<!--
<!--<!--
السمارة : جمعية محلية تعنى بالموروث الثقافي الحساني تتألق خارج الوطن وداخله
إعداد : العربي الراي / تصوير : رشيد بيسموكن
في إطار السياسة العمومية الجديدة في المجال الثقافي، رفعت وزارة الثقافة شعار: " تعزيز الهوية المغربية وإبراز قوة المغرب الثقافي "، ووضعت لمقاربتها خمس دعائم ترمي إلى نهج ثقافة القرب من خلال تعميم البنيات والخدمات الثقافية والفنية، دعم ومواكبة الإبداع والمبدعين والعناية بأوضاعهم، ومرافقة الإبداع الشبابي، صيانة وحماية وتثمين التراث المادي واللامادي وإبراز الرصيد الحضاري المشرق لبلادنا، وجعله في خدمة ومتناول العموم، تنشيط الدبلوماسية الثقافية والسهر على تفعيل التعاون الثقافي الرامي إلى الحضور المتميز للمنتوج الثقافي والفني الوطني عبر العالم، اعتماد الحكامة وتعبئة الموارد المادية والبشرية لتجويد أداء ومردودية المرفق الثقافي بما يستجيب لحاجيات وتطلعات المواطنين، مع مراعاة البعدين المحلي والجهوي. فإنه ومنذ بداية شهر أبريل 2013 ، دأبت دار الثقافة سيدي أحمد الركيبي بالسمارة على تقديم عروض فنية مسرحية وموسيقية، ندوات وأشرطة سينمائية لفائدة جمهور من المثقفين والفعاليات النشيطة بالإقليم، تفاعلت معه الساكنة المحلية بأريحية كبيرة، أرخت بظلال الإيجاب على رصيده الثقافي الذي ساهمت في إثرائه المبادرة الأخيرة لوزارة الثقافة.
ومن بين ما تم عرضه فوق ركح قاعة المركز الثقافي، مُنَمنمَات فنية تقدمت بها جمعية السمارة للتراث والتنمية، تمثلت في عرض موسيقي حسَّاني نظمته مساء يوم الجمعة 12 أبريل 2013.
وبخصوص حصاد أنشطة الجمعية استقت المنعطف، من رئيسها السيد : محمد محمود بيلال، معلومات تفيد بأن الجمعية، اشتغلت منذ التأسيس على محاور رئيسية يذكر منها على سبيل المثال تنظيم مهرجانات ولقاءات وندوات حول التراث والموسيقى الصحراوية، المشاركة في المناسبات والمهرجانات المحلية والجهوية والوطنية والدولية، خلق أنشطة مدرة للدخل لفائدة منخرطي الجمعية وذويهم.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، ولوضع اللون الفني الذي تباشره الجمعية في خانته الطبيعية ، فلا غرو في ربطه بمجاله القديم والحديث، واصطباغه بمحليات وجهويات بلاد الصحراء.
فقديما قال الفيلسوف اليوناني أرسطو : " من حزن فليسمع الأصوات الحسنة، فإن النفس إذا حزنت خمدت نارها، فإذا سمعت ما يُطربها ويَسُرُّها اشتعل منها ما خَمد " . وحسب الباحث في ثقافة الصحراء الأستاذ إبراهيم الحيسن، فإذا كان التراث الموسيقي والغنائي هو المخزون الثقافي للشعب، والمادة الثقافية الحيوية التي تعكس بصدق أحواله، من خلال الفترات التاريخية التي مر بها، فإن الموسيقى تُعد تعبيرا رمزيا من تمثلات الإنسان، وتصوراته لذاته وللعالم من حوله. وهي بذلك أكثر الظواهر الثقافية قِدَما ورُسوخا في المجتمعات الإنسانية.
وقد بيَّن العديد من الأنتربولوجين والفلكلوريين كيف أن الفنون الموسيقية تعبر بوجودها عن المحتوى الاجتماعي وطاقات الإبداع فيه، يتعدى تأثيرها الجمالي ليستوعب الواقع الاجتماعي والنفسي بشكل شمولي، متكامل وهادف. وهي تعكس واقعا اجتماعيا، وتقدِّم وعيا جماعيا، وتمثل سجلا حيا يكشف عن طبيعة الأفراد، وقواعد سلوكهم وأنماط حياتهم العملية والفكرية والشعورية.
إن المتتبع للفنون القولية بالصحراء سيقف على حقيقة مؤداها أن الموسيقى التقليدية الحسانية مجال متعدد العناصر والمكونات والدلالات، وإبداع إنساني يتكئ على اختصاصات متنوعة تجمع بين الكلمة والحركة والفضاء والجسد والإيقاعات والأنغام. فهي إبداع عريق له مكانته بين أنواع موسيقى الشعوب. وتمتلك تراثا فنيا واسعا أثار اهتمام العديد من الباحثين الأجانب كبول مارتي ، والباحث غابريل فرال الذي خصص لها كتابا مرجعيا بعنوان : " دف الرمال "
فالحسانيون يطلقون على الغناء والعزف والموسيقى لفظ : " الهول " و " التهاويل " ومفردها : " تهويل "، فيقصد بها ما يثير انتباه الإنسان ويحيره، والتهاويل أيضا زينة التصاوير والنقوش الموجودة على الهودج من صوف ملون. ويرتبط الهول في ثقافة البيضان بالمطربين أكثر من ارتباطه بالشعراء، ويقال : نهول، يتنهول، أي غنى ويغني، ويطرب ويعزف على آلات موسيقية إيقاعية كالطبل ، هوائية ونفخية كالنيفارة، وهي الناي في قاموس الموسيقى، ووترية كالأردين والتِّيدِنيت.
