جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
.. حب فى زمن عاقر ...قصة قصيرة بقلمي / احمد بيومي ..
الزمان ..ليلة 24 يناير 2011 المكان كافيه فى وسط البلد ..
دخان الشيشة يملاء المكان ..تدخل ..مي .. الفنانة التشكيلية برفقة صديقها الصحفي الشاب محمود حسين ..ليجدوا الكافيه يمتلىء بشبان وشابات من مختلف الاعمار .. ضحكات وقفشات وصخب ودي جي يقف أمامه شاب ذو لحية غير مهذبة وشعر كانيش يبدوا كمخلوق فضائي ..تحاول مي أن تقنع محمود بالذهاب إلى مكان أخر .. ولكنه يصر على الجلوس ..بالكاد يعثر لهما الجرسون على..مقعدين..المكان خانق وهى لا تطيق رائحة الدخان.. ولكنها تتحامل ..يطلب محمود إتنين لمون مثلج ..يمسك يدها بحميمية وينظر فى عينيها طويلاً ..ويدور هذا الحوار ..
هي ..بجد محمود أنا بقيت أسيرة لحبك ..معرفش أنا إزاى بقيت بسمع كلامك بالشكل ده ..
هو ..يضحك ..ثم يقول مي.. أنا بموت فيك حبيبتي ..وده الطبيعي على فكره ..إنت لازم تسمعي كلامي دائما ..وصدقيني موش راح تندمي ..
هي ..طاب إمتى محمود راح تيجى تتقدم وتخطبني من بابا ..
هو ..يصمت قليلا ..ثم ينادي جرسون ممكن إتنين شيشة تفاح لو سمحت
هي..إتنين لمين محمود ..؟
هو واحده ليا والتانيه ليك ..
هي بس إنت عارف إني موش بدخن ..وبكره جدا ريحة السجاير ..
هو ..بس دي موش سجاير دي شيشه ..وإحنا اتفقنا إنك تسمعي كلامي ..
هي ..اسمع كلامك وأدخن معقول الكلام ده محمود أرجوك ..
هو ..مي ..عرفتي ليه انا لسه موش جيت اخطبك من باباك..إنت لسه موش فهماني بدرجه تخليني مطمن وأنا معاك ..
هي ..إذا كان تدخين الشيشة راح يقنعك إني بحبك .. أجرب يا سيدي ..
وهي تردد..الاغنية القديمة ..يا سيدي ..أمرك أمرك يا سيدي ..
لحظات ويدخل شاب وفتاة بملابس متواضعة ويطلبان من الجميع الإنصات ..تمر الفتاة بين المقاعد وهى توزع أحد المنشورات ..غدا شعارنا ..عيش حرية وعدالة اجتماعية ..ثم يصعد الشاب فوق أحد الكراسي ويخطب خطبة عصماء عن الفساد والضياع والتردي الاقتصادي والتوريث ..والاستبداد ..وتجاوزات الدولة البوليسية ....وتهتف الفتاة التي تقوم بتوزيع المنشورات ..يا جماعه ..عاوزين نتجوز ..فيعجب الجميع بحماسة الشاب وبالشعار ..وتردد جميع البنات وهن يضحكن ..عاوزين نتجوز ..عاوزين نتجوز ..يقول الشاب الثوري ..إذا غدا موعدنا ميدان التحرير بعد صلاة الجمعة ..ويغادر الكافيه وتتبعه الفتاة .....اليوم الثلاثاء 25 يناير ..الاف من الشباب يملؤن الطرقات والكباري إلى ميدان التحرير ..بعض الوجوه المعروفة بمعارضة نظام الرئيس مبارك تتصدر المظاهرات ..