إعداد : العربي الراي/ مدون بالصحافة الإلكترونية ورئيس جمعية آفاق للمقاولة والتنمية
التاريخ يعيد نفسه في جدِيدِ حُللِهِ وأبهَاها بالحَاضرَة الرُّوحية وَالعِلميةِ للأقاليم الجنوبيَة - مَدينةِ السمارة الفيْحَاء - ، وَتستحِمُّ ساكنتها سُلالة المُرابطين بماء النهر مرَّتين، وتستعِيد
أمجَاد أسلافها الأشاوس - رُوَّاد العلم والمعرفة - من أمثال : الطـَّود الأشمِّ الشيخ : سيدي أحمد الركيبي، والهَرَم
الشامخ الشيخ : سيدي أحمد العروصي، والعَلـَم البارز الشيخ : ماء العينين، والوَرع الطاهرالشيخ : سيدي أحمد
أوموسى، والتقي المعلم الشيخ : الحاج أحمر اللحية، والشيخ المغوَار: عبد الله موسى، الذين جمعوا بين الحُسْنـَيَيْن : المعرفة والبيان، وأبجديَّات الكـَرِّ والفرِّ ومُناهضة الاستعمار الغربيِّ. الفطاحِلة البَوَاسِل الذين ذاع صَيتهم في مشارق الأرض ومغاربها، ومن شمال البسيطة إلى جنوبها. الأفداد الذين حجَّت إلى زواياهم ومدارسهم العتيقة جحافل من الطلاب الذين شدُّوا الرحال إليها قادمين من كل فـجٍّ عميق.
والسمارة إذ تحتفي اليوم بعُرسها العلميِّ المتميز في ربرطوار أمجادها المتراكِمة، فإنه حَان الوقت لترديد ضُيوفها من طلبة الداخل والخارج المقولة الشهيرَة المنقوشة عند مدخل المدينة :" سأتحمل كل شيء، سأنام في أي مكان، هدف واحد الوصول إلى السمارة " للرَّحالة الفرنسي : " ميشال فيوشانج" ، العبارة التي نبس بهام منطوقه في الفاتح من نونبر سنة 1930 <!--
المقولة الشهيرة للرحالة الفرنسي " ميشال فيوشانج "
الفاعل الجمعوي السيد : العظمي في كلمة لميكرفون قناة الأولى
فمدينة السمارة اعتـُبرَت مُنذ ذلكم الحين ملتقى للراغبين في الدرس والتحصيل، لما لعِبته على مستوى المنطقة الجنوبية خاصة من إشعاع
كبير، ودول مناطق الجوار كموريتانيا ومالي والنيجر والسينغال ودول المغرب العربي الكبير بصفة عامة، وهاهي ذي الساعة على موعد مع التاريخ وهي تنفتح مرة أخرى على هذه البقاع، وتفتح كليتـُها أبوابَها في وجه الطلبة الوافدين من كافة أنحاء المعمور، وتـوفر لهم بكرم حاتمي مجبولة عليه منذ الأزل، ظروف إقامة ودراسة وراحة مناسبة، وتخصصات تـُعَدُّ الأولى من نوعها على المستوى الوطني وعلى صعيد المغرب العربي.
الدكتور الفاضل : العلامة الفذ محمد الروكي رئيس جامعة القرويين بفاس
العربي الراي مدون الصحافة الإلكترونية ورئيس جمعية آفاق للمقاولة والتنمية في حوار مع رئيس مصلحة شؤون الطلبة الأستاذ الفاضل : مولاي المهدي عوبا
العربي الراي مدون الصحافة الإلكترونية ورئيس جمعية آفاق للمقاولة والتنمية في حوار مع رئيس جامعة القرويين العلامة العلم الدكتور : محمد الروكي
جمهور من الطالبات والطلبة يتابعون الدرس الافتتاحي بمقر الكلية
السيد : سيد أمو الشرفي والدعاء الصالح للسدة العالية بالله بالنصر والسؤدد والتوفيق لمسيرة كلية العلةوم الشرعية ولكل من أبلى البلاء الحسن في تنزيل مشروعها
الوفد الرسمي يتفقد عن قرب مرافق الكلية
جانب من الحضور يتابع أطوار الجلسة الافتتاحية
يَتـَوهَّجُ وَميض تاريخ السمارة من جديدٍ، وتحققُ مدينة الشرفاءِ والصالحين وأقطاب الوعظِ والإرشادِ والراسخين في علوم القرآن والفقهِ والشريعةِ الإسلامية السمحاء، حُلمها المنشود الذي ناضلت وثابرت من أجل مناله أصواتٌ متباينة المشارب من أبناء الحاضرة والفعاليات النشيطة من ساكنتها، لمْ يُكتـَبْ لنداءاتِهم أن تبقى مجرد صيحات في واد... الصيحات التي استجاب لها الاهتمام الملكي السامي الذي يوليه حفظه الله للأقاليم الجنوبية ولساكنتها المشمولة بالعطف المولوي على امتداد العصور والأجيال عامة، وعلى عهد جلالة الملك محمد السادس نصره الله على وجه الخصوص. وذلك بإحداث كلية للعلوم الشرعية بالسمارة، وإعطاء الانطلاقة الرسمية للدروس الجامعية بها برسم الموسم الجامعي : 2012/2013 .