يسمى الغناء والعزف على هذه الآلات لدى العامة بالهول نظرا لتأثيره على النفوس السامعين، فيتأوهون على الأيام الخوالي، والذكريات الفائتة التي قضوها ببادية الصحراء الجميلة بهوائها النقي وإبلها الناعمة والمكتنزة، ومراعيها الحصبة وخيامها الشامخة شموخ أهلها. ويكون الـتأوه أيضا – يكتب الحيسن- في مؤلفه : إثنوغرافيا الكلام- أيضا لأجل الشوق والحنين والحسرة والخوف من حتمية القدر والمصير.
ونظرا لمكانته الكبيرة في حياة البيضان ومجتمع الصحراء، تعددت أنماط الغناء التقليدي الحساني، حيث اشتملت على :
أ- غناء العمل
ب- غناء البحارة والحواثين
ت- غناء الحرفيين والصناع التقليديين
ث- الغنائي النسائي بصناعة الخيام وتناول " وَنْكالَ " ( وهي وليمة جماعية من اختصاص النساء تذبح فيها ذبيحة على شرف الأصدقاء.
ج- الغناء الموجه للأطفال
ح- الغناء في بادية الصحراء:
- طقوس الغناء اليومي ( المسامرات الليلية الاعتيادية )
- الغناء من خلال الاحتفاليات الاجتماعية: الولادة، الختان، الزواج...
واشتغالا على هذه التلاوين الجمالية من فن الطرب والغناء، برزت في المجتمع البيضاني منذ الجد الأكبر حسان......، فئة تحترف هذا الفن وتعتاش منه. يطلق عليه الحسانيون اسم : " الإيكَّاوَن أو الزَّفانون، ويُعَدُّ غناؤهم أو هَوْلـُهُم نزعة تصوفية وطقسا لا مَحيد عنه لإحياء الأعياد والأعراس والمناسبات الدينية، كعاشوراء والمولد النبوي الشريف، ومختلف مظاهر الأفراح الاجتماعية كالولادة والختان والزفاف، والمسامرات الليلية والرقصات الفردية والجماعية.
كما اشتهر محترفو الموسيقى من الإيكاون بالمديح وحفظ الأمجاد وإثارة الحماس، وممارسة الهجاء والرقص والطرب. حيث ارتبطوا منذ بدايتهم بأمراء بني حسان، الذين كانوا يغدقون عليهم بالهدايا والعطايا، ينالونها بالتملق حينا، وبالتهديد حينا آخر.
والبيضان على مر تاريخهم يتفادون انتقادات الإيكاون اللاذعة، ولا يردون لهم طلبا، حتى أنه يروى أن أحد الأمراء ( تاحكانت) في موريتانيا أصيب في إحدى المعارك في يده، ولم يستطع الأطباء الأطباء الشعبويون علاجها، فتعفنت، وهم مطببوه بقطعها حفاظا على حياته ، فرفض وآثر الإبقاء على يده. الأمر الذي جعل المهتمين بصحة الأمير إلى الاستعانة بالإكاون الذين أمطروه مدحا، الذين تنازلوا عن تعويضاتهم مقابل حصولهم على يد الأمير المريضة. فنالوا ما سألوا والأمير في قرارة نفسه تقطعه الحسرة والأسى.
فاعتبارا للمكانة المرموقة التي يحظى بها المطربون داخل المجتمع الصحراوي، ولدى المشايخ والأمراء، فهم مجموعة مدللة في الصحراء، لا ينزلون بخيام أحد الصحراويين إلا وأنزلهم مقاما رفيعا، وردهم محملين بالهدايا، من البنادق والجمال والملابس والخيام، والإماء والخدم. كيف لا وهم لسان حال القبيلة ووسائل إعلامها لدى القبائل الأخرى، المبجلون والمحترمون أينما هلوا وارتحلوا...
وإنه ارتكازا على مؤلف " اثنوغرافيا الكلام، الشفافية ومأثورات القول الحساني" لصاحبه إبراهيم الحيسن، فالمطربون حين يحلون بمضارب الخيام، فإن حالة الطوارئ تعلن مباشرة قبيل وصولهم بساعات، فلا يرى المطرب إلا كل حسن، ولا يظهر له الناس إلا كل جميل من القيافة والضيافة وأدب الأسرة وحشمتها، وزينة البنات وأدبهن، وحسن تقديمهن للطعام والشاي، ليستمر الوضع كما هو عليه إلى حين رحيل المطرب عن المخيم، مشيعا إلى خارج الخيام بعد الإلحاح على طلب بقائه مدة أكثر في ضيافتهم.
وختاما، وجمعية السمارة للتراث والتنمية إذ تسعى إلى إحياء الموروث الثقافي الجهوي، وعصرنته وتنميطه وفق الاستراتيجيات العامة التي تنهجها وزارة الثقافة، فالإبداع في المجال يبقى ضامنا لقوته بتوافر رغبة مريديه وسديد مرامي الأهداف المسطرة في قانونها الأساسي.
ساحة النقاش