العربي الراي: كتاب المقاومة الصحراوية والعمل الوطني جرة قلـم لن تغير حقائق التاريخ
<!-- / icon and title --><!-- message -->
لا يتصور المرء ما لوقع جرة قلم أن تحدثه في منظومة حياة الأمم والشعوب والأفراد والجماعات، وما من شأنه أن تذكيه من نيران الفتنة والنعرات القبلية والصراعات المجانية، وما من شأنه أن يصلح فسادا أو يفسد صلاحا، أو يعكر أجواء، أو يزرع طمأنينة وسكينة في النفوس، أو يشتت أو يجمع شملا، ويقف متفرجا على خراب المضارب والخيام وهي تشتعل نارا ولهيبا، كما فعلت سادية نيرون وهو يتفرج على احتراق روما...
كتاب " المقاومة الصحراوية والعمل الوطني" لمؤلفه الدكتور علي العمري نزل كالصاعقة على أم رأس الأطراف الصحراوية المغربية التي استنفرت عن بكرة أبيها من هول ما انحشر بين دفتي الكتاب ، التي أثارت حفيظة كل الغيورين على تاريخ الصحراء وأعلامها الشوامخ الذين فاضت أرواحهم على ملة العقيدة المحمدية وعلى حب وطنهم وملوكهم العلويين. والذين أمسوا مثلا يحتدى به، ومرجعية ثرة لأجيال جيل الحرية والاستقلال وما بعد المسيرة الخضراء، هؤلاء الأشاوس الذين ضحوا بالغالي والنفيس في سبيل وطنهم واستقراره...
وبتفجيره لقنبلة تصريحات قيدوم الاستقلال بالصحراء لاراباس حول الكتاب الذي ألغى الدور الريادي لطود الصحراء وقطبها الأول الشيخ ماء العينين الذي ربطته بالسلاطين العلويين أواصر البيعة والولاء، فإن التاريخ شاهد على صدق وطنية أهرام الصحراء ورموز وحدتها الترابية وقادة المقاومة بربوعها. ورجوعا بعقارب الساعة إلى بداية القرن العشرين نجد أنه في سنة 1906 انعقد مؤتمر الجزيرة الخضراء الذي كرس الاتفاقيات السرية والعلنية ، أي تقسيم المناطق المغربية إلى مناطق أسبانية وفرنسية ، وتأسيس بنك الدولة وتقنين نظام الجمارك لصالح الرأسمالية الأوربية . وفي هذه الظروف فشلت زيارات الشيخ ماء العينين إلى السلطة المركزية بالشمال وفشلت جهوده أيضاً من أجل فك حصار التسليح الذي فرضه عليه الإسبان والفرنسيون . وهنا يتجلى بجلاء لا غبار عليه الحس الوطني الكبير لدى المرحوم الشيخ ماء العينين، عكس ما ادعى المؤلف في كتابه – الفتنة- الذي يذكرنا بكتاب: آيات شيطانية لسليمان رشدي الذي أقام الدنيا ولم يقعدها، وأسال الكثير من المداد...
كما نلافي أنه في سنة 1907 اعترضت قوات الفرنسيين والإسبان قافلة محملة بالأسلحة موجهة من طرفاية إلى الشيخ ماء العينين فصادرتها ، وفي سنة 1910 فرض اتفاق على السلطة المركزية بمنع تهريب الأسلحة بشكل نهائي إلى المقاومة الصحراوية بقيادة الشيخ ماء العينين. إن الشيخ ماء العينين الذي ينتمي إلى قبيلة أدرار المغربية الصنهاجية التي تنتسب إلى إدريس الأول، والذي أسس أوّل مقاومة مسلحة للاحتلال الأجنبي تحت شعار الجهاد الإسلامي، كان يرى نفسه وكافة الصحراويين أضعف من أن يواجهوا وحدهم الغزو الإسباني والفرنسي ، ولذلك كانت قناعته أكيدة بضرورة الاستعانة بالسلطة المركزية ولذلك أعلن بيعته سنة 1894 للسلطان الحسن الأول .
وبعد عدة رحلات قام بها الشيخ ماء العينين إلى السلطان ، وجهود مكثفة استطاع أن يحصل منه على تفويض بقيادة القبائل في اتجاه الحرب . وإذاك دعا ماء العينين إلى تحالف قبلي في مدينة السمارة من أجل المقاومة .وفي خريف 1905 التقى في السمارة حيث مول السلطان الحسن الأول مشروع بناء زاويته، كل القبائل بحضور بعثة رسمية تمثل السلطان من فاس ، وتعاهد الجميع على المقاومة :
قبائل الداخلة ووادي الذهب (أولاد دليم ، العروسيون ، أولاد تيدرارين ، الرقيبات) .
