دلائل الصدق في محبة الرسول صلى الله عليه وسلم


إن محبة الرسول -صلى الله علـيـه وسلم- أصل عظيم من أصول الدين، فلا إيمان لمن لم يكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين قال الله تعالى: {قل إن كان آباؤكم وأبـنـاؤكـم وإخــوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحـب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين}.

قال القاضي عياض في شرح الآية: (فكفى بهذا حضاً وتنبيهاً ودلالة وحجة على إلزام محبته، ووجوب فرضها، وعظم خطرها، واستحقاقه لها -صلى الله عليه وسلم-، إذ قرّع الله من كان ماله وأهله وولده أحـب إليه من الله ورسـوله وتوعدهم بقوله تعالى: (فتربصوا حتى يأتي الله بأمره)، ثم فسقهم بتمام الآية، وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله).

ولكن السؤال هنا: كم من الناس يدعي محبة النبي عليه الصلاة والسلام وهو كاذب في دعواه؟ ما أكثر المتشدقين بحبه المدعين تعظيمه وتوقيره في قلوبهم، ولكن هذه الدعواى لا تثبت عند تمحيصها وتنقيتها.
 
فمن هم المحبون حقا له صلى الله عليه وسلم؟ من هم أولى الناس بشفاعته يوم القيامة؟ من هم رفقاؤه في الجنة؟
 
إن أقواما من هذه الأمة يأتون يوم القيامة والآمال تحدوهم أن يلتقوا بالنبي الكريم وينالوا شفاعته ويشربوا من حوضه في يوم الحر الشديد، يوم القيامة فيطردون عنه ويبعدون والعياذ بالله.
 
واسمع إن شئت لما رواه البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَأَقُولُ: إِنَّهُمْ مِنِّي، فَيُقَالُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي).

إن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ليست مجرد كلمات ومدائح يتغنى بها المنشدون في الموالد والمناسبات من غير أن يكون لهذه الكلمات أي أثر من عمل واتباع لمن يزعم محبته وتعظيمه، ليس والله ذاك هديـَه ولا هدي أصحابه ولا من تبعهم بإحسان.
 
إن التقرب إلى الله وطلب مرضاته والاقتداء برسوله لا ينال بالرقص والطرب العابث، ولا بالترنيمات البدعية التي يزعم أصحابها أنهم محبوه صلوات الله وسلامه عليه.
 
إننا حين ندعو إلى الوسطية في إعطاء النبي الكريم صلى الله عليه وسلم المكانة اللائقة به من غير جفاء ولا غلو إننا حين ننادي بذلك فإنما نحن متبعون له لا مبتدعون. 

ولا يصح بأي حال أن يرمى من يدعو إلى ذلك بأنه لا يحب الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم _ فداه آباؤنا وأمهاتنا وأنفسنا وما نملك _ بل إن الداعي إلى الوسطية في ذلك هو المتبع بحق وصدق للنبي صلى الله عليه وسلم. روى البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا تُطروني كما أطرت النصارى ابن مـريـم إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله). 

وروى الإمام أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا مُحَمَّدُ يَا سَيِّدَنَا وَابْنَ سَيِّدِنَا وَخَيْرَنَا وَابْنَ خَيْرِنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِتَقْوَاكُمْ وَلَا يَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي الَّتِي أَنْزَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ).

ولقد لقد غلا بعض الناس في مدح النبي عليه السلام حتى أضفى عليه بعضهم صفات لا تجوز إلا في حق الله الكبير المتعال. كنسبة علم الغيب له والاستغاثة به من دون الله وربما سمعنا البعض وهو ينهض من مقامه يقول: يا سيدي يا رسول الله!! واعتقد بعضهم أن أمر الكون بيده!!كما قال البوصيري في قصيدته التي يمدح بها النبي عليه السلام كما زعم ونرى مع الأسف بعض المسلمين يرددها ويترنم بها يقول:
 
يا أكرم الرسل ما لي من ألوذ به           سواك عند حلول الحادث العمم
إن لم تكـن في معادي آخذاً بيدي           فضلاً وإلا فقل: يا زلة القـدم
فإن من جودك الدنيا وضرتَـها             ومن علومك علم اللوح والقلم

نعوذ بالله من سخطه وعقابه. من الذي بيده أمر الدنيا والآخرة؟ من يعلم الغيب سواه جل وتقدّس؟ (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله..) (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء).

وهذا أحد الشعراء الغلاة يستنجد ويستغيث بالرسول صلى الله عليه وسلم، يقول: 
يا سيدي يا رسول الله يا أملي              يا موئلي يا مـلاذ يوم تلقاني
فأنت أقرب من ترجى عواطفه            عندي وإن بعدت داري وأوطاني

ألم يعلم هذا المفتون بقول الله جل وعلا لرسوله المصطفى عليه الصلاة والسلام وهو رسوله ومجتباه: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ}.
 
ومن مقتضيات المحبة الصادقة له صلى الله عليه وسلم: أنه لا يجوز في أي حال من الأحوال أن يقدم قول أحد من البشر على قوله.
 
لما سئل ابن عباس في مسأله فأفتى بكلام النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له: لكنّ أبا بكر يقول كذا وعمر يقول كذا!! فغضب وقال (يوشك أن تنزل بكم حجارة من السماء أقول لكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون قال أبو بكر وعمر!!...) هذا في حق أبي بكر وعمر فكيف بمن جاء بعدهما؟! 

وقال الحميدي: (كنا عند الشافعي رحمه الله فأتاه رجل، فسأله في مسألة؟ فقال: قضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، فقال رجل للشافعي: ما تقول أنت؟! فقال: سبحان الله! أتراني في كنيسة! أتراني في بيعة! أترى على وسطي زنارا؟! أقول لك: قضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت تقول: ما تقول أنت؟!).

وقال شيخ الإسلام: (وليس لأحد أن ينصب للأمة شخصاً يدعو إلى طريقته، ويوالي ويعادي عليها، غير النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا يَنصِّب لهم كلاماً يوالي عليه ويعادي، غير كلام الله ورسوله وما اجتمعت عليه الأمة. بل هذا من فعل أهل البدع الذين ينصّبون لهم شخصاً أو كلاماً يفرقون به بين الأمة، يوالون به على ذلك الكلام أو تلك النسبة ويعادون).
 
ومن لوازم محبتة أن تكون محبته أحب إليك من نفسك ومالك. يقول الله تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) وروى البخاري عن أنس قال عليه السلام (لايؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين)

ومن لوازم محبته أيضا الشوق إليه حين يأتي ذكره، والحنينُ إلى لقياهُ والأنسِ برفقته في الجنة.
 
قال القاضي عياض: ذكر عن مالك أنه سئل عن أيوب السختياني؟ فقال: (ما حدثتكم عن أحد إلا وأيوب أوثق منه) وقال عنه مالك: (وحج حجتين، فكنت أرمقه، ولا أسمع منه، غير أنه كان إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بكى حتى أرحمـَه، فلما رأيت منه ما رأيت، وإجلاله للنبي صلى الله عليه وسلم كتبت عنه).
 
وذكر أبو نعيم في (حلية الأولياء) عن مالك قال عن محمد بن المنكدر -وكان سيد القراء-: (لا نكاد نسأله عن حديث أبدا إلا يبكي حتى نرحمه)

وجاء في (سير أعلام النبلاء) للإمام الذهبي عن الحسن البصري –رحمه الله- أنه كان إذا ذكر حديث حنين جذع يوم بكى على فراق النبي عليه السلام (الحديث في البخاري...) يقول: (يا معشر المسلمين، الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقا إلى لقائه؛ فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه). 

ومن لوازم محبته كثرة الصلاة عليه فقد حثنا ربنا على ذلك فقال " (إن الله وملائكته..) و قال صلى الله عليه وسلم: (البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي...) وقال: (رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل علي) وقال: (من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا) وقال (أكثروا من الصلاة والسلام علي ليلة الجمعة ويومها فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم).

اللهم صل عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.

المصدر: موقع صيد الفوائد

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

3,997,692