خطة البحث:
المقـــــــدمـــــة
الفصل الأول: تعريـــف ونشــأة وأنـــواع السينمــا
المبحث الأول: تعريف السينما
المبحث الثاني: نشأة السينما
المبحث الثالث: أنواع السينما
الفصل الثاني: السينما بين الدعاية والإعلام طبيعتها وخصائصها
المبحث الأول: السينما بين الدعاية والإعلام
المبحث الثاني: طبيعة الفن السينمائي
المبحث الثالث: خصائص الفن السينمائي
الفصل الثالث: نمـــاذج مـــن الـــدول السينمــائيـة
المبحث الأول: السينما بالولايات المتحدة الأمريكية
المبحث الثاني: السينما بالهند
الخــاتمــــــــة
المقدمة
السينما، فن طلع على العالم من أوروبا، واجتاز مرحلة تطورية طويلة، اشتركت فيها القارة الأمريكية، أو بعبارة أدق الولايات المتحدة الأمريكية مع بعض دول أوروبية، في مقدمتها فرنسا وإنجلترا.
والفيلم Film، مصطلح شامل يطلق على أي صفحة، أو شريحة من مادة بلاستيكية شفافة مثل خلات، أو نترات السليولوز مطلية بمستحلب حسَّاس للضوء، يستعمل لعمل سلبيات أو شفافيات في التصوير الفوتوغرافي أو الضوئي، كما أنه يعني كذلك، فيلم سينمائي - تليفزيوني، يُصوَّر أو يخرج سينمائيًا، طبقة رقيقة جدًا، شريط يحمل طبقة رقيقة جدًا أقل من ميكرون Micron، من مادة ممغنطة، والميكرون هو جزء من مليون من المتر.
كما يعني مصطلح فيلم أيضًا الفيلم الخام، والفيلم الخام صورة وصوت عبارة عن شريط مثقوب الجانب، كان يصنع قديمًا من نترات السليولوز، وهي مادة قابلة للاشتعال، ثم أصبح اليوم يصنع من خلات السليولوز، وهي مادة غير قابلة للاشتعال، ويغطى بعجينة فوتوغرافية أي من مادة شديدة الحساسية، تتأثر بالضوء إذا تعرضت له، ومقاسات الأفلام هي 8 مللم، 16مللم، 35مللم، 70مللم.
والفيلم السينمائي Motion Pictures، وسيلة من وسائل التعبير الفني، تقوم على تسجيل الصور المتحركة على شريط حساس، وإعادة عرضها خلال أجهزة ومعدات خاصة، والواقع أن كل صورة على حدة، هي صورة ثابتة لا تتحرك، وتتابع الصور واستمرار عرضها هو الذي يوهم المشاهد بالحركة.
ويلاحظ أن لفظ الفيلم بشكل عام، يطلق على الفيلم السينمائي قبل التقاط الصورة وبعدها، وقبل تحميضه وبعده، وبعد طبعه وإعداده للعرض.
يُعِّرف المخرج السينمائي المصري الراحل، صلاح أبو سيف الفيلم بأنه: قصة تُحكى على جمهور في سلسلة من الصور المتحركة. ويمكن تمييز ثلاثة عناصر في هذا التعريف:
1. القصة: وهي ما يُحكَى.
2. الجمهور: وهو من تُحكَى له القصة.
3. سلسلة من الصور المتحركة: وهى الوسيلة التي تنقل بها القصة إلى الجمهور.
ورغم إطلاق وصف الفن السابع على السينما في العشرينيات من القرن العشرين، إلا أن السينما نفسها، لم تحظ بالاحترام، والاعتراف بها كشكل فني إلا بعد فترة طويلة، وبعد أن استقرت أصولها وقواعدها نتيجة لمساهمات عديدة من فنانين ونقاد حاولوا وضع الأسس النظرية لفن الفيلم.
والسينما مصطلح واسع شديد العمومية، وهو يضم تحت عباءته كل ما به علاقة بفن الفيلم من تاريخ، واتجاهات، ونظريات، وحرفيات، ونقد، ويضم كذلك أنواعها الروائية، والتسجيلية، وأفلام- تحريك الرسوم المتحركة-وغير ذلك مما يتعلق بهذا الفن الجميل.
والسينما تجارة مربحة، وهي زاد ثقافي، وترفيهي، لجماهير عريضة على مستوى العالم كله. وهي بحكم كونها فنًا سمعيًا وبصريًا تصل إلى كافة المستويات، الثقافية والاجتماعية، ولذا فهي أداة هامة من أدوات التغيير الاجتماعي، وتنمية الوعي الثقافي، أو العكس، فيمكن استخدامها كسلاح مدمّر، وأداة طيِّعة من أدوات الإعلام غير الصادق، وتصبح قوة خطيرة ومضللة تعمل على غرس مشاعر ومعايير سلوكية تحارب الجهود الرامية إلى التخلص من النواقص الاجتماعية، وإرساء الخلق الاجتماعي الصحيح.