وقبائل جنوب أدرار ( أولاد أموني ، أولاد أكثر ، أولاد شيلان ، الطرشان ، سماديد ، أيد
وقبائل شمانة (الترارزة ، أولاد بيري ، أهل بارك الله الخ...)
وقبائل التكنة (ازرقيين ، آيت لحسن الخ...)
وابتداء من سنة 1908 بدأت المقاومة المسلحة التي حققت انتصارات متوالية على جيش نظامي عصري متطور التدريب والتسليح ، ليس له من نقطة ضعف سوى جهله بالمنطقة التي يقاتل فيها واستطاع الشيخ ماء العينين أن يحكم قبضته على الساقية والوادي ، ثم بدأ الزحف نحو الشمال إلى "تادلا" ليواجه قوات الجنرال موانيي عام 1910 في أكبر معركة واجهت الغرب منذ دخوله المنطقة ، ولكن الهزيمة كانت من نصيب الشيخ ماء العينين الذي كان برغم شجاعته وشجاعة جنوده واستماتتهم يقاتل ضـد تيار جارف لا يمكن رده نظراً لانهيار الجيش المغربي النظامي الرسمي واتفاق دول أوربا على تسليم المغرب إلى الغزاة الجدد .
ثم بعد وفاته عقب الهزيمة ، قام بعده ابنه أحمد الهيبة وأعاد تنظيم المقاومة وزحف مرة أخرى إلى الشمال واحتل مدينة مراكش وتمركز في مدينة بن جرير ، ولكنه تراجع أمام القوات الفرنسية الهائلة .
وبمقتضى عقد الحماية وقع الاتفاق بين الإسبان والفرنسيين والمملكة المغربية على أن يكون للملك خليفة في مناطق النفوذ الأسباني ، وعين بمقتضى ذلك الأمير المهدي بن إسماعيل بظهير سلطاني يوم 14 مايو 1913 ، ثم أخذ الخليفة السلطاني يعين نوابا عنه في مناطق النفوذ الأسباني ، فعين في راس جوبي سالك بن عبد الله بظهير خليفي بتاريخ 22/12/1917 ، وعين محمد الأغضف بن الشيخ ماء العينين على أفني بظهير خليفي بتاريخ 1/10/1934 …الخ .
وهذا ما يتنافى مع الصيغة التي طالعنا بها الكتاب لتاريخ أقطاب الصحراء : آل ماء العينين، وأن ما ورد في أطروحة الدكتوراه هذه شابته معطيات غير صحيحة سواء فيما نشر في حق المرحومين الأبرار: حبوها لحبيب، الشيخ محمد الإمام، خطري ولد الجماني، وحسنا بن الدويهي، علي بوعايدة، ومحمد خر .
عرفت سنة 1905 اتفاقا فرنسيا إسبانيا سريا حول تقسيم الأراضي الموريتانية والمغربية بين الدولتين، هذا ما حدا بالشيخ ماء العينين أن التقى عام 1906 ومعه وفود الصحراء وموريتانيا بالسلطان المغربي مولاي عبد العزيز بن الحسن الأول، من أجل دعمهم في مقاومة المستعمر الأوروبي. على إثر ذلك أرسل المغرب مولاي إدريس ابن عم السلطان مع وفود القبائل الصحراوية والموريتانية من أجل قتال الفرنسيين بموريتانيا ( لأنه بكل بساطة يدافع عن أرضه).
وقبيل تنظيم المسيرة الخضراء بسنوات قامت انتفاضة الزملة في17 يونيو 1970 (في مدينة العيون) ضد إسبنة الصحراء، مطالبة بالعودة إلى الوطن الأم، وقد انتهت هذه الانتفاضة بمقتل واعتقال العديد من المغاربة الصحراويين. و على إثر ذلك انتخب السيد خطري ولد سعيد ولد الجماني رئيسا للجماعة الصحراوية.
الصحراء اليوم وقبل أي وقت مضى في حاجة إلى التماسك ورص الصفوف بين قبائلها استجابة للمبادرة الملكية السامية للحكم الذاتي والجهوية الموسعة، وهي تدخل مرحلة جديدة بعد الخطاب الملكي ل 6 نونبر 2009 بمناسبة الذكرى 34 لحدث المسيرة الخضراء.
العربي الراي / رئيس جمعية آفاق للمقاولة والتنمية a.h.e.d بالسمارة
ساحة النقاش