حمدين صباحي الناصري وأبو العز الحريري القيادي العمالي المعارض والبدري فرغلي .. وخالد يوسف مخرج يعقوبيان ..والصحفي بلال فضل ..والبرادعي العلماني والحاصل على جائزة نوبل للسلام ..أقباط ومسلمين علمانيين وسلفيين شيوعيين وماركسيين ..نشطاء وممثلين واعلاميين وبينهم على استحياء شباب جماعة الاخوان المسلمين والسلفيين ..وكل من هو فى عداء مع النظام وفى مقدمتهم أعضاء الحزب الوطني نفسه من الساقطين في انتخابات مجلس الشعب 2010....الجميع ساخطون ..وفى خلفية المشهد شباب الطبقة الوسطى لا وجود للفقراء والمهمشين ..إذاً هى ثورة المثقفين ..هى ثورة تصحيح وليست ثورة جياع ..ثورة شباب يبحث عن دور يشعر بالتهميش ..فى وسط الجموع كان محمود يسير ويردد الشعارات مع المطالبين بعزل وزير الداخلية اللواء حبيب العادلي ..وفجاءة اقترب أحد المشاركين في المظاهرة من محمود وهمس في أذنه ..هي المظاهرات دي علشان أيه بالضبط ..نظر إليه محمود بغضب ..بيقولوا علشان العيش والحرية والديموقراطية ..فرد عليه الشاب باندهاش ديموقراطية إيه ..فابتعد عنه محمود سريعاً فهو غير مستعد لشرح شىء هو أصلاً غير مدرك له ..ولكن الحماسة والجموع كانت دافعاً كبيراً للاستمرار ..وهنا يدق الهاتف المحمول ..وفى الطرف الاخر كانت مي ..ودار هذا الحوار ..هو .مي ..إنت ليه موش نزلتي المظاهرات ..؟
هي ..محمود خلي بالك الجزيرة بتصور كل حاجه وكمان التلفزيونات الخاصة وواضح أن الداخلية راح تتدخل بقوة ..
هو ..أنا موش خايف مي ..وكنت أتمنى تكوني معايا المنظر رائع ..والهتافات بتهز القاهرة ..والناس بتتجمع لوحدها من على القهاوي والشباب ينزل من البيوت دي موش مظاهرات ده كرنفال ..
هي ..تضحك الله بجد طاب أنا نازله بس إزاى راح أقابلك ..فى الزحام ده ..؟
هو ..أنا سمعت المنظمين بيقولوا أن هناك اعتصام في التحرير تعالي من عند ميدان عبد المنعم رياض وأنا راح انتظرك وندخل الميدان سوا..
هي اوك على سته راح أكون هناك خلي بالك من نفسك حبيبي لا اله الا اله .
.هو محمدا رسول الله ...
ولكن الأحداث تتطور سريعاً ..الداخلية تحاول منع تقدم الشباب إلى التحرير ..بخراطيم المياه والغاز وينتهي اليوم بتفريق المتظاهرين وفض الاعتصام بلا اصابات ولا وفيات ..الاعلام بكل قنواته والجزيرة على مدار الساعة ليس لهم هم الا الحديث عن تلك التظاهرات واستضافة كل من شارك فيها والدعوة إليها ..وخصوصاً مسؤل صفحة كلنا خالد سعيد ...ونسمع اسماء لشباب مجهول اسماء محفوظ ومحمد عادل وسوكا ولحركة تسمى ستة إبريل ....التي ينضم إليها محمود فورا ويبلغ مي بهذا ..بعد أن تاكد أن والدتها منعتها من النزول فى هذا اليوم وأنها بخير ..