والواقع أن رواد دور العرض السينمائي لا يفكرون كثيراً في الآلات والتجهيزات المستخدمة، بل إن الكثير ممن يشاهدون الأفلام السينمائية، ويرون الأشخاص يتحركون، والأشياء تحدث كما هي في الحياة العادية، لا يعرفون أن هذه الصور، وهذه الأحداث، والأشياء إنما هي صور ثابتة مصورة على فيلم ملفوف حول بكرة.
ولكي نحصل على فيلم سينمائي لا بد من توافر المعدات الأساسية التالية وهي:
1. آلة لالتقاط الصور، وهي كاميرا التصوير، أو آلة التصوير السينمائي.
2. فيلم دعامته مرنة، ومحسس للضوء لالتقاط الصور عليه.
3. آلة لعرض هذا الفيلم، أو الشريط.
المبحث الأول
نشأة السينما وتطورها في العالم
يرجع البعض بدايات السينما، أو بتعبير أدق ما قبل البدايات إلى ما دوَّنه الفنان والمهندس والعالم الإيطالي، ليوناردو دافنشي Leonardo da vinci من ملاحظات ذكرها جيوفاني باتستا دي لابورتا، في كتابه السحر الطبيعي Natural Magic عام 1558، فقد لاحظ دافنشي أن الإنسان إذا جلس في حجرة تامة الظلام، بينما تكون الشمس ساطعة خارجها، وكان في أحد جوانبها ثقب صغير جدًا في حجم رأس الدبوس، فإن الجالس في الحجرة المظلمة، يمكنه أن يرى على الحائط الذي في مواجهة هذا الثقب الصغير ظلالاً أو خيالات لما هو خارج الحجرة، مثل الأشجار، أو العربات، أو الإنسان الذي يعبر الطريق، نتيجة شعاع من الضوء ينفذ من الثقب الصغير.
أما البداية الحقيقية لميلاد صناعة السينما، فتعود إلى حوالي عام 1895م، نتيجة للجمع بين ثلاثة مخترعات سابقة هي اللعبة البصرية، والفانوس السحري، والتصوير الفوتوغرافي، فقد سجل الأخوان أوجست ولويس لوميير Auguste & Louis Lumiere اختراعهما لأول جهاز يُمكِّن من عرض الصور المتحركة على الشاشة في 13 فبراير 1895 في فرنسا، على أنه لم يتهيأ لهما إجراء أول عرض عام إلا في 28 ديسمبر من نفس العام، فقد شاهد الجمهور أول عرض سينماتوغرافي في قبو الجراند كافيه Grand Café، الواقع في شارع الكابوسين Capucines بمدينة باريس. لذلك فالعديد من المؤرخين يعتبرون لويس لوميير المخترع الحقيقي للسينما، فقد استطاع أن يصنع أول جهاز لالتقاط وعرض الصور السينمائية، ومن هذا التاريخ أصبحت السينما واقعاً ملموساً. وقد شاهدت نيويورك في أبريل 1895، عرضاً عاماً للصور المتحركة. ثم ما لبث آرمان وجينكينز، أن تمكنا من اختراع جهاز أفضل للعرض، استخدماه في تقديم أول عرض لهما في سبتمبر من السنة نفسها- الأمر الذي حدا بتوماس إديسون Thomas Edison لدعوتهما للانضمام إلى الشركة التي كان قد أسسها لاستغلال الكينيتوسكوب Kinetoscope. وفي العام التالي تمكن إديسون من صنع جهاز للعرض يجمع بين مزايا الجهازين، وأقام أول عرض عام له في أبريل 1896 فلقي نجاحاً كبيراً.
ويقسم الناقد والمؤرخ السينمائي الأمريكي فيليب كونجليتون، المراحل التي مرَّ بها تطور الفيلم السينمائي من منظور التأثر بنمو السوق إلي العصور التالية:
1. عصر الريادة: 1895 - 1910:
في هذا العصر بدأت صناعة الفيلم، الكاميرا الأولى، الممثل الأول، المخرجون الأول كانت التقنية جديدة تماماً، ولم تكن هناك أصوات على الإطلاق، ومعظم الأفلام كانت وثائقية، خبرية، وتسجيلات لبعض المسرحيات، وأول دراما روائية كانت مدتها حوالي خمسة دقائق، وبدأت تصبح مألوفة حوالي عام 1905 مع بداية رواية الفنان الفرنسي جورج ميلييه Georges Melies، رحلة إلى القمر A Trip to the Moon عام 1902، (اُنظر صورة من فيلم رحلة إلى القمر)، وكانت الأسماء الكبيرة في ذلك الوقت هي إديسون، لوميير، وميلييه بأفلامه المليئة بالخدع. وعند مشاهدة هذه الأفلام يؤخذ في الاعتبار أنها كانت تشكل المحاولات الأولى، وأن السينما كانت وما تزال أداة اتصال جديدة، فلا يجب أن يُنظر إليها على أنها تافهة، ربما تكون حقاً بدائية، ولكن يجب إدراك أن الطاقة والعمل الذي بذل لإنتاج هذه الأفلام كان مبهراً، وأن أخذ المنتجين على عاتقهم مهمة إنتاج هذه الأفلام كان أمراً متميزاً.
