* مذكراتي ، مرآتي
الورقة التاسعة عشر
* المرافقة السيدة (ليا) وخصوصيتها
المتفردة في عدوانيتها إزاء الذكورة.
* قصف الطائرة أثناء رحلتي إلى بغداد
لحضور مؤتمر القمة البرلماني العربي
وملف ساخن عن تفاعل الإتحاد النسائي
العراقي مع الحرب العراقية الإيرانية.
* دعوة عشاء بقصر هارون الرشيد
(مرجان خان) ببغداد وما تخللها من
هجوم بالرشاشات
* (((عروسة بدون عريس)))
///////////////////
عدت من روما إلى الرباط وفي ذاكرتي مرافقتي السيدة (ليا) التي صاحبتني في كل المشاوير من أجل إنجاز ملف عن الإتحاد النسائي الإيطالي بفروعه "المنظمات النسوية MLD" وكنت في منتهى السعادة حين اكتشفت أن رحلتي هذه مع امرأة غير عادية تتكلم مزيجا من اللهجات اللاتينية ويسهل على كل متلقي لحديثها فهمها واستيعاب معاني كلامها ، كنا نتناول فطورنا الصباحي ليا وأنا بمقهى فرنسا بروما ، ولما يأتينا النادل بطلباتنا تكون ليا في هذه اللحظة قد ملأت الطاولة بما في جيبها من أغراض لأنها لا تحمل حقيبة اليد ، ومن عادتها أن تخبئ أشياءها في جيوب معطفها ولا تبالي بالنادل الذي ينتظر أمامها طويلا ، كنت أتأمل هذا المشهد بالكثير من الدهشة والاستغراب وأحلل السيدة ليا وأمثالها من النساء على مستوى السلوك العدواني إزاء الذكورة ، وكأنه ردة فعل لما تعانيه المرأة من التهميش أحيانا من قبـل الأب والخـال والعم والزوج والأخ والصديق وما شابه وبينما أنا أستمد الذوق التفاعلي مما عايشته بإيطاليا توصلت برسالة من سفير العراق بالرباط يدعوني إلى الالتحاق ببغداد لحضور مؤتمر البرلمان العربي وتكوين ملف عن الإتحاد النسائي العراقي بصفتي عضوة في الإتحاد العام لنساء منظمات الوطن العربي الذي ينعقد عادة بالعراق تحت إشراف ورئاسة السيدة منال آلوسي ، وفي نفس اليوم الذي عدت فيه سريعا إلى المغرب اتصلت بي السفارة العراقية من أجل الإجراءات القانونية ومرافقتي إلى المطار ، امتطيت الطائرة وإذا بي مع الوفد البرلماني المغربي برئاسة المرحوم الداي ولد سيدي بابا ، وبما أن العراق كان في هذا الوقت في حالة حرب مع إيران تعرضت الطائرة إلى الضرب بالرصاص الشيء الذي اضطررت معه إلى التحلي بالصبر ومحاولة تهدئة أعصاب الركاب الذين انتابهم الرعب عملا بالمثل العالمي الذي يقول (تعلموا الشجاعة من النسر والنمر وأبناء المغرب الشريف) ارتأى الربان النزول بالأردن بدل بغداد إلا أن اللطف الإلاهي تداركنا وتوقف الهجوم وتابعنا الطريق إلى عاصمة العراق بعدما عانينا من نقص في الأوكسجين واضطراب التنفس لكن باب الطائرة لم يفتح بالمطار بسرعة بل كان علينا انتظار الإجراءات القانونية وبعد جهد جهيد بدأ المسافرون بالنزول في جو من الحرارة المرتفعة بالعراق تصل إلى 50 درجة مئوية معناه أن الهواء بداخل الطائرة مثل الهواء خارجها !!! وبعد الاستقبال ذهبوا بنا إلى فندق الرشيد مقر المؤتمر المجهز طبعا بالمكيفات الباردة ، اتجهت توا إلى غرفتي هناك وطلبت عصيرا أتاني به نادل من أصول مغربية سألته على الفور ما هذا الصوت المرعب الذي أسمعه ؟ فأجابني أن الفندق لا يبعد عن الجبهة سوى بكيلومتر واحد فقط وأضاف لا تخافي إن مضادات الطائرات فوق سطح الفندق ، وبدل أن أستغرب تناولت حبتين منومتين بدون شعور ولم أفتح عيني إلا في اليوم التالي ليلا على امرأة بزي أبيض بجواري سألتها من أنت ؟ قالت أنا مساعدة الطبيب الذي زارك هذا الصباح ، عقبت ولماذا الطبيب ؟ نظرت إلي ثم استطردت سأحكي لك كل شيء كان لزاما عليك أن تحضري جلسة المؤتمر صباح هذا اليوم ولما لوحظ غيابك اتصل بك مسؤول بالفندق بالهاتف فلم تردي وقبل أن يفتحوا حجرتك ليطمئنوا عليك ارتأوا إخبار الوفد المغربي ليكون معهم أثناء زيارتك بالغرفة قلت نعم وماذا بعد ؟ أحضروا الطبيب لقد كنت في غيبوبة تامة وبعد الإسعافات الأولية بالحقنة رافقتك طوال اليوم ، شكرتها على المجهودات الجبارة التي بذلتها من أجلي ، ارتديت ملابسي وقصدت بهو الفندق ولما استفسرني الكثير ممن حضروا جلسة الإفتتاح عن غيابي شرحت أني أخذت جرعة زائدة من منوم بالليل من جراء الخوف الذي اعتراني بالطائرة استجمعت حماسي لمتابعة جلسات مؤتمر البرلمان العربي الذي ناشد كلا من العراق وإيران بوقف إطلاق النار ، والسؤال المطروح هو ما الذي أعاق العراق من الانتصار في الحرب العراقية الإيرانية رغم امتلاكه ترسانة من الأسلحة ومليون عسكري وسلاح سوفياتي متطور وتجهيز السلاح الجوي بطائرات فرنسية ذات كفاءة عالية ، إلا أن الشعب الإيراني ذي السبعين مليون نسمة تقوده عقيدته إلى الاندفاع نحو الموت دون مبالات (الحرب العراقية الإيرانية لا رابح فيها على الإطلاق) وما كان يسترعي الإنتباه هو الدبابات العراقية التي كانت تهاجم الجنود الإيرانيين في المعركة والجذير بالذكر أن توصيات مؤتمر بغداد تكاد تكون نفس توصيات الاتحاد العام لنساء الوطن العربي الذي ترأسه السيدة منال الآلوسي التي عرفت بأم العروبة رئيسة اللجنة القانونية بمجلس النواب العراقي حيث أطلق عليها أم التقارير وكان لها فضل وازن في إدارة المؤتمرات النسوية وتفاعلها مع الدعوة إلى إيقاف الحرب التي تسببت في الخسائر البشرية . من إنطباعاتي الراسخة في ذاكرتي عن رجالات الفكرالعراقي العباقرة الغير قابلين للنسيان فضيلة د. خالد الجادر عميد التشكيليين العرب طيب الله ثراه الذي كان له الفضل في الإشراف على تنظيم معارضي التشكيلية خصوصا بباب الرواح بالرباط ، عرَّفني على أستاذة جامعية من عائلته تلكم هي الدكتورة حميدة التي من أحلامها الكبرى أن يكون لها زفاف مغربي بطقوس مغربية دون عريس ، لبت المرحومة أمي طلبها بإقامة عرس لها بالرباط حضره مجموعة من المثقفين والشعراء والفنانين التشكيليين العراقيين إضافة إلى شخصيات دبلوماسية من سفارة العراق والمركز الثقافي العراقي بالرباط ، لقد عاش الجميع في هذا الحفل أعرافا وتقاليد مغربية عراقية ، أدخلت البهجة والسرور على الدكتورة العروسة حميدة التي عبرت من خلال فرحتها بتحقيق حلمها عن تصنيف العرس المغربي في خانة ألف ليلة وليلة.
//يتبع//
بقلم د. فاطمة الزهراء
بن عدو الإدريسي