث (امنحتب الثالث) وامونوفيس الربع (اخناتون) خلال فترة زمنية ما بين خمسة عشرة وعشرين عاما.

كان ملوك بابل وآسيا الصغرى وسوريا وفلسطين يكتبون رسائلهم باللغة المسمارية على الطوب، وكان رسل هؤلاء الملوك يحمون أثقالا من هذا الطوب الى مصر ويعودون بالرد المصري على الرسائل على ورقة بردية موضوعة فى ملف انيق.

كانت مملكة بابل قد غزت سوريا قبل الغزو المصري لها وونشرت فيها العادات واللغة البابلية والخط البابلي ولما كان الغزو المصري اكتفى المصريون بخضوع هذه البلاد وتقديمها الجزية، ولم يحاول المصريون فرض العادات واللغة والثقافة المصرية وتركوا لهذه البلاد الحرية في أن يأخذوا من هذه الحضارة ما يريدون، ومع الزمن تأثرت حضارتهم تأثرا كبيرا بالحضارة المصرية. وكان الحكم المصري أيامها لهذه البلاد حكم سياسة ولين بينما كان حكم الأمم الاخرى حكم قسوة تبلغ درجة الوحشية والبربرية.

وجدت على أحد قوالب الطوب تأشيرة تقول: "تحفظ بمكان المحفوظات في القصر الملكى". ووجدت في إحدى الرسائل كلمة طلب كاتبها من فرعون أن يرجع إلى الرسائل المحفوظة في مكاتبه. وهذه اشارة الى ان المستودع الذى وجد فيه هذا الطوب يشكل أرشيف وزارة الخارجية المصرية في ذلك الزمان السحيق.

ووجد على هامش أحد القوالب تأشيرة بالخط المصري تدل على أن هذا الأرشيف كان بطيبة ونقل الى مدينة اختاتون بعد ثورة اخناتون على الامونية وكهنة آمون ونقل عصمة ملكه الى تل العمارنة. ووجد في أحد القوالب خاتم منقوش باسم تيتو نو رجل شاماس نيكى، ويرى العلماء ان الاسم الاول مصري والثاني بابلي.

وعثر فلندر بترى في عام 1891 على اسم الكاتب الملكي رع ابيبى مكتوبا بالحبر باللغة المصرية، وكان هذا الكاتب مديرا لدار المحفوظات ورئيسا لتيتو وشاماس، وعثر بترى ايضا على قاموس وضع ليتعلم فيه من يريد اللغة البابلية او للرجوع اليه عند ترجمة النصوص، ووجد على هامش القاموس أنه وضع بأمر ملك مصر.

كانت قوالب هذا القاموس مقسمة الى ثلاث خانات عمودية متساوية، الأولى للكلمة باللغة المصرية، والثانية للكلمة باللغة البابلية، والثالثة لنطق الكلمة البابلية باللغة المصرية، ثم تتوالى الكلمات في هذا القاموس بنفس النظام.

كان ملوك مصر يردون على الملوك الأجانب بنفس لغاتهم، فقد وجد كتاب طويل كتبه امونوفيس الثالث باللغة البابلية والخط المسماري يرد به على كتاب جاءه من أحد الملوك.

تنقسم رسائل تل العمارنة الى قسمين أولهما الرسائل الواردة من ملوك مستقلين لكنهم يرتبطون مع مصر بروابط التحالف او روابط الصداقة.

ومن روابط تحمل معنى الحماية وأصحاب هذه الرسائل هم ملوك كاردونياش الاسم القديم لبابل وآشور مملكة كانت على نهر دجلة وميتانى ونحارينا.

والثانى قسم الرسائل الواردة من حكام البلاد التي كانت تحكمها مصر حكما مباشرا في فلسطين وسوريا، وبعضها وارد من مدن سورية كانت تتمتع بالحكم الذاتي، وكان نظام الحكم فيها جمهوريا.

كان المصريون في هذا العهد السحيق يعرفون سياسة الحماية المستترة بنظام الحماية، وكان نظام الحكم الجمهوري والحكم الذاتي معروفا، ولم يكن ابتكارا حديثا او يونانيا بل عرفته مصر وطبقته على بعض مستعمراتها في سوريا قبل المدنية اليونانية بنحو 800 سنة.

ولنقف أمام بعض من هذه الرسائل:

1

كتب ملك الازبا رسالة يقول فيها:

إلى ملك مصر وأخي؛ أقول أنا ملك الازيا أخوك صحتي جيدة واني أبعث بأفضل تحياتي اليك والى اقاربك والى خادماتك والى ابنائك والى زوجاتك وابعث اليك بتهانى لك على عرباتك العديدة وخيولك والى بلادك مصر.

2

وكتب ملك ميتانى:

الى امونوفيس ملك مصر العظيم واخي وصهري الذي احبه ويحبني اقول انا دوشراتا ملك ميتانى العظيم واخوك وحموك الذي يحبك؛ صحتي جيدة وانى أبعث بتحياتي اليك انت اخي وصهري، والى اقاربك وزوجاتك وابنائك ورجالك.

وكان امونوفيس الثالث متزوجا من ابنة دوشراتا ملك ميتاني.

