السمارة : المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والدورات التكوينية وثالوث الكائن والممكن والمستحيل
<!-- / icon and title --><!-- message -->
ملف أعده العربي الراي/ رئيس جمعية آفاق للمقاولة والتنمية بالسمارة
والسمارة المدينة الروحية والعلمية إذ تنبعث من رمادها كالعنقاء ، فإنه آن الأوان لإعادة ترتيب الأوراق وتحيين أسلوب العمل والشغل على مستوى تدبير شأنها المحلي، والالتحاق الفوري بالركب العالمي، خشية أن يلفظنا التاريخ، ويحنطنا بطش العولمة الفتاك...هذا في وقت يبدو فيه أن اعتماد وتحديث نظام الحكامة أضحى من القضايا المصيرية بالنسبة لمغرب الغد.
عرفت عمالة السمارة تنظيم دورات تكوينية كانت أولاها مع الانطلاقة الرسمية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، استفاد منها الشركاء والفرقاءالاجتماعيون، من مجالس منتخبة ومصالح خارجية وجمعيات ومنشطي الأحياء. مما ترك انعكاسات ايجابية على المتكونين، توجت مؤخرا باليوم الدراسي حول حصيلة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية منذ انطلاقتها، ساهمت في رفع جزء من هشاشة النسيج الجمعوي المحلي وما يتخبط فيه من اكراهات مادية ومعنوية. مع ملاحظة التطور الذي عرفه منحى التكوين المخصص للمجتمع المدني الذي وقفت وراءه عناصر يشهد لها بالكفاءة.
وفي مقاله المتميز الذي حمل عنوان : " التكوين المستمر في المجال الجمعوي ترف أم ضرورة ملحة " المنشور على موقع : التنمية - Tanmia.ma- كتب الباحث السيد بنعلي حداد أنه إذا كانت التكوينات ترمي أساسا إلى تمكين المتدرب من اكتساب كفاءات ومعارف، وما يكفي من خبرة لممارسة نشاطه في مهنة معينة أو في أحد المجالات المهنية. فهو تكوين يلقن أساسا في مقرات العمالة الإقليمية أو البلديات مع دورات تدريبية ينشطها خبراء، وتحدد مدتها الأولية للتكوين في ثلاثة أيام كسقف أقصى، تنتهي بتسليم شهادة تقنية تناسب مستوى التكوين الذي تابع فيه المتدرب دراسته. بغية تمكين المتدرب الذي يوجد قيد التكوين من اكتساب الأهداف التالية:
- المؤهلات النوعية الخاصة التي ستسمح له بممارسة نشاط مهني بالكفاءة اللازمة وبكل أمان.
- الثقافة العامة الأساسية التي تسمح له بولوج عالم الشغل والارتقاء فيه والاندماج الاجتماعي.
- الاستعداد للتعلم طول حياته والقدرة على استعمال حاسته النقدية واتخاذ القرارات.
لا يمكن إغفال ما تلعبه الموارد البشرية من دور فعال في الرفع من المرد ودية والإنتاجية، خاصة إذا كانت كافية كما وكيفا، مما يجعلها حتما تضطلع بمهامها على أحسن حال. وانطلاقا من دورها الفعال للموارد البشرية كان لزاما على المنظمات والمؤسسات باختلاف أهدافها واستراتيجياتها والتي تسعى إلى تحقيق إنتاجية قصوى وتنافسية قوية من أجل معانقة أهدافها وتفعيل إستراتيجيتها، أن تعمل على تأهيل مواردها البشرية وتحفيزها انطلاقا من تحديد طبيعة المتغيرات الأساسية للمعرفة المتراكمة في المؤسسات وتحليل دورة الحياة المعرفية فيها وعوامل كفايتها وفعاليتها. بحيث لا يمكن اعتبار التكوين المستمر في المجال الجمعوي ترف بل ضرورة ملحة.
واعتبارا لحاجة الجمعيات، على غرار ما تعرفه المؤسسات والمنظمات، إلى مثل هذه الدورات التي لا تتجزأ من منظومة التنمية الاجتماعية والاقتصادية وما يواكبها من تحديات، كان لزاما على القسم الاجتماعي التابع للعمالات الإقليمية إيجاد الصيغ المناسبة والأساليب المتنوعة، التي من شأنها أن تساعد على تنمية الموارد البشرية العاملة بالنسيج الجمعوي، والرفع من كفاءتها في إطار بيئة المنافسة والإنتاجية،
وما للتكوين والتكوين المستمر من أهمية قصوى، باعتبارهما الوسيلتان الناجعتان لرفع التحدي من طرف جمعيات المجتمع المدني، التي هي مطالبة أكثر من أي وقت مضى بتطوير كفاءاتها والرفع من مستويات مردوديتها، هذا علاوة على ماله من انعكاسات ايجابية على هيكلها التنظيمي، وفرصة مواكبتها للتحولات المتواصلة في محيطها.
إذا كانت التحولات المتسارعة والمتواصلة التي يعيشها مجتمع المعرفة والوسائط اليوم، وما أفرزته من مفاهيم جديدة في كل المجالات، وبخاصة في مجال التدبير الحديث والتقنيات الجديدة للإعلام والتواصل، وما يتطلب التعامل معها من عقلية وخطاب جديدين، قائمين أساسا على قناعة أن التكوين لم يعد مرتبطا بمرحلة أو فترة زمنية محددة أو بمكتسبات تابثة، بل أصبح ضرورة ترافق الإنسان طول حياته، مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد". هذا التطور يتطلب تعديل مفهومها للتكوين بغرض رفع التحديات، والتعامل معه على أنه ضرورة وثقافة تستوجب التزام باكتسابها، وتعهدا باستمرارها، مما يساهم في رفع الأداء، وبالتالي رفع مردودية الجمعية ونجاعتها.
لكن ما يلاحظ في معظم الدورات التكوينية أن هذا التكوين يقتصر على الجانب التلقيني النظري فقط ولا يتعداه إلى الجانب التطبيقي والعملي، في معالجة الجمعيات لتدبيرها الإداري والمالي، ناهيك عن سوء تدبير الزمن المخصص لها، واستحواذ البعض من المتدخلين على الشطر الكبير منه، في سفسطة تبتعد كثيرا عن صلب المواضيع قيد المعالجة والتمحيص، لدرجة يبقى فيها المكوِّن مكتوف الأيدي يتفرج على جلبة تهرق الوقت جزافا.
فالتكوين في خضم التحولات الحاصلة في المحيط، لا يمكن أن نعتبره واجبا فرديا فحسب، بل إن ضرورة عمل الجمعية في شكل فريق متكامل تحتم علينا اعتباره مسؤولية جماعية أيضا. فمن خلال مشروع الجمعية يتم تحديد حاجيات التكوين الفردية وكذلك الجماعية للفريق، في مجال معين أو مجالات متعددة، بهدف تحسين أداء الجمعية وبلوغ أهدافها، وبالتعاون مع المؤسسات المختصة في تنمية الكفاءات الجمعية، وترجمة هذه الحاجيات إلى برامج تكوين لفائدة مكتب الجمعية لاكتساب الكفاءات اللازمة بغية تحقيق الأهداف.
وفيما إذا تم اعتبار التكوين مقاربة علمية ممنهجة أم ترفا روتينيا يهدر فيه المال العام، كما يتداوله بعض متتبعي الشأن العام المحلي، فإنه لتحقيق برامج تكوينية خاصة بالجمعيات، لا بد من اعتماد مقاربة علمية ممنهجة في تحديد الاحتياجات التكوينية للأعضاء العاملة في إطار المجتمع المدني. وهذه المقاربة العلمية التي تسمى" هندسة التكوين " تخضع أساسا لمقاييس البحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية، وتتبنى منهجا تشاركيا حتى تتم هذه العملية في أحسن الظروف، وتعطي نتائج مرضية وفقا للتوجهات الإستراتيجية لكل جمعية. وصفوة القول إن تحقيق هذه المبادئ في المنظومة الجمعوية يصقل كفاءة العاملين بها، ويجعلهم يقدمون ممارسة جمعوية فعالة وجيدة، مما يساهم حتما في تطوير دور الجمعية في المجتمع ويرفع من أدائها ومردوديتها.
وإذا كانت مشاركة المجتمع المدني بالإقليم السمارة تبقى سطحية، وتتطبع بالمناسباتية وبالاستعراضية في غالب الأحيان، فقد عرفت في الأشهر الأخيرة حركية ملحوظة، وهي تنبعث من رمادها كالعنقاء...
واعتبارا لمشاركة المجتمع المدني بصفة تشاورية في السياسات العمومية، فإنه يجب أن تتم عبر المشاركة الاستشارية الفعلية في أشغال اللجان الدائمة للمجالس المحلية، وعبر اللجنة الاستشارية الجديدة وتكافؤ الفرص المحدثة على مستوى المجالس الجماعية، وعبر الشراكة، وباستثمار أفضل للاختصاصات الاستشارية للمجالس الجماعية، وعبر استثمار أفضل لفرص الولوج إلى المعلومات المتعلقة بتسيير الشأن المحلي العام، بما في ذلك حضور جلسات المجلس الجماعي والحصول على مقرراتها، وعلى مختلف المعلومات المتعلقة بالسياسات العمومية المحلية، هذا مع إشراك الشباب في سياقات الحكامة الجيدة واتخاذ القرار بشكل تشاوري أكثر.. والتعريف بالتجارب الجيدة على المستوى الفردي والجمعوي ونشرها بجميع الوسائل...
وإذا كانت لفظة الحكامة تفيد معنى الرقابة والتوصية والتدبير، واعتبارا لما ذهب إليه منظرو الليبرالية الجديدة، الذين أصبحوا يلحون على أن المقصود بالحكامة هو الجمع بين الرقابة من الأعلى أي:الدولة ، والرقابة من الأسفل أي: المجتمع المدني..
وإلى حين موعد آخر مع دورة تكوينية أخرى، فالأمل كل الأمل في التغيير والتطور والخروج من مقصورة النمطية والرتابة والتكرار، إلى فضاء الانفتاح والإيمان بالرأي والرأي الآخر، وتلاقح الأفكار وعدم الاستحمام في النهر مرتين...
العربي الراي / رئيس جمعية آفاق للمقاولة والتنمية
ساحة النقاش