ومضات الذكريات ....
جلست كعادة كل يوم على شرفة البيت المطلة على الشارع الرئيسي ,وأخذت المح الناس بين ذهاب واياب وسيارات أجرة وسيارات خاصة ,وبين الحين والآخر تزورني ابنتي لتردد بعض الكلمات الرائجة بينها وأترابها :اريد تنزيل هذه اللعبة وتلك ,اريد استبدال جهازي بآخر رأيت افضل منه ,فتجدني تارة مستمعة جيدة واخرى متجاهلة لكلامها ...وفي داخلي احساس بجرعة علقم تجرعتها ...حياة خالية من العطف والعواطف ,خالية من بساطة الماضي ولين العيش ’خالية من الانجذاب لأشياء طالما اسعدتنا رغم بساطتها ..حتى القدرة على الركض في خيالات الماضي أصبحت مشلولة .احساس بأننا اصبحنا جمرة ذابت ولم يبق منها الا الرماد وطعم الرماد في فمنا يملأه بالجفاف وكثافة الطين..احسست بيد تشد عنقي وأخرى تمتد الى رئتي ,اي سجن هذا؟؟أي حياة هذه؟؟لشدة ماامتلأت انوفنا برائحة الموت والدم ترانا نستحسن العزلة كعادة استفحلت وبدأت كتعويض عن حاجتنا الهدوء...تمر أيام وأعود لأنشد السلوى في وجوه الناس من خلال تعابير ترتسم على وجوههم المعبرة عن الرضى أحيانا وأحيانا أخرى عن الاستياء.
واظبت على مراقبة عباراتهم وكلامهم وأنا كلي توق وفضول شديد أن اخترق قلوبهم لأجد مايشفي غليل أفكاري ..ويجيب على تساؤلاتي الملحة بين الحين والحين..!!
لماذا اشتد الباطل حتى استفحل حتى بات باطنا؟
لماذا اشتد الفراغ وانحصرت ادمغتنا في حركة دائرية داخل ثقب أبرة؟
كلما أمعنت الاحداث في سحقنا ازددنا خنوعا الى ان اتسم الخنوع بالرضى,وكلماتوغلنا في السير الى الامام ابتعدت عن ناظرنا ملامح الرجوع الى نقطة البدء...!!اين هي نقطة البداية لقد غامت وغابت وضاعت في متاهات الذاكرة المهزوزة وأضحت مجرد حلم بعيد.
لكم عشقت ذلك الحلم عندما يسحبني الى تلافيفه لأرى بين طياته أمل مواطن عربي بسيط..ان ينعم برغد العيش وراحة البال وان تنعم عيناه بمحاسن الحياة وتطرب أذناه لما يسر القلب ويطمئن النفس...
تعلو شفتاي ابتسامة راضية لكن للاسف يتوقف الحلم واعود للواقعية ,فتغيب عن ذاكرتي ملامح الرضى وأردد هامسة : علي الايمان بان النفس يجب ان تدرب على قبول الواقع والتأقلم معه وفيه والانخراط في مسالكه لدرجة الاستشهاد لاجله..!!عند هذه الجملة انقشع الضباب عني فجأة ..وقلت :انظري امامك لينكشف المجهول عن مفاهيم شربناها على قارعة اسفلت الحياة ورضينا بها لنفسنا موطئا.
اعود ادراجي الى قضبان شرفتي ومن دون وعي احدثها:لوانك تعرفين وطني؟؟وربيع وطني وجمال وطني وحنين وطني؟؟
لقد سئمت غربتي وتقت الى اللقيا ,اريد الماضي وبسمة الوجدان ..انها الغربة التي في كبلتني بقيودها حتى غرقت في بحر من عدم التمييز ...دموع ذرفتها فيها دون رفق وخوار في الصدر وفراغ يعتريني ...فوجدتني اعاهد نفسي الاستسلام لارض الواقع والرضوخ ,متجاهلة انني سرعان ما أنقض هذا الوعد عند أول وميض من ومضات الذكريات..
مع تحيات مجلة / ملاذ القمر