مؤسسة صفوة الشعراء للشعر والآداب والثقافة magazine of poetry, literary, cultural and social

قراءة تأويلية لقصيدة إيمان أحمد أشقار" بهاء الروح"

إنجاز: د. المفضل أكعبون

 

قصيدة الشاعرة:   " بهاء الروح"

 

سعادة القلب

انك بقربي أجمل

وبخطوط يدي تزهر

وبأصابعي تنثال كسواقي الذهب

وأنني بحروفي أتجمل

وبسطوري أثمل

على وقع أنفاسك الممتلئة

شوقا وحنينا

 

هيام الروح

ان تاخذها عندما يحين

موعد الفجر

لسطور الامنيات الجميلة

وتشق الشمس عباءتها بصدر السماء

لامشي منتشية

بين الزهور والريحان

على اصابع قدمي خفية

لاختبئ واضيع بروحك

وامتلئ بانفاس معطرة بالوفاء

وبقامة استرجعها من

أياني الخالية بكبرياء

وعند الغروب تطرب

الروح للقيا قلبك

حيث يبتسم القمر

وتزهو النجوم على

وقع طيفك

لآتي من وراء 

حضن الافق

لا اعرف احدا

ير د روحي

فأنت النبض

الذي أتعبه الحنين

والشوق أضناه.

 

اقترب من روحي

أكثر...

لتمتزج تلقصيدة

بالبهجة

ولتزداد دقات 

قلبي

وأهرول نحوك

كهرولة هاجر

بين صفا العواطف

ومروة العشق

أزمزم اللهفة

حتى لا تغرق أعشاش اللغة

حاملة اللهفة

وأبواق منتهاي.

 

   أولا: قراءة في العنوان: " بهاء الروح".

     نلاحظ ان العنوان مركب إسمي لا فعل فيه " بهاء + " الروح"  نو مشاف ومضاف إليه. بمعنى ان هناك ارتباطا وثيقا بين الطرفين إذ ان المفردة الأولى متعلقة بالثانية وةلجملة إعرابيا هي كالآتي: " بهاء" خبر لمبتدإ محءوف تقديره: هذا. اما معجميا فالبهاء له معان كثيرة فهو الحسن والجمال والإشراق...كما نقول بهاء الله ونقصد به عظمته وجلاله، لكن عند عزمنا شرح الروح فلا يسعنا في الحقيقة إلا ان نقر ونقول

بأن الروح من أمر ربي وقد وردت في القرآن الكريم في مواضع متعددة وبمعاني متعددة، حسب السياق ووفق المقصود منها.فهي شيء غير مدرك بالمحسوس بل بالشعور. إنها الكنه الذي يحركنا ويجعلنا نعيش ونحن نشعر بعمق العلاقة التي تربطنا بذاتنا وغيرنا وبالله خالقنا. إنها باختصار وجود موجود. حياتنا التي نعيش باطنيا وفي علاقتها بالعالم الخارجي. الله هو الذي يزرع الروح ويأمر بقبضها. هكذا تكون الروح ما بذاتنا من نبض تشارك فيه كل الحواس بإذن الله سبحانه وتعالى.

     بناء على ما سبق، يكون العنوان موغلا في البعد النفسي والجمالي الذي لا يقتصر على الحياة المادية فحسب،  بل يذهب إلى أبعد من ذلك حيث النفس الإنسانية  في علاقتها بالوجود والهوية.

ثانيا: تلخيص المتن الشعري :

     إذا كنا  نفترض مع العنوان ان المتن الشعري، يتعلق بذات الموضوع أي " البهاء الروحي" فإن ذلك هو ما تكرسه القصيدة فهي باختصار تتحدث عن جمالية الروح وسعادتها وكيف تصبو إليها الشاعرة وكيف يمكن أن تتحقق؟  هكذا يصبح البهاء الروحي الجوهر في كل شيء. يغدو مطلبا فهو إشراق والإشراق في عمقه نور والنور لحظة انفراج تعشقها الشاعرة. والواضح أن كل اللحظات الجميلة المطلوبة مرتبطة بوجود الحبيب. الطرف الآخر الذي يحقق المطلوب بل يقيم التوازن ويجعل للحياة قيمة كبرى. إنه طرف وازن في القصيدة.

     ثالثا: البنيات المكونة لدلالات القصيدة:

       - البعد والقرب أو الغياب والحضور:

         في المقطع الأول للقصيدة تبدو الأمور واضحة لا غبار عليها فالشاعرة  لاتحب البعد. ولا شك انها عانت منه كتجربة ولا تريد ان يتكرر لا حاضرا ولا مستقبلا ولهذا تحدثت بشكل قوي عن ضده وهو القرب حيث جعلت السعادة رهينة به:

           سعادة القلب

           أنك بقربي أجمل

           وبخطوط يدي تزهر

     فالسعادة تتنافى إذن مع البعد وتتطلب القرب فهو الذي يسمح بتحققها للطرفين. فالأنا ترى الآخر أجمل قريبا لانه تزهر  بسبب ذلك. كل شيء هنا رهين بالغياب والحضور كمعطى يحرك المشاعر  ويجعلها تبحث عن نقطة استقرار. كل ذلك أيضا هو هيام الروح الذي جاء في المقطع الثاني والمقطع الثالث أيضا الذي تحدث عن طرب الروح والعشق الذي وصل مداه فيما يلي:

           لا أعرف أحدا

          يرد روحي

          فأنت النبض.

         أما في المقطع الرابع فيتم تقديم التماس صريح للآخر ليتم القرب لأنه مقترن  ببهاء الروح:

           اقترب من روحي

          أكثر...

