أولادي يقلدون سلبيات المجتمع ـ استشارات اسرية
أولادي لديهم القدرة على حفظ كتاب الله الكريم والمشاركة الإيجابية في الأنشطة الخيرة، إلا أنهم أحيانًا يشاركون المجتمع في بعض سلبياته إعجابًا أو انخداعًا؛ مما يصيبني بمقاربة اليأس فماذا أفعل؟!
يجيب على الاستشارة: د. رشاد لاشين
الأخ الفاضل المحترم.. بارك الله فيك وفي أولادك، ونحيِّي حرصَكَ واهتمامَكَ؛ أولاد حضرتك يحتاجون إلى توفير المناشط والغسل الدائم:
أولاً.. وفِّر المناشط والبدائل الصالحة لأبنائك
طبيعي في مرحلة الطفولة وقبل النضج والرشد أن يتأثَّر الولد أو البنت ويقلِّد بلا وعي أو إعجابًا أو انخداعًا بعض السلوكيات الموجودة في المجتمع وهو ما يسمَّى بـ(العدوى السلوكية)، وكأيِّ نوع من العدوى يتطلَّب الأمر تقوية جهاز المناعة؛ ليحاول الإنسان صدّ الملوّثات الموجودة، وعملية التمنيع هذه تحتاج إلى حسن تربية الأبناء على المبادئ والسلوكيات الصالحة؛ من خلال الحب والقدوة وتوفير البيئة الصالحة توفير البدائل والمناشط التي تستوعب الابن وتفجِّر طاقاته وتلبِّي رغباته؛ فإذا غاب الحب وغابت البيئة الصالحة وغابت البدائل وميادين تفجير الطاقات واستيعاب القدرات، تلوَّث الإنسان بما هو موجود ومتاح؛ فالنفس إن لم تشغل بالحق انشغلت بالباطل، وإذا لم توفِّر لابنك أطفالاً صالحين مهذبين يلعب معهم فسيضطر للعلب مع أطفال ملوثين، يلتقط منهم الألفاظ البذيئة والسلوكيات السيئة؛ وإذا لم نكتشف مواهب أبنائنا ونسعَ لتنميتها وتوظيفها بشكل صحيح، فقد يتلقَّفهم المنحرفون هنا أو هناك، فيوظِّفون مواهبهم، ويستوعبون قدراتهم بعيدًا عن خدمة الدين أو نصرة الأمة أو الارتقاء بوطننا الغالي؛ الأمر يحتاج إلى جهود كبيرة وإلى تعاون الصالحين وإلى الابتكار والتجديد.
ثانيًا.. اغسل أولادك دائمًا
تغيير سلوكيات الأبناء يحتاج إلى دوام التصحيح والتوضيح والشرح والتفهيم، وطبيعي أن يخطئ الإنسان الكبير "كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون".. خطَّاء أي كثير الخطأ، ولا بد أن نتعامل مع أخطاء الأبناء بروح طيبة أن نرشدهم بأسلوب محبَّب؛ فكل شيء قابل للتصحيح.
لا تيأس.. فالطفل كلما كبر ازداد نضجًا، واتسعت مداركه، ونضج فهمه، وتعلَّم من أخطائه في ظل الإرشاد الهادئ غير المتشنِّج والبعيد عن الغلظة.. لا بد أن نرحم المخطئ، وأن نرفق به، وأن نعاملَه باللين والودّ، وحينها سيقبل علينا ويتقبَّل منا، ولا ينفضُّ عنا أو ينفر منا: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)﴾ (آل عمران).
وإذا طبقنا القاعدة الرائعة: "المؤمن للمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى" فإن المؤمن البالغ العاقل المكلَّف الناضج يخطئ ويتلوَّث بالمخالفات التي تطرأ عليه، فما بالنا بالطفل الذي لم يبلغ الرشد بعد، فإنه عرضة لكثير من الأخطاء والسفاهات؛ لضعف إدراكه وقلة نضجه؛ لذا فهو في حاجة لمزيد غسل وتنظيف كلما خرج أو اختلط أو تلوَّث بلفظ غير لائق أو بسلوك غير طيب.
عليك أن تتابع وتلاحظ وتتفقَّد على الدوام، ومِن ثَمَّ تقوم بعملية الغسل والتنظيف دائمًا بروح طيبة بلا انفعال ولا يأس، ومع الزمن تتأصَّل القيم ويكبر الابن وينضج ويفهم ويعي ويتغير للأفضل، فلا يظل المخطئ مخطئًا دائمًا، وانظر للمستقبل ببُعد بصر وبصيرة، وتعلَّم من التاريخ الإسلامي العظيم الذي يخبرنا كثيرًا عن أحوال أشخاص بعبارات يجب أن نقف عندها ونتعلم منها، مثل: "أسلم فلان ثم حسُن إسلامه" فعملية تحسين إسلام الفرد تتم مع الزمن.
فلا تقلق ولا تيأس وتعامل بروح العلاج وروح الدعوة والحكمة، وليس بطريقة القاضي أو المحاسب أو المتضجِّر، فأنت مربٍ ومعلم ومرشد، ولست قاضيًا أو منفّذ أحكام أو عقوبات؛ عوِّد أبناءك الصراحة واستمع إليهم دائمًا وأشعرهم بالأمان ولا تبادر بالعقوبة، بل وضِّح لابنك أنك ستفهِّمه الصواب وتعرِّفه أن الخطأ ليس عيبًا، ولكن الإصرار عليه هو العيب، وأن من طبيعة الإنسان أن يخطئ وأن يتعلَّم من أخطائه ويصحِّح سلوكياته.. عندها ستُصبح عملية تقويم السلوك عمليةً سهلةً وممتعةً.
أصلح الله حال أولادك وأولادنا وأولاد المسلمين وحفظهم من كل سوء، ونفع بهم الإسلام والمسلمين، وأعزَّ بهم الدين، ونصر بهم الأمة.. اللهم آمين.
ساحة النقاش