2. عصر الأفلام الصامتة: 1911-1926:
ويتميز هذا العصر عن سابقه بكثرة التجريب في عملية مونتاج الأفلام، فلم تكن هذه المرحلة صامتة بالكامل، فقد كانت هناك استخدامات لطرق ومؤثرات صوتية خاصة، بينما لم يكن هناك حوار على الإطلاق حتى المرحلة التالية، فاختلف الشكل، واختفت التسجيلات المسرحية لتحل محلها الدراما الروائية، ويعد هذا أيضاً بداية لمرحلة الأفلام الشاعرية ذات الطابع التاريخي الأسماء الشهيرة في هذه المرحلة ضمت شارلي شابلن Charles Chaplin، ديفيد جريفيث David Griffith وغيرهم. وتكلفَّت أفلام هذه المرحلة أموالاً أكثر، وبدأت مسألة نوعية وجودة الفيلم تثير جدلاً، كما صنعت أنواع مختلفة من الأفلام في هذه المرحلة.
3. عصر ما قبل الحرب العالمية الثانية: 1927-1940:
يتميز هذا العصر بأنه عصر الكلام أو الصوت، ولكن فيليب كونجليتون يرى، أن هذا التصنيف غير دقيق، فذلك يعني أن هناك مرحلتين في تاريخ الفيلم: الصمت والكلام.
ويبدأ هذه العصر بإنتاج أول فيلم ناطق بعنوان "مغني الجاز" عام 1927، بالإضافة إلي أفلام ناطقة أخرى متنوعة أنتجت في هذه المرحلة، كما شهدت أفلام الثلاثينيات استخداماً أكثر للألوان، وبدأت الرسوم المتحركة، وفي هذه المرحلة أيضاً ظهرت العروض النهارية للأفلام، وبدأت تتنامى في المسارح مع موجة الكوميديا، وبروز نجوم لفن السينما انتشرت أسماؤهم في ذلك الحين.
وقد ضمَّت أسماء هذه المرحلة أسماء مثل كلارك جابل Clark Gable، فرانك كابرا Frank Capra، جون فورد John Ford، والممثلان اللذان استمرا إلى المرحلة الناطقة بعد ذلك، وهما ستان لوريل Stan Laurel، وأوليفر هاردي Oliver Hardy. وفي هذه المرحلة أيضاً بدأت نوعية الفيلم تزداد أهميتها مع ظهور جوائز الأوسكار، وحب الجمهور للسينما. من هنا أصبح يُنظر للفيلم في هذه المرحلة كمراهق بدأ ينضج، ويمكن التمييز بين الأفلام التي كلّفت أموالاً كثيرة عن الأفلام التي لم تكلِّف كثيراً، وبالرغم من أن التقنية المستخدمة في صناعة الفيلم كانت ما تزال بدائية، لكنها بهرت العديد من رواد السينما.
4. العصر الذهبي للفيلم: 1941-1954:
أحدثت الحرب العالمية الثانية كل أنواع التغيرات في صناعة الفيلم، فخلال وبعد الحرب ازدهرت الكوميديا بشكل ملحوظ، وتربَّعت الأفلام الموسيقية على عرش السينما، كما انتشرت أفلام الرعب، ولكن باستخدام ضئيل للمؤثرات الخاصة بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، فقد صنعت نفقات الإنتاج فرقاً ملحوظاً بين الميزانيات الكبيرة والصغيرة للأفلام، ولجأت استوديوهات السينما لاستخدام ميزانيات صغيرة لإنتاج أفلام غير مكلِّفة للعامة، وذلك لجذب الجماهير. لذلك ظهرت الأفلام الجماهيرية في هذه المرحلة والتي يمكن تصنيفها إلى أفلام استخبارات، أفلام غابات، والأفلام الاستغلالية. أما أفلام الخيال العلمي فقد ظهرت حوالي عام 1950. والأسماء الكبيرة القليلة التي ظهرت في هذه المرحلة هي كاري جرانت Cary Grant، همفري بوجارتHumphrey Bogart، أودري هيبورن Audrey Hepburn، هنرى فوندا Henry Fonda، فريد أستير Fred Astaire.
5. العصر الانتقالي للفيلم: 1955-1966:
يُسمي فيليب كونجليتون هذه المرحلة بالعصر الانتقالي، لأنه يمثل الوقت الذي بدأ فيه الفيلم ينضج بشكل حقيقي، فقد ظهرت في هذا العصر التجهيزات الفنية المتطورة للفيلم من موسيقى، وديكور، وغير ذلك. وفي هذا العصر بدأت الأفلام من الدول المختلفة تدخل إلى الولايات المتحدة الأمريكية من خلال حوائط هوليوود السينمائية، وبدأت الأفلام الجماهيرية تستبدل بأفلام رخيصة، كما بدأت الاستوديوهات الكبيرة تفقد الكثير من قوتها في مجال التوزيع. كما ظهر لصناعة الفيلم عدو جديد يسمى التليفزيون، مما أبرز المنافسة حول نوعية المنتج وجودته. وبدأت السينما تقتحم موضوعات اجتماعية أكثر نضجاً، وانتشرت الأفلام الملوَّنة لتصبح الأغلبية بجوار الأبيض والأسود، وضمت الأسماء الكبيرة في سينما هذه المرحلة ألفريد هتشكوك Alfred Hitchcock، مارلين مونرو Marilyn Monro، وإليزابيث تايلور Elizabeth Taylor.
وبدأت الحرب الباردة لتغير وجه هوليوود، وظهرت المؤثرات الخاصة، وبرزت الفنون الأخرى المصاحبة كالديكور والاستعراضات.
6. العصر الفضي للفيلم: 1967-1979
يرى بعض المؤرخين أن هذه الفترة بالفعل، هي مرحلة الفيلم الحديث، وكانت مرحلة جديدة وقتها ويبدأ العصر الفضي للسينما بإنتاج فيلميَ الخريج و بوني وكلايد عام 1967.
وقد ظهرت عدة أفلام خالية من الصور المتحركة. وكان من جراء انتشار هذه النوعية من الأفلام الناضجة، الخارجة عن الأخلاق العامة، أن ظهرت أنظمة جديدة للرقابة وتكوَّنت الأسماء الشهيرة التي حكمت هذا العصر أمثال فرانسيس كوبول Francis Coppola، وداستن هوفمان Dustin Hoffman، ومارلون براندو Marlon Brando. انخفضت نسبة أفلام الأبيض والأسود إلى 3% من الأفلام المنتجة في هذه الفترة. فأصبحت هوليوود تعرف حقاً كيف تصنع أفلاماً ، وأصبح هناك فارقٌ كبيرٌ بين الميزانيات الكبيرة والضئيلة للأفلام، كما يمكن أيضاً مقارنة الجوانب الأخرى الغير مادية للفيلم، لذا لا يجب أن ينظر للأفلام ذات الميزانية الضئيلة على أنها رديئة.
7. العصر الحديث للفيلم: 1980-1995
بدأ هذا العصر عام 1977، عندما أنتج فيلم "حروب النجوم" Star Wars، الذي ُيعد أول إسهام للكمبيوتر والتقنية الحديثة في تصميم المؤثرات الخاصة. لكن فيليب كونجليتون يبدأ هذا العصر عام 1980، لأنه يعتبر أن فيلم "الإمبراطورية تقاوم" نقطة
_________________أشهر عشر خدع فـي تاريخ السينما العالمية:
قبل التطور المذهل الذي حققته السينما من خلال توظيفها الحاسبات الآلية، خلال السنوات الماضية، عرفت السينما العالمية العديد من أساليب الخدع البصرية، واستخدمتها في أفلام كثيرة أبهرت الملايين من مشاهدي السينما.
وحدد النقاد أبرز هذه الأفلام في عشرة أفلام هي:
* رحلة إلى القمر، 1902.
* فاوست، 1926.
* كينج كونج، 1933.
* لص بغداد، 1940.
* متروبولس، 1926.
* 20 ألف فرسخ تحت الماء، 1954.
* رحلة السندباد السابعة، 1958.
* أوديسا الفضاء 2001، 1968.
* حرب الكواكب، 1977.
* المدمر 2، 1991.
معالم في طريق تطور السينما:
1. جورج ميلييه:
ظلت الأفلام في سنوات عمرها الأولى لا تتعدى مجرد التسجيل الإخباري للأحداث الواقعية، ولم تكن هناك استديوهات. وكانت الأفلام تلتقط في الشوارع، والحدائق، والشواطئ، والمصانع. وكان إعداد الفيلم كله متروكاً لقدرة المصوِّر الذي كان يقوم بمهام المخرج، والمصور، والمدير الفني، وخبير التحميض، والطبع. وكان المصورون السينمائيون في ذلك الوقت يعدون على أصابع اليد، ومن هؤلاء المصورين خرج الرواد العظام الذين لعبوا دوراً مهماً في تطوير فن السينما، ومنهم يبرز اسم جورج ميلييه، الذي يرجع إليه الفضل في إخراج السينما من إطار التسجيل الإخباري للأحداث الواقعية إلى إطار آخر، هو محاولة سرد قصة، مستعملاً مصادر فن آخر هو المسرح، فدفع السينما إلى طريقها المسرحي المشهدي على حد تعبيره هو شخصياً، وبذلك دخلت السينما في أول طريق الأفلام الروائية.
استطاع ميلييه أن يكشف السر العظيم الكامن في آلة التصوير السينمائي، وهو أول من قدم سينما الفرجة، وأول من أخرج، وهو مَن بنى أول استديو، وكتب أول سيناريو، ورسم أول ديكور، كما ساعدته المصادفة في أن يقدم أول الخدع السينمائية.
2. إدوين بورتر Edwin Porter:
بعد جورج ميلييه، وما حققه من إنجازات مهمة في نشأة فن السينما يأتي مصور آخر هو إدوين بورتر، الذي تناول الشعلة ليكمل المسيرة. كان بورتر يعمل مصوراً في شركة إديسون، ثم أصبح بعد ذلك من كبار المخرجين الأوائل. وفي عام 1902 أخرج فيلمه الأول "حياة رجل مطافئ أمريكي"، وبعده وفي عام 1903 يأتي فيلم بورتر التالي، الذي يعتبر بداية مرحلة جديدة على طريق تطور فن السينما، وهو فيلم سرقة القطار الكبرى The Great Train Robbery الذي أكَّد فيه بورتر خطوته الأولى نحو خلق فن سينمائي حقيقي. ففي هذا الفيلم وضع بورتر يده بحق على العناصر السينمائية التي قام المخرجون من بعده بتهذيبها وتطويرها باعتبارها عناصر خاصة بفن السينما.
3. ديفيد جريفيث David Griffith:
وفي عام 1909 أخرج جريفيث فيلم الفيلا الوحيدة، وقدم فيه لأول مرة فكرة اللقطات المتقاطعة، وهو ما يعرف الآن بالمونتاج المتوازي، وذلك لبيان الأحداث التي تقع في أكثر من مكان في نفس الوقت كالآتي: اللصوص يحاصرون امرأة وأطفالها، الزوج يحاول إنقاذهم، ويشتد التوتر في ذروة الفيلم بين مشهد الزوجة وأطفالها واللصوص، والزوج يقوم بالإنقاذ. وقد سميت هذه الحيلة باسم طريقة جريفيث للإنقاذ في آخر لحظة.
بعد ذلك قدم جريفيث تحفته الكبرى "مولد أمة" The Birth of a Nation عام 1915، عن الحرب الأهلية الأمريكية، وقام خلال هذا الفيلم بتطوير استخدام العديد من الأساليب الفنية التي نأخذها الآن كأمور مسلم بها، فجاء مولد أمة يضم 1375 لقطة بين لقطات كبيرة جداً، ومثل عين تنظر من خلال ثقب باب، أو زهرة، أو مسدس، أو سنبلة قمح، ولقطات بعيدة صوَّرت لمساحات شاسعة من الريف والمناطق المهجورة. كما استخدم الكاميرا المتحركة، واستخدم أيضاً وببراعة أكبر طريقته في القطع المتداخل، أو المتوازي بين المطارد، والطريد لخلق الإثارة المتصاعدة.
وفي عام 1916 قدم جريفيث رائعته الثانية في شكل فيلم ملحمي يضم أربعة موضوعات مختلفة وهي، فيلم "التعصب" Intolerance، (اُنظر صورة من فيلم التعصب)، الذي قدم فيه جريفيث بشكل متواز أربعة أمثلة للتعصب، تجمعها وحدة الموضوع، وهى التعصب في بابل القديمة، وآلام السيد المسيح، ومذابح البروتستانت في القرن السادس عشر في فرنسا، والتعصب في أمريكا.
4. شارلي شابلن:
إذا كانت الفترة ما بين 1920 -1940 قد شهدت أوج النضوج للفيلم الصامت، فقد شهدت الفترة السابقة لها، والتي تحكمت فيها سنوات الحرب بدء أعمال بعض المخرجين من أمثال توماس إنس Thomas Ince، وماك سينيت Mack Sennett، وأبل جانس Abel Gance، الذين وسعوا من أفق السينما، كما شهدت عمل رجل من عباقرة السينما هو شارلي شابلن.
فبينما بدأ جريفيث يوسع لغة التعبير السينمائي كان شارلي شابلن يستقصي إمكانات السينما من أجل الكوميديا، ويخرج فيلماً كل بضعة أيام، وكانت إيحاءاته وحركاته تُعبر بأكثر مما تنطق به كلمات الممثلين اليوم، وكانت شخصية شارلو التي ابتكرها، هي التي قادته إلى الصفوف الأولى في تاريخ السينما، فلم تلبث هذه الشخصية الأسطورية أن تبلورت واشتهرت في كل أنحاء العالم.
بلغت عبقرية شارلي شابلن القمة فيما بين 1920 - 1930. ونمت مواهبه الطبيعية كمقلّد ومهرّج في الساحات الموسيقية، ومن ثم تعلم كيف يستغل فطرته الفريدة للهزليات في الفيلم الصامت، تلك الهزليات التي وضع أساسها ماك سينيت، الذي كان يوظف المونتاج لإحداث الأثر الهزلي.
نضجت شخصية شارلي شابلن الحقة بعد ذلك، وابتعد عن الضحك الرخيص، وتطور منه إلى مزج رائع من الضحك والعواطف الإنسانية، وظهرت مواهبه الدرامية الخالصة في فيلمه ذي الطابع الجدي "امرأة من باريس" Woman Of Paris 1923. ذلك الفيلم الذي كتبه وأخرجه بنفسه، وكان له الأثر البعيد في أفلامه الهزلية التي توالت بعد ذلك، حيث ظهرت له روائع سينمائية مثل "البحث عن الذهب" The Gold Rush 1925، و"السيرك" The Circus 1928، و"أضواء المدينة" City Lights 1931، (انظر صورة من فيلم أضواء المدينة). وانتقل شارلي شابلن بعد ذلك إلى معالجة القضايا الاجتماعية في أفلامه، وجعل من البؤس لوحة مؤثرة تفيض بالحب العميق للإنسانية كلها، ثم اتخذ موقفا اجتماعياً أكثر وضوحاً وصراحة في فيلم "الأزمنة الحديثة" Modern Times 1936، و"ملك في نيويورك" A King In New York 1957.
اتسمت أفلام شابلن على الدوام بطابع البساطة الفنية، فالديكورات اللازمة لأفلامه متواضعة، واستخدامه للكاميرا ليس بذي مهارة محسوسة، كما أن المناظر الخلفية تحوي الضروري فقط. فعبقريته التصويرية التي كان هو مبدعها الوحيد تكمن في حركته هو بالذات، وفي فكرته التنفيذية بالنسبة لكل فيلم رئيسي، فمنظر شارلي كما نعرفه الذي تحول فيما بعد وصار هتلر Hitler، ثم تغير بأكمله وأصبح فيردو وكالفيرو، لهو المنظر الذي يتركز عليه كل اهتمامنا في النهاية. ولما كان شارلي يصوّر الكثير مما في نفوسنا حينما يتجاوب مع عوامل السرور التي تكنها قلوبنا، والأفراح التي نتمناها، فإن العالم كله تقبَّله بصورة لم تتيسر لأية شخصية أخرى خلقت في عالم السينما. واستطاع عن طريق التوزيع العالمي للأفلام السينمائية دون غيرها، أن يكون معروفاً في كل مكان بأسماء مشتركة الأصل، منبثقة عن إعزاز عالمي لصاحب الاسم. فهو معروف بأسماء تشارلوت Charlot، وكارلينو Carlino، وكارلوسCarlos ، وكارليتوس Carlitos.
5. روبرت فلاهرتي Robert Flaherty:
في الوقت الذي كان فيه شارلي شابلن يثرى السينما بأفلامه الكوميدية ذات الأبعاد الإنسانية، ظهر شخص مهم آخر في عالم السينما
_________________
المبحث الثاني
نشأة السينما العربية وتطورها
1. السينما فـي مصر:
كانت مصر من أوائل بلاد العالم التي عرفت الفن السينمائي عام1896، بالإسكندرية، وفي العام نفسه، قدم أول عرض سينمائي في حديقة الأزبكية بالقاهرة.
وقد أرسلت دار لوميير الفرنسية عام 1897 مبعوثاً لها إلى مصر ليقوم بتصوير أول شرائط سينمائية عن بعض المناظر في الإسكندرية، والقاهرة، والمناطق الأثرية على نيل مصر، وبلغ عدد هذه الشرائط 35 شريطاً عرضت في جميع دول العالم.
وأقيم أول عرض سينمائي في مصر في ديسمبر 1897، بمدينة الإسكندرية بواسطة أحد أجهزة لوميير، على أنه ما لبث أن توقف العرض حتى عام 1900، عندما أقيمت أول صالة للعرض يملكها م.س كونجولينوس بالمدينة نفسها.
