<!--

<!--<!--

إن نظرتي إلى الدراسات العليا، وإعداد الرسائل الأكاديمية، والإشراف العلمي عليها، والمناقشة والتحكيم لها, نظرة سلبية؛ إذ أراها غالبًا أمورًا شكلية سطحية هامشية، لا تضيف جديدًا إلى الباحث! ولا يضيف البحث وصاحبه إلى المشرف عليه أو المحكم له جديدًا!   

تمر أمامي الرسالة بعد الأخرى تُناقش، وبها مئات الأخطاء العلمية والمنهجية، ومعدُّها لايمتلك مقومات البحث العلمي، ولا ترى أثرًا لبحثه في عقله أو شخصيته أو لسانه! ومع ذلك تنال الرسالة أعلى درجة علمية! ناهيك عن كون كثير من الرسائل تقليديًّا، مسبوقًا بكثير من الدراسات في مجاله!

ففي ميدان الدراسات الأدبية تجد الرسائل الخاصة بحياة الأديب وأدبه ذات منهج واحد! ونصوص تنظيرية نقدية واحدة! وكذا الشأن في مجال الدراسات البلاغية واللغوية! يُبدَأ التخصص برسالة جادة جيدة، من باحث ضلعة طلعة، وتتلوها رسائل تابعة ناقلة مقلدة! فالذي يختلف فيها عن الرسالة الأولى هو المادة الأدبية أو اللغوية المبحوثة فقط!

ومن ثم تجد نفسك تحاور كثيرًا من هؤلاء الباحثين في هذه التخصصات وهو لا يعرف مفهوم كثير من الاصطلاحات، ولا يستطيع أن يفيدك فيها أو أن يرشدك إلى مرجع خاص بها! ناهيك عن كفاءته في تطبيق هذا الاصطلاح على المادة العلمية المبحوثة أو المنقودة!

وعندما أقارن هؤلاء بحال الباحثين العظام في كل تخصص من هذه التخصصات، ومدى قدرتهم على امتلاك المعلومة وتوظيفها والإرشاد إليها، أجد البون شاسعًا!

وكذلك الشأن في مجال الