إن كيدهن عظيم
ما أذل الحجاجَ إلا هندُ
يروى أن هند بنت المهلب كانت من أجمل وأحسن نساء أهل زمانها فوصفت للحجاج فخطبها وأغلى صداقها وجعل مؤخر الصداق مائتي ألف درهم، وتزوجها وهي له كارهة وفي يوم دخل عليها فوجدها تمشط شعرها في المرآة وتقول :
وما هند إلا مهرة عربية سليـلة أفراس تحللـها بغـل
فإن ولدت فحلا فلله درها وإن ولدت بغلا فجاء به البغل
فلما سمع كلامها انصرف عنها دون أن تشعر به ثم أرسل إليها غلامه وقال له اذهب إلى هند وطلقها بكلمتين ولا تزد ، فإن زدت قطعت لسانك, وأعطها مؤخر صداقها فدخل عليها الغلام فسلم ثم قال : يقول لك الحجاج : كنت فبنت (أي كنت زوجة فأصبحت بائنا)، وهذه المائتا ألف درهم التي كانت لك عنده فتهلل وجهها وقالت : والله كنا فما حمدنا وبنا فما ندمنا وهذه المائتا ألف درهم هي لك ببشارتك بخلاصي من كلب ثقيف .
ولما علم أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان بخبرها ووصف له جمالها أرسل إليها خاطبا لنفسه فأرسلت إليه تقول لتعلم يا أمير المؤمنين أن مثلك لا يرد ولكن الإناء قد ولغ فيه الكلب فضحك وكتب إليها يقول : لا بأس إذا ولغ الكلب من إناء أحدكم فليغسله سبعا إحداهن بالتراب فلما قرأت الكتاب لم تستطع المخالفة .وكتبت إليه تقول : اعلم يا أمير المؤمنين أني لا أجري العقد إلا بشرط وشرطي : أن يقود الحجاج محملي حافي القدمين من المعرة إلى بلدك .
فلما قرأ عبد الملك بن مروان كتابها ضحك حتى استلقى ، وأرسل إلى الحجاج يأمره بذلك ، فلما قرأ الحجاج رسالة أمير المؤمنين امتثل للأمر وأرسل إلى هند يأمرها بالتجهز فتجهزت وركبت في محمل وركب حولها جواريها وخدمها والحجاج آخذ بزمام بعيرها فراحت تكشف الخباء وتضحك ومعها دايتها الهيفاء فنظر الحجاج إليها ثم أنشد يقول :
فإن تضحكي مني فيا طول ليلة تركتك فيها كالقباء المفرج
فأجابته بقولها :
وما نبالي إذا أرواحنا سلمت بما فقدناه من مال ومن نشـب
فالمال مكتسب والعز مرتجع إذا النفوس وقاها الله من عطب
ولم تزل تلعب وتضحك إلى أن دنت من بلد الخليفة فرمت دينارا على الأرض وقالت : يا جمال قال : نعم يا مولاتي قالت : إنه قد سقط منا درهم ، فادفعه إلينا فنظر إلى الأرض ثم قال : إنه دينار يامولاتي ، قالت : قلت لك درهم ، قال : بل دينار يا مولاتي ، فقالت هاته الحمد لله سقط منا درهم فعوضنا الله خيرا منه دينارا ، فخجل الحجاج وسكت ، ثم دخل بها على أمير المؤمنين فتزوج بها .
ساحة النقاش