3

وكتب ملك اشور الى امونوفيس الرابع اخناتون:

اخي اقول انا اشورو بليت ملك اشور واخوك الملك ادعو بالسلام لك ولاقاربك ولبلادك.

4

وفي رسالة من ملك ميتانى يصف حزنه على وفاة امونوفيس الثالث ملك مصر وجهها لابنه امونوفيس الرابع اخناتون يقول:

حينما اشرف والدك على الموت في ذلك اليوم بكيت وسقطت مريضا وأشرفت على الموت، ولكني علمت بعد ذلك بأن اكبر أنجال الملك امونوفيس والملكة تى جلس على العرش وقد قلت حينئذ ان امونوفيس لم يمت.

كان دوشراتا هذا حما الملك امونوفيس الثالث.

5

وفي رسالة من أحد الملوك وجدت مبتورة الى امونوفيس الرابع يقول:

والآن يا مليكي وقد جلست على عرش ابيك فلنتبادل انا وانت الصداقة والهدايا.

وكان هذا التبادل أمنية لأن صداقة مصر في هذا الزمن أعز أمنية يسعى اليها الملوك، واغلب الظن ان الرسالة من ملك بابل.

6

في رسالة من بورنا بورياش ملك بابل الى امونوفيس الرابع ملك مصر يقول بعد الديباجة:

حينما كان والدي اوريجالزو حيا أرسل إليه ملك كنعان رسولا قال له هيا فلندخل مدينة كارميشات، ولنحارب فرعون معا، فبعث اليه أبي بان لا تفكر في الاتفاق معي، فإن كنت تريد معاداة ملك مصر فابحث لك عن حليف غيري، اما انا فاني لا أسير في هذا ولا ادمر بلاد ملك مصر لأنه حليفي. وهكذا رفض والدي ان يصغي الى ملك كنعان حبا فيك والآن فان ملك اشور تابع لي ولست في حاجة لأن اقول لماذا هو يطلب صداقتك، فان كنت تحبنى فلا تعقد معه معاهدة واطرده بعيدا جدا.

وتؤكد الوثائق أن اخناتون حالف كلا من الملكين ولم يقبل ان يؤثر احدهما على الآخر وقد رضى الملكان بذلك.

تؤكد الرسائل ان ملوك البلاد المجاورة للامبراطورية المصرية يحرصون على الارتباط بمصر بالمحالفة او الصداقة. وتحدثت رسائل أخرى عن المصاهرات التي تمت بين ملك مصر وملك ميتانى حيث تزوج امونوفيس الثالث ابنته ثم أخته وتزوج اخت الملك كالينا من ملك بابل، وكانت هذه الزيجات زيجات سياسية في المقام الأول.

وقد اكد مورى العالم الاثري أن الفراعنة كانو يأبون تزويج بناتهم الى ملوك البلاد المجاورة لأنهم يرون أن بنات مصر تجري في عروقهن دماء مقدسة تجعلهن أرفع من أن يهبطن إلى مضاجع هؤلاء الملوك، وحوت الرسائل طلب هدايا ذهبية فكانوا يقولون إن الذهب عند ملك مصر كتراب الأرض.

عرف المصريون نظام الحكم الجمهورى قبل الحضارة اليونانية وطبقوه في المستعمرات، وكان لملوك مصر آذان وأعين تراقب هذه البلاد قبل ان يعرف العالم نظم المخابرات وكانت رسائل حكام البلاد المستعمرة تظهر العبودية لملك مصر. في رسالة يقول احدهم:

اناخازنو مدينة. خادمك وتراب قدميك والارض التى تدوسها وخشب المقعد الذى تجلس عليه وكرسى قدميك وحافر جوادك، انني أتمرغ سبع مرات بطنا لظهر في تراب قدمي الملك مولاي وشمس السماء.

وحاكم آخر يكتب:

انا خادم الملك وكلب بيته انني احفظ البلد هنا لمولاي الملك.

هذا جزء يسير مما احتوته هذه الرسائل التي تحتاج دراسة علمية متأنية أرجو أن تتاح لعلمائنا في الجامعات المصرية، فنحن أمام أول أرشيف دبلوماسي منظم في التاريخ، وجزء عزيز من حضارتنا الوارفة.

عبدالمنعـم عبدالعظـيم

مدير مركز دراسات تراث الصعيد ـ الاقصـر (مصـر)

المصدر: ميدل إيست أون لاين
AhmedIbrahim

أحمد سيد إبراهيم

  • Currently 102/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
27 تصويتات / 695 مشاهدة
نشرت فى 14 يوليو 2011 بواسطة AhmedIbrahim

ساحة النقاش

naghamesaam

فعلا ده تراث بلدنا لازم نحافظ عليه اشكرك علي الكلام الجميل

sesonsaso

كل سنة وحضرتك طيب.
اللهم بلغنا رمضان.

AhmedIbrahim

وأنت أيضاً أختي الكريمة

أحمد سيد إبراهيم فى 1 أغسطس 2011

أحمد سيد إبراهيم

AhmedIbrahim
أسعى أن يكون قلمي منارة، في عالم اعتاد الناس فيه الخلط بين الحقائق ووجهات النظر »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

135,094