تنفيذا لمخططات الدولة الرَّامية إلى تنزيل مقاربة اللامركزية الإدارية وتفعيل الجهوية، جاء إحداث كلية العلوم الشرعية بالسمارة في السِّياق ذاتِه، مُراعاة لتقريب المؤسسات العلمية الجامعية من المواطنين، وتيسير ظروف الالتحاق برحاب الجامعةِ، علما أن الطلبة المنحدرين من الأقاليم الجنوبية وخصوصا منها السمارة كانوا يُعانون الأمَرَّيْن في ترددهم على الجامعات صعودا جهة الشمال، تتمثل في صعوبة حصولهم على مأذونيات السفر ذهابا وإيابا من وإلى السمارة، وتفويت الفرصة عليهم حين تأخرهم عن موعد المحاضرات والاختبارات، والذي تتشدد في تطبيق بنوده الزجرية قوانين الإصلاح الجامعي الجديد التي يعتبرها الطلبة المتضررون مُجحفة، والتي لا تلائم في كـُلـِّيتها الحريات التي يتمتع بها طلبة بقية أمم القرية الكونية المنسجمة مع الرغبات والطموحات، والمبسِّطة لسُبل التحصيل المَعرفي، والمُتماشِية مع النـَّسق العامِّ للتكنولوجياتِ الحديثة، عبرَ الدراسَة عن بعد بواسطة الإنترنيت إلخ...
وقد أشرف على مراسيم الافتتاح وفدٌ رفيعُ المستوى يتكون من السادة :
- والي جهة كلميم السمارة، مدير وكالة الجنوب، العامل الإقليمي، الجنرال دكوردارمي قائد الحامية العسكرية والموقع العسكري وشبه القطاع، وبقية الشخصيات المرافقة...
ولترسيخ جسور التواصل وربط الماضي بالحاضر، شاءَت الإرادة الملكية الشريفة أن تأذنَ بإحداث فرع لجامعة القرويين يُشيَّدُ فوق تراب مدينة السمارة، كمنار جامعيٍّ يسعىَ إلى تخريج دُفعاتٍ من الأكاديميين العلماء المتمكنين من علوم الشريعة الإسلامية، وعلوم اللغة العربية واللغات العالمية الحية، في إطار مرتبط ارتباطا وثيقا بالمرجعية الدينيةِ السُّنـِّية المغربيةِ وفق المذهب المالكي، ومتشبع بالثوابت الوطنية وما يدورُ في فلكها من تمسكٍ راسخ بالهويَّة المغربية ودفاعٍ عن الوحدة الترابية للمملكة، وصيانةٍ لمقدساتها، وتطوير للمقومات الحضارية للمغرب، القائمةِ أساسا على الوَسَطيَّة والاعتدال ودَرءِ التطرُّف والعنف، والانفتاح المقنـَّن على ثقافات وحضارات بقية الشعوب مع مراعاة خصوصيات قطرهم واحترام متبادل لعقائدهم وعاداتهم وتقاليدهم وثقافاتهم.
بعد تنصيب عميد كلية العلوم الشرعية بالسمارة السيد : العربي البوهالي، وانطلاق الجلسة الافتتاحية بحضور الوفد الرسمي، أوضح رئيسُ جامعة القرويين الدكتور : محمد الروكي، أن إحداث الكلية من صَنيع الرَّغبة الملكية السَّامية، كفرعٍ فـَنـَنٍ من جامعة القرويين، لتلتحقَ برَكب بَاقةِ الكليات التابعة لجامعة القرويين العتيقة بفاس، التي تـُعَدُّ أوَّل وأقدَم جَامعة أنشِئت في تاريخ العالم، بُنيت كمُؤسسة تعليمِية مُلحَقة بجامع القرويين الذِي وَضعت أسُسَ بنائِه السيدة الفاضلة : فاطمة الفهرية، بنت محمد الفهري عام 245 ه الموافق لـ : م 859. وَحَسَبَ ما أقرت به موسوعة كتاب جينيس للأرقام القياسية، فإن الجامعة تم احتسابها من أقدم الجمعيات العالمية التي لا تـَزال يُدَرَّسُ بهَا إلى الآن.
