من الأيمن : مصطفى الجد، أحمد باكر (المغرب)، غسان شحرور
"أنا مصطفى الجد، من جمعية "رابطة الأجيال" أتحدث إليك من "صفاقس"، وقد حصلت على رقم هاتفك في دمشق من دليل الأمم المتحدة للجمعيات الخاصة بكبار السن". سارعت إلى الترحيب به، فأخذ يحدثني بحماس عن الفكرة التي يسعى إلى تحقيقها، وهي تأسيس اتحاد عربي أو عربي أفريقي للجمعيات الأهلية العاملة في مجال الأشخاص المسنين والمتقاعدين من أجل النهوض بواقع هذه الفئة المتزايدة من أبناء المجتمع حقوقيا وصحياً واجتماعيا واقتصادياً، وفي إطار الترابط بين الأجيال".
تابع"مصطفى الجد" قائلاً: "تعلم يا دكتور "غسان" أن العام القادم1999هو عام الأمم المتحدة للأشخاص كبار السن، وهي فرصة لاستثمار الزخم العالمي المرافق لهذا العام في تعزيز حقوق كبار السن وسبل حمايتهم، وهذا يتحقق بشكل أفضل وأسرع عند وجود اتحاد أو هيئة إقليمية، تحث الحكومات والجهات التشريعية، وتفعّل المجتمع الأهلي ووسائل الإعلام لتحقيق ذلك". أبديت له إعجابي بهذه المبادرة واستعدادي للمساعدة والمشاركة في تحقيق ذلك. ختم "مصطفى الجد" مكالمته الهاتفية قائلاُ: "لقد تقاعدت منذ عشرين سنة وأحس تماماً بحاجات المسنين والمتقاعدين في بلادنا، ولهذا آمل أن نحقق الأفضل لأجيالنا القادمة".
بعد أيام قليلة، استلمت بالبريد مجموعة من المطبوعات، عن هموم وحاجات وحقوق كبار السن والمتقاعدين منهم، من إعداد "مصطفى الجد" وزملائه في "رابطة الأجيال" بمدينة صفاقس التونسية، وهي إصدارات تمثل إضافة قيمة في بلادنا العربية.
استمر التواصل بيننا هاتفياً، وفي كل مرة، يحدثني عن اتصالاته مع الجمعيات التونسية والعربية والأفريقية الأخرى للإعداد للاجتماع التأسيسي المنشود.
ما هي إلا عدة أشهر، حتى انعقد الملتقى العربي الأفريقي الأول لجمعيات كبار السن وترابط الأجيال، بين 22 - 25نيسان/أبريل 1998 في مدينة "تونس". شاركت فيه وفود جمعيات أهلية تنتمي إلى نحو 11 دولة عربية وأفريقية، إضافة إلى ممثلي بعض المؤسسات الأجنبية المهتمة والعاملة في مجالات الشيخوخة وكبار السّن.
في ذلك اللقاء، تحدث "الجد" باسم "رابطة الأجيال"، وكان حديثاً مؤثراً لرجل ناهز الثمانين من العمر، وله بصمات كبيرة في ميادين العمل الاجتماعي والأهلي، بين خلاله دور المنظمات الأهلية العربية والأفريقية، وضرورة تحالفها وطنياً وإقليمياً وعالمياً لتعزيز حقوق كبار السن، ودعم مشاركتهم الفاعلة في جوانب الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية وغيرها، وفي اليوم الثالث، أقرت لجان المؤتمر خطة العمل المقترحة بعد إضافة بعض التعديلات.
في الجلسة الختامية، ألقى "الجد" بيان المؤتمر معلناً تأسيس "الاتحاد العربي الأفريقي لكبار السن وترابط الأجيال"، والخطوات المستقبلية في هذا المجال. حدثنا بعدها، وقد ترقرقت عيناه بالدمع، عن تطلعاته وآماله في تحقيق حياة أفضل لكبار السن والمتقاعدين في مجتمعنا، وأطلق على الاتحاد اسم "العروة الوثقى" تيمناً بما جاء في القرآن الكريم.
في الأشهر التالية، تابع "الجد" واللجنة التنفيذية الاتصالات مع الجهات الأهلية والحكومية العربية والأفريقية من أجل دعم الاتحاد، واستكمال النظام الداخلي والإداري، كما استمر التواصل معي هاتفياً. حدثني "الجد" عن التحديات التي يواجهها واللجنة التنفيذية للاتحاد، وأهمها ضعف استجابة العديد من الجمعيات الأهلية العربية والأفريقية، هذه الجمعيات وفق ما أراه أيضاً، كثيراً ما تسارع إلى المشاركة بقوة في المبادرات التي يجود عليها الداعمون والراعون، وتضعف عندما يحتاج الأمر إلى الاعتماد على الذات، وبذل الكثير من الجهد والوقت.
ماهي إلا سنوات قليلة حتى فارق"الجد" الحياة قبل أن يشهد وقوف هذا الاتحاد على قدميه، ودون أن تستطيع اللجنة التنفيذية متابعة الطريق، وجعل هذه المبادرة حقيقة تنمو وتستمر وتزدهر..
بعد مرور هذه السنوات الطويلة، وددت أن أتحدث عن "مصطفى الجد"، وهذه التجربة، والنهاية التي وصلت إليها. نعم .... لم تفلح أثقال سنينه الطويلة في ثنيه عن هذه المبادرة، ومنعه من الانطلاق من عالمه الصغير إلى عالمنا الكبير، بذل الكثير من الجهد لتحقيق الغاية النبيلة التي يؤمن بها من أجل الأجيال القادمة. بعد نحو 15 سنة أكتب هذه الكلمات تقديرا لهذا الرجل وعروته الوثقى التي أطلقها. نعم.. كفاه فخرا أنه بادر ورسم الطريق أمامنا جميعاً.
"مصطفى الجد" ... لا أقل أن أقول ثانية كم أحترمك، وأحترم كل ما سعيت إليه، إنها شرف المحاولة التي فشلنا جميعاً في إنجاحها والبناء عليها، و عزاؤنا أن تكون لبنةً لبناء المستقبل، فالأمم الصالحة لا تبني فقط على نجاحات أبنائها بل وعلى كبواتهم وتجاربهم.
"عرفتهم": زاوية ثقافية دورية يكتبها د. غسان شحرور.
ساحة النقاش