.....اليوم 28 يناير .المكان ميدان التحرير والمناطق المحيطة والزمان بعد صلاة الجمعة ..الاعصاب مشدودة والاعلام مازال يشحن الناس ..مواقع الانترنت وجماعات الاخوان وصفحة كلنا خالد سعيد.. تدفع الناس وخصوصاً الشباب للنزول ..عدة الاف من عدة أماكن تنطلق لتجمع الناس في مسيرات حاشدة الالتراس يبدوا أنه قد دخل على الخط بالدفوف والاعلام فيجذب اعداداً اضافية ..الاخبار تنقل أن هناك قتلى فى السويس لأول مرة ..قنوات أجنبية ومحلية وعالمية تنقل الحدث لحظة بلحظة .. مي ..كانت مازالت ممنوعة من النزول إلى الشارع بأمر أمها المريضة بالقلب .. كانت تتابع التلفزيون بعد أن أنقطع الانترنت فجاءة .. وبعده الحرارة من الهاتف ..قناة الجزيرة القطريه تعرض صورة عدة الاف تعبرأحد الكباري.. ثم تعترضها عربات الشرطة بخارطيم المياه ..و فى مشهد تمثيلي متفق عليه بلا شك.. يسرع المشاركين في افامة الصلاة على الكوبري في وقت ليس وقت صلاة مفروضة ...وبلا اتحاه لقبله وبلا وضوء .. ولكن لم يسأل أحد نفسه تلك الاسئلة ...مشهد يبهر المشاهدين.. تنفعل مي .. عندما تظهر الكاميرات حبيبها محمود ..وهو يعترض مدرعة شرطة بجسده العاري.. فيجبر قائدها على التوقف ...تصرخ.. مي ..فى والدتها أنا خارجه حتى لو كان فى خروجي موتي ..بطلي جبن بقى.. بطلي خوف.. الشباب بيموتوا علشانا ..أنا خارجه أمها لم تستطيع أن تمنع نفسها من الانفعال الشديد والبكاء الهستري خوفا على إبنتها الشابة .. التي لأول مرة فى حياتها توجه لها تلك الالفاظ القاسية ..تصاب الأم بأزمة قلبية فجاءة وتصرخ الحقيني مي ....ولكن مي التي كانت على وشك الخروج وغلق الباب خلفها .. لم تكن لتسمع صوت أمها... فقد فقدت فجاءة كل مشاعر البنوة .. وانصهرت فى الحدث الأكبر بكل مشاعرها واحاسيسها ..توقف لها أول تاكسي أشارت له وبدون أن تطلب منه قال لها عارف عاوزه تروحي التحرير ..وانطلق باقصى سرعة وهو يقول لها كلنا من الصبح بنوصل الناس هناك وبنصف أجره تصوري ...وصلت ..مي.. إلى التحرير قبل الغروب بقليل ..كانت هناك جموع من الشباب من مختلف الاعمار والثقافات اقتربت من الميدان وبينما كانت تنظر فى الوجوه تبحث عن محمود ..وهى تعبر أمام السفارة الامريكية إذا بسيارة بيضاء اللون تمر..بسرعة الصاروح وتدهسها عمداً ..كان محمود فى نفس اللحظة يمسك بالكاميرا ليصور المشهد أقترب كثيراً من الاشلاء وهو يصرخ يا ولاد الكلب يا كفره .. وبينما ينظر الى وجه الفتاة الملقاة على الأرض تنزف بغزارة .. تعرف عليها كانت تحمل نفس الابتسامة التي طالما أحبها ...نظرت إليه وبصوت خافت محمود ..الحمد لله إني شفتك قبل ما أموت ..أنا خلاص أتحررت من الخوف ..هو يردد بذهول وهو غير مصدق إزاى قدرتي تقنعي ماما بالنزول..ردت ماما كمان تلقيها ماتت محمود من الزعل والغضب أرجوك بلغها تسامحني .. وبينما يقترب منها ليحملها إلى سيارة أجرة توقفت لاسعافها ..شاهدت شبح لرجل ملتحي يصوب بندقيه آليه ناحية محمود ..صرخت خلي بالك محمود ...ولكن محمود لم ينتبه واصابته طلقة مباشرة فى الرأس فسقط بجوارها ..وضعت ما تبقى من جسدها فوق جسده وهى تقول ..واضح أننا كنا ضحايا لمؤامرة أكبر من حلمنا .. زمننا عاقر محمود موش بيخلف فرح ..أنتهت .. بقلمي احمد بيومي