ومن العلماء الذين أقاموا بفاس ودَرَّسوا بجامعتها المشهورة العلامَة العربي : ابن خلدون – المؤرخ والمؤسس لعلم الاجتماع - ، وابن عربي - الفيلسوف الحكيم - ، ولسان الدين بن الخطيب إلخ...
وفي كلمة خصَّ بها المنابر الإعلامية المحلية والجهوية والمركزية الوطنية، أشار الدكتور : محمد الروكي إلى أن هذه الكلية ستساهم لا محالة في الدفع بعجلة تنمية المنطقة ككل، من شأنها أن تعيد للسمارة إشعاعها العلمي والمعرفي الذي عرفت به منذ الأزمنة الماضية، وتسترجع همم رجالاتها الوطنية، وما لعبته من جليل الأدوار في مقاومة المعمِّر الفرنسي والإسباني، المتشبتين بالبيعة الشرعية وبالإخلاص للعرش العلوي المجيد.
من جهته، اعتبر عميد كلية العلوم الشرعية بالسمارة السيد : العربي البوهالي، أن تدشين المقر الرئيسي للكلية كفيل باستيعاب التصور الطموح الذي صُمِّمَ لكليةٍ تـَحظى بامتيازات فريدة شِيء لها أن تنشأ بالعاصمة العلمية للأقاليم الصحراوية. مشروع كهَذا من المنتظر أن يَستوعِبَ كمًّا هائلا من الطالبات والطلبة أبناء المنطقة، وَالاستفادة من تخصصاتها الشرعية في مُختلف الشعب،هي بالتالي مُؤهلة لكي تـُقدم الدرُوس والمحاضرات للطلبة وفق المنهجية الجامعية وقواعد البحثِ المعمول بها والمعلومَة أكادِيميا، عَبرَ بَرَامج وَفقراتٍ مُعَدَّةٍ من طرف الجامعة ومُصادق عليها من طرف السلطات الوصية. وجدير بالذكر - يضيف السيد العميد - أن الكلية عرفت إقبالا ملحوظا من طرف أبناء الأقاليم الجنوبية.
كما أعرب السيد العميد عن كبير تفاؤله في إمكانية انخراط ومشاركة الكلية في البحث العلمي، فيما يتعلق بالتخصُّصَات الشرعية. الأمر الذي يَستلزم معَه أن تكونَ للكليةِ مجلة تحمل مشروعَها وأبحَاثها العلمية المُنجَزة، هذا مع إبرامِها شراكاتٍ مع جامعاتِ مغربية وعربية وإسلامية، والتي تتقاطع مع الكلية من حيث التخصصاتُ والأهدافُ. استراتيجية كهاته تتطلب – على حدِّ قوله - تظافر الجهود ومساعي التعاون كل من موقعه رغبة في جني الثمار في أدنى أجل مسمى.
وتثمينا منه للقفزة النوعية التي أضحت تشهدها جهة كلميم السمارة، من خلال انطلاق أول موسم جامعي بمدينة كلميم – بوابة الصحراء - عبر افتتاح كلية الحقوق : شعبة الاقتصاد والتدبير، تعقبها مباشرة الانطلاقة الفعلية الميمونة والرسمية لكلية العلوم الشرعية وللموسم الجامعي بالحاضرة الروحية والعلمية للأقاليم الجنوبية الصحراوية – مدينة السمارة الفيحاء - ، أشار والي جهة كلميم السمارة السيد : عبد الفتاح البجيوي في معرض كلمته إلى التميز الذي أضحت تـَتـَّسم به الجهة نتيجة خلق مثل هذه البنية التربوية الخاصة بالتعليم العالي التي كانت في السابق مجرد حلم بعيد المنال قد يتحقق وقد لا يتحقق.
كما أبدى السيد الوالي استعدادا قويا للوقوف إلى جانب القائمين على شؤون الكلية، بتقديم الدعم المادي والمعنوي، والتعاون مع السيد العامل الإقليمي : محمد سالم الصبتي، الذي بذل قصارى جهده في بلورة تسريع وتيرة أجرأة المشروع العلمي الكبير بالسمارة، المتمثل في خلق نواة جامعية بها.