 

          لتمتزج القصيدة

          بالبهجة

           وأهرول نحوك

           كهرولة هاجر....

           لا مجال للشك إذن في أن البعد او الغياب معاناة لا حدود لها وان القرب أو الحضور هو سقيا النفس والروح. بكل ذلك نعيش جميعا ونسترد أنفاسنا ونتخلص من كوابيس الفراق وما يسببه من آلام عميقة.

     رابعا: بنية الزمان والمكان:

            لكل حدث زمان ومكان ولكل قصيدة سياق ونقطة بداية ونهاية مفتوحة على القارئ المتلقي. وبحكم ذلك فإن القصيدة تحيل على ثلاثة أزمنة. فالحديث بالفعل المضارع عما هو راهن يحيلنا بالضرورة على الماضي والآتي بمعنى ان البهاء كمعطى روحي موجود في كل الازمنة والأمكنة ايضا. والدليل القاطع على ذلك هو ان الشاعرة تبحث عنه في الفجر في الغروب، في الليل عندما تذكر النجوم والقمر وفي النهار حين تشرق الشمس.....

          هكذا يصبح البحث عن البهاء الروحي رحلة مستمرة في الزمان والمكان يحركها هذا الآخر الذي تقول فيه الشاعرة:

          فانت النبض

         الذي أتعبه الحنين

        والشوق أضناه

       اقترب من روحي

        أكثر.....

     ولا يرد الزمان والمكان اعتباطا فهما يضفيان على البهاء الروحي قداسته التي يستحقها مثلا عند ذكر الفجر:

       هيام الروح 

       ان تأخذها عندما يحين

       موعد الفجر

        لسطور الأمنيات الجميلة....

كذلك الشان عند ذكر الصفا والمروة في هذه اللقطة الرائعة:

       وأهرول نحوك

       كهرولة هاجر

        بين صفا العواطف

       ومروة العشق

      أزمزم اللهفة

   نلاحظ ان الشاعرة قالت انها تزمزم اللهفة وزمزم في العربية لها معاني متعددة منها: زمزم الثوب اي غسله بماء زمزم. ومن الواضح في القصيدة ان المقصود هو الارتواء وإخماد نار اللهفة التي تشعر بها وهو ما يحقق البهاء الروحي.

     خامسا: معجم القصيدة:

   - هيمنة مفردة الروح: ورظت الروح في القصيدة ست مرات وهذه هيمنة لها دلالتها فهي ترى في الروح مصدر السكينة والامن والطمأنينة وتسعى جاهدة إلى تحقيقها بمعنى انها ترى في الحياة المادية -رغم اهميتها-  عنصرا فاقدا للقوة التي تخرج الإنسان من قلقه الوجودي.

    - حضور المعجم الوجداني: معجم باذخ وجدانيا يمتاح من العمق النفسي والروحي  الذي يتجلى مثلا في الامثلة الآتية: 

( بهاء ، سعادة، القلب، الانفاس، النبض، البهجة، اللهفة ، الشوق، الحنين،طيفك، العشق....) فإذا أضفنا الروح لما سبق تصبح القصيدة فعلا فيضا من النفس الإنسانية التي نعيش في صلبها وكل واحد يضفي عليها طابعه الخاص.

        سادسا: الضمائر في القصيدة:

      ضميران مهيمنان ايضا هما المتكلم والمخاطب حيث استهلت الشاعرة بخطاب الآخر قبل ان تتحدث عن نفسها وهذا يجسد مقام الطرف الآخر " أنك بقربي أجمل" وبعد ذلك عادت إلى صيغة المتكلم 

         وبخطوط يدي تزهر

         وبأصابعي تنثال كسواقي الذهب

     والنماذج هنا كثيرة علما بان الضمائر متنوعة فهي  منفصلة ومتصلة مثل ياء المتكلم وكاف الخطاب. والملاحظ في الضمائر كما قلنا وهو الحضور القوي للمخاطب فهو يفرض نفسه كطرف فاعل في القصيدة او في الحياة الوجدانية للشاعرة فهي لا تستمر بشكل قوي إلا بوجوده. إنه قطب الرحى كما يقولون أو السند الروحي الذي يتحقق به البهاء.

      بهذا نقول إن القصيدة ذاتية تعبر عن شعور إنساني وحلم يبحث عنه الجميع: البهاء الروحي الذي يصبح قضية  ليست خاصة بفرد واحد بل بالناس جميعا.

         سابعا: أبعاد القصيدة:

القصيدة لا تقال لتبقى حبيسة نفسها هي خطاب أو رسالة موجهة إلى متلق او مرسل إليه بمعنى ان فيها قصدية تبرر وجودها وتداولها وإذا كانت تشكل عمقا وجدانيا فهي تحيل المتلقي على مفهوم البهاء الروحي وسبل تحققه. إن القصيدة باختصار  طرح ذاتي وموضوعي  وهو موضوع لا ينقطع الخوض فيه شعرا ونثرا لأن البهاء الروحي هو نقاء وصفاء السريرة  مع الله والانا والآخر. بهذا يكون الجانب الروحي 

موضوعا فلسفيا ودينيا بامتياز في القصيدة بل نفسيا ايضا لانها تحمل لمحات صوفية في تربية النفس و ترويضها على كل جميل  يطهر القلب من الشوائب وينشر الامن والسلام في الكون.  دام القلم البهي.

د. المفضل أكعبون.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 103 مشاهدة
نشرت فى 29 مايو 2024 بواسطة Achkariman

عدد زيارات الموقع

102,977