أما في القاهرة فلم يبدأ عرض الأفلام السينمائية إلا في أبريل 1900 في صالة قهوة سانتي بجوار الباب الشرقي لحديقة الأزبكية، بواسطة فرانشسكو بونفيلي وزوجته. وكانت أسعار الدخول تتراوح بين قرش واحد وثلاثة قروش، وأحدث ذلك العرض دهشة عظيمة ولقي نجاحاً كبيراً، مما نبه إلى عظم ما يمكن أن يدره الاستغلال السينمائي من أرباح. وهكذا بدأ تأسيس دور خاصة للعرض السينمائي. وشهد عام 1905 وجود ثلاثة دور للعرض في القاهرة. ويتألف جمهور السينما في ذلك الوقت أساساً من عامة الشعب، فضلاً عن التلاميذ، والطلاب الذين أقبلوا عليها لكونها تسلية رخيصة الثمن، علاوة على حداثة اختراعها. أما المثقفون والأوساط المحافظة فلم تبد عليها إقبالاً يذكر.
بدأ أول تصوير سينمائي مصري قامت به محلات عزر ودوريس بالإسكندرية عام 1907، وجرى التحميض والطبع في معاملها، وقامت بعرض باكورة إنتاجها بالإسكندرية.
تكونت عام 1917 بالإسكندرية شركة سيتشيا السينمائية الإيطالية، بهدف إنتاج أفلام روائية نظراً لاعتدال الطقس وسطوع الشمس معظم أوقات السنة، إذ لم تكن الإضاءة الصناعية قد تقدمت في ذلك الوقت، وقام بتمويل رأس المال بنك روما بمبلغ 20 ألف جنيه، وكان أول إنتاجها الفيلم الروائي القصير "نحو الهاوية".
وفي عام 1917 تكونت الشركة السينمائية المصرية بالإسكندرية، من مصور يدعى أمبرتو دوريس بالاشتراك مع بعض الإيطاليين، وبنك روما، وأنتجت فيلمين قصيرين هما الزهور المميتة وشرف البدوي. وعرض الفيلمان لأول مرة في عام 1918 بسينما سانت كلير في الإسكندرية. وقد أفلست الشركة بعد عرض الفيلمين بستة أشهر بسبب الخسارة الكبيرة التي تكبدتها بسببهما. وفي نفس العام أخرج لارتشي، فيلماً قصيراً باسم مدام لوريتا قامت بتمثيله فرقة فوزي الجزايرلي. وفي عام 1922 أقدمت فرقة فوزي منيب على تمثيل فيلم "الخاتم المسحور"، وقدمت في العام التالي فرقة علي الكسَّار فيلم "العمة الأمريكانية".
وفي عام 1920، فكر بعض رجال الأعمال المصريين، وفي مقدمتهم طلعت حرب في وضع حجر الأساس لبناء مصر الصناعية، فأسسوا بنك مصر برأسمال قدره 80 ألف جنيه. ومما لا شك فيه أن بنك مصر قام بدور فعّال في نشر سياسة التصنيع، وفي حث الأمة على الإقبال على الصناعة.
وتمّ إنتاج أول فيلم روائي طويل عام 1923، وهو فيلم "في بلاد توت عنخ آمون"، وكان تنفيذه وتصويره في مصر، وعرض بالخارج، ويحكي قصة اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، وبلغت تكاليف الفيلم 1900 جنيه، وتوالى بعد ذلك عرض الأفلام الروائية الطويلة المنتجة في مصر، فقد عرض فيلم "ليلى" من إنتاج عزيزة أمير في نوفمبر1927، وبلغت التكلفة الإجمالية حوالي ثلاثة آلاف جنيه، وقد عرض الفيلم بدار عرض سينما متروبول بالقاهرة.
تأسست شركة مصر للتمثيل والسينما عام 1925 برأسمال 15 ألف جنيه، بعد أن كانت قسماً للسينما تابعاً لشركة مصر للإعلانات كأحد شركات بنك مصر، الذي أسسه طلعت حرب ليكون ركناً من أركان النهضة الاقتصادية المصرية، وقد طالب في ذاك الوقت محمد كريم بتمصير صناعة السينما، وبضرورة إنشاء شركة قومية للسينما برأسمالٍ مصري.
وكانت نقطة التحول في هذه الصناعة، تشييد استوديو مصر عام 1934، حيث توالى إنتاج الأفلام المصرية، وكثر عدد المشتغلين في هذا الحقل الجديد. ويعتبر استوديو مصر المدرسة الأولى التي تخرَّج منها كافة العاملين في الحقل السينمائي. كما أرسى قواعد العمل السينمائي، ومثل مرحلة تطور هامة في تاريخ صناعة السينما وسحبها من أيدي الأجانب وتركيزها في يد المصريين، كما أرسلت بعثات السينمائيين المصريين للتدريب في الخارج ليكونوا نواة لهذه الصناعة.
وأنشأ يوسف وهبي أول استوديو أقامه فنان مصري، وفقاً لأحدث المواصفات الفنية، وهو استوديو رمسيس، وقد كان نجاح استوديو مصر حافزاً لإنشاء استوديوهات جلال ولاما بحدائق القبة، وناصيبيان بالفجالة، والأهرام بالجيزة، وتوجو مزراحي بالقاهرة والإسكندرية، واستوديو شبرا، كذلك أنشئ معمل بالظاهر للطبع والتحميض.
يكاد يجمع المشتغلون بالسينما في مصر على أن فيلم ليلى الذي أنتجته عزيزة أمير وعرض في 16 نوفمبر 1927 في دار سينما متروبول بالقاهرة، أول الأفلام المصرية الطويلة إنتاجاً. ذلك أنه على الرغم من أن فيلم "قبلة في الصحراء"، قد سبق فيلم ليلى في العرض، حيث عرض في أواخر فبراير 1927. إلا أنه قد تولى إنتاجه اثنان من الأجانب هما إبراهيم وبدر لاما اللذان وفدا على مصر من شيلي بأمريكا الجنوبية، ومعهما بعض الأموال، وأجهزة التصوير السينمائي، واستقرا في الإسكندرية حيث كونا شركة كوندور فيلم. وعلى أي حال فقد تعاقبت بعد ذلك المحاولات لإنتاج الأفلام الطويلة، وكثر المشتغلون بهذه الصناعة الوليدة من منتجين، وفنيين، وفنانين سواء من المصريين أو من الأجانب. ومع ذلك فلم يلبث إدخال الصوت في الأفلام في أواخر الثلاثينيات أن تمخض عن إصابة الصناعة المصرية الناشئة بخسارة فادحة، وإن لم يثبط ذلك من عزيمة السينمائيين المصريين الذين عمدوا إلى تحويل جهودهم نحو إنتاج الأفلام الناطقة ،ولكن عدم وجود أجهزة لتسجيل الصوت في مصر، وصعوبة استيرادها أدى إلى تسجيل الصوت في باريس، الأمر الذي كان يكبد المنتجين نفقات باهظة، وخاصة بسبب اضطرارهم إلى نقل معظم الفنانين والفنيين إلى هناك.
وتهيأت للمصريين منذ البداية، في منافسة الأفلام الأجنبية في الأسواق العربية، ميزة تولَّدت عن إدخال الصوت في صناعة الأفلام، ألا وهي نطق الأفلام المصرية باللغة العربية التي يتكلم بها سكان الشرق العربي قاطبة. وكان فيلم "أنشودة الفؤاد" الذي أنتجته شركة "النحاس فيلم" بالاشتراك مع "إخوان بهنا" أول الأفلام الناطقة. وسجل الصوت في استوديوهات جومونت بفرنسا، وعرض الفيلم في عام 1931. وتلاه فيلم "أولاد الذوات" الذي أخرجه محمد كريم لحساب يوسف وهبي، وسجل الصوت في استوديوهات توبيس كلانج في باريس. ولقي الفيلم الأخير نجاحاً كبيراً عند عرضه في سينما رويال في القاهرة. وأمعن المنتجون المصريون في تزويد أفلامهم بالأغاني، وهكذا أنتجت شركة بيضافون عام 1933، أول فيلم ظهر فيه الفنان محمد عبدالوهاب وهو "الوردة البيضاء"، فنجح نجاحاً كبيراً، وفي عام 1935 ظهرت أم كلثوم في باكورة أفلامها "وداد" الذي أنتجته شركة مصر للتمثيل والسينما.
وأنتج أول فيلم مصري - أجنبي مشترك عام 1933 مع شركة جومونت الفرنسية هو فيلم "ياقوت أفندي". وفي عام 1947 ظهر الإنتاج المشترك بين مصر والعراق بفيلم "القاهرة - بغداد"، وبالاشتراك مع إيطاليا عام 1950 بفيلم "الصقر".
وتعتبر مرحلة الأربعينيات مرحلة انتعاش الفيلم المصري، حيث ارتفع معدل الإنتاج السينمائي من تسعة أفلام في الموسم 38/1939 حتى وصل إلى 16 فيلماً في الموسم 44/1945، ويرجع ذلك نتيجة لدخول رؤوس أموال أغنياء الحرب العالمية الثانية، والحرب الكورية، إلى ميدان صناعة السينما مع زيادة القوة الشرائية في نفس الوقت لدى المواطنين والمترددين على دور العرض السينمائي. وارتفع متوسط إنتاج الأفلام في الفترة من عام 1945 إلى عام1951 من 20 - 50 فيلماً سنوياً، وبلغ عدد الأفلام المنتجة 241 فيلماً، أي نحو ثلاثة أضعاف الأفلام المصرية المنتجة منذ عام 1927. ووصل عدد دور العرض السينمائي إلى 244 داراً للعرض عام 1949، كما وصل عدد الاستوديوهات إلى 5 استوديوهات بها 11 ساحة للتصوير.