واعتبر المسؤول الكبير السيد: عبد الفتاح البيجوي، أن إشعاع الكلية ليس حكرا على الإقليم والجهة داخل مجموع التراب الوطني، بل هو كذلك إشعاعٌ جهوي بالنسبة لدول الجوار، يُحَلـِّقُ بعيدا بالمملكة في سماء آفاقها المغربية الإفريقية الكبرى.
ووعيا منه بأهمية المناسبة، اعتبر السيد : محمد سالم بابوزيد - رئيس المجلس العلمي - ، في كلمة باسم الفعاليات المحلية، جاء في سياق تكريم أسلاف المدينة ورجالها وأقطاب منابرها العلمية والروحية، الذين استماتوا وضحوا بأرواحهم من أجل الوطن، والحفاظ على حوزتة المجالية من الغارات الأجنبية والمطامع الاستعمارية، إتماما لمسيرة الألف ميل العلمية للإقليم التي بدأ خطواتها الأولى، وتقلد شرَفَ حَمل مِشعلها مرة أخرى حفدة الأجداد من أبناء المنطقة.
وفي كلمة خص بها الصحافة، صرح الطالب : عبد الله بابا، بأن دفعته التي تضم طلبة محليين وآخرين من مدن مجاورة كطانطان وآسا وكلميم والعيون الخ... ، ستستفيد من أول تخرج من هذه الكلية، التي كانت إلى عهد قريب مجرد فكرة مشروع مرقون بحبر أسود على ورق أبيض صقيل، والتي تحولت من حلم إلى واقع. كما ذكر أنه من المحتمل لاحقا - وكما أدلى به السيد عميد الكلية - التسجيل بسلك الماستر والدكتوراه في أفق السنوات القليلة المقبلة، والذي سَيُفتـَح في وجه الجميع، مع أسبقيَّةٍ للمحليين من الطالبات والطلبة.
ورغم الافتتاح الذي تمَّ مؤقتا بدار الشباب حي السلام، فإن ذلك لن يُثنيَ رواد الكلية عن متابعة دروسهم ومحاضراتهم في جو متوازن، إلى حين استكمال بناء المقر الرئيسي للكلية.
وختاما أفاد رئيس مصلحة الشؤون الطلابية بكلية العلوم الشرعية بالسمارة، الأستاذ : مولاي المهدي عوبا، رجال الصحافة بأن إحداث الكلية ليس من قبيل الصدفة أو الارتجال، بل هو مطلب أسرَفت الساكنة المحلية في المطالبة به منذ ما ينيف عن الأكثر من عقدين من الزمن. رفعته تِبَاعا إلى الجهات المختصة وإلى السدة العالية بالله الراحل الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، المهندس الاجتماعي اللامع والدبلوماسي المحنك واللبيب العبقري الحكيم، الذي قرر سنة : 1991 إحداث هذه الكلية، والتي تم تأجيلها لاعتبارات عدة إلى السنة الجارية.
ويضيف ذ عوبا أن ميلاد خلية جامعية ككلية العلوم الشرعية بالسمارة، يُعتبرُ بوَّابة فـُتِحَت على مصراعيها في وجه عُموم طلبة الأقاليم الجنوبية، ودول الساحل الإفريقي وشعوب جنوب الصحراء، والدول المغاربية الشقيقة، وقيمة مضافة ستجلب للمنطقة مزيدا من الامتيازات، ستؤثر أكيدا بالإيجاب على نمط سيرورتها السوسيو- اقتصادية ، وعلى علاقاتها الدبلوماسية، وخصوصا وأن اختصار الزمان وتقليص المسافات، سَيُرْخي بظلال النـَّفع العَامِّ على كل المستفيدين من خدَمَات الكلية، لا سِيما وأن يُسْرَ تبديد تنافر العادات والتقاليد يبدو مُمكنا في ظل التقارب الجَغرافي وَتشابُه العادات والتقاليد، شاء الأستاذ عوبا إلا أن يصنفها ضمن الدبلوماسية الطلابية التي ربما قد تثمر رؤساء دول ووزراء حكومات من خريجات وخريجي كلية العلوم الشرعية بالسمارة.
والسمارة ساكنة وسلطات محلية ومجالس منتخبة وفعاليات جمعوية ومؤسسات وهيئات ومنظمات، مدعوة من قبل أي وقت مضى إلى إعمال فعلي وأجرأة فورية لضوابط الحكامة الجيدة، والديموقراطية التشاركية والدبلوماسية الموازية، لكسب رهان المستقبل والمضي بالحاضرة الروحية والعلمية للأقاليم الصحراوية المغربية إلى مصاف المدن الرائدة.
ساحة النقاش