شذور الذهب بالدقهلية

* إذا نادى الهوى والعقل يوما * فصوت العقل أولى أن يجابا *

مـن أخلاق الـنـبـوة


الحمد لله الذي خلق كل شيء فأحسن خلقه وتربيته، وأدب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فأحسن تأديبه وزكى أوصافه وأخلاقه ثم اتخذه صفيه وحبيبه، ووفق للاقتداء من أراد تهذيبه، وحرم التخلق بأخلاقه من أراد تخييبه...

وصلى الله على سيدنا محمد سيد المرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلم كثيرا.

أما بعد، فإن آداب الظواهر عنوان آداب البواطن، وحركات الجوارح ثمرات الخواطر، والأعمال نتيجة الأخلاق والآداب رشح المعارف، وأنوار السرائر هي التي تشرف على الظواهر، فتزينها وتجليها وتبذل بالمحاسن مكارهها ومساوئها، ومن لم يخشع قلبه لم تخشع جوارحه ومن لم يكن صدره مشكاة للأنوار الإلهية لم يفض على ظاهره جمال الآداب النبوية.


كان خلقه القرآن

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير الضراعة والابتهال، دائم السؤال لله تعالى أن يزينه بمحاسن الآداب ومكارم الأخلاق.

فاستجاب الله دعاءه، فأنزل عليه القرآن وأدبه به فكان خلقه القرآن.

أخرج الإمام البخاري في كتاب الأدب في رواية عن سعد بن هشام قوله: " دخلتُ على عائشة وعلى أبيها فسألتها عن أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: أما تقرأ القرآن؟ قلت : بلى، قالت : كان خلقه القرآن وإنما أدبه القرآن بمثل قوله تعالى : "خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين" الأعراف، الآية 119.

وقوله : "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي" النحل، الآية90.

وقوله: "واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور" الشورى، الآية 43.

وقوله: "فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين" المائدة، الآية 13.

وقوله: "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" فصلت، الآية 34.

وقوله: "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين" آل عمران، الآية 134.

وقوله: "يأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا" الحجرات، الآية 12.

مشاهد من مكارم الأخلاق

وأمثال هذه التأديبات في القرآن كثيرة لا تحصر وهو عليه السلام المقصود الأول بالتأديب والتهذيب، ثم منه يشرق النور على كافة الخلق، فإنه أُدّب بالقرآن وأََََدّب الخلقَ به.

ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في رواية الإمام البخاري في الأدب: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" ثم رغب الخلق في محاسن الأخلاق ولما أكمل الله خلقه أثنى عليه وقال تعالى: "وإنك لعلى خلق عظيم" القلم، الآية 4.

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين لنا أن الله يحب مكارم الأخلاق ويبغض سفاسفها، قال علي رضي الله عنه : "يا عجبا لرجل مسلم يجيئه أخوه في حاجة فلا يرى نفسه للخير أهلا، لقد كان له أن يسارع إلى مكارم الأخلاق فإنها مما تدل على سبيل النجاة، فقال له رجل أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : نعم".

وخير منه لما أتى بسبايا طيء ووقفت جارية في السبي فقالت : يا محمد إن رأيت أن تخلي عني ولا تشمت بي أحياء العرب فإني بنت سيد قومي وإن أبي كان يحمي الدمار ـأي الحمى والديارـ ويفك العاني ويشبع الجائع ويطعم الطعام ويفشي السلام ولم يرد طالب حاجة قط، أنا ابنة حاتم الطائي، فقال صلى الله عليه وسلم : "يا جارية هذه صفات المؤمنين حقا، لو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه، خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق وإن الله يحب مكارم الأخلاق، فقام أبو ذر بن نيار فقال : يا رسول الله، آلله يحب مكارم الأخلاق ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : "والذي نفسي بيده لا يُدخِل الجنة إلا حسن الأخلاق" خرجه الحافظ العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء" ج2.

ومن مكرمة المكارم أن لاحصر لها

وللحافظ العراقي أيضا في تخريجه عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله حف الإسلام بمكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال".

هذه المكارم التي دعا إليها سيد العاملين وسيد المحسنين صلى الله عليه وسلم لا تحصى، بل تتعدد وتتنوع وتتجلى في خلق المؤمنين، كلما ترقوا في تقربهم إلى ربهم ومراقبتهم له في معاملتهم لعباده، ونود أن نمثل لها من غير حصر بهذه المكارم الجليلة:

حسن المعاملة وكرم الصنيعة ولين الجانب وبذل المعروف وإطعام الطعام وإفشاء السلام وعيادة المريض المسلم برا كان أم فاجرا وتشييع جنازته وتوقير ذي الشيبة المسلم . وحسن الجوار لمن جاورت مسلما كان أو كافرا والجود والكرم والسماحة والإصلاح بين الناس. وكظم الغيض والعفو عن الناس.

واجتناب ما حرم الإسلام من اللهو والباطل والغلبة والكذب والبخل والشح والجفاء والمكر والخديعة والنميمة وسوء ذات البين، وقطيعة الأرحام، وسوء الخلق، والتكبر والفخر، والاحتيال، والتطاول، والبذخ، والفحش، والتفحش والحقد والحسد والطيرة والبغي والعدوان والظلم...

كثيرة هي هذه الكنوز من الأخلاق، بل وحري بنا تلمسها وتتبع أثرها في سنة وسيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لنتشرف بالانتساب إليه بالعلم والعمل وبالحث على الاقتداء وإفشاء الفضيلة والمروءة بين أفراد المجتمع، لتتلاشى أنسجة عنكبوت المذلة والمهانة بتلاشي جذورها المشوهة للفطرة السليمة خلقا وعملا... وأزكى الصلاة والسلام على خير الأنام والآل والصحب الكرام وكل مسلم تزكى وتطهر من خبث اللئام...

 

ALBER

Alber

  • Currently 19/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 150 مشاهدة
نشرت فى 21 فبراير 2011 بواسطة ALBER

ساحة النقاش

شذور الذهب

ALBER
المنصورة »

تسجيل الدخول

ابحث

عدد زيارات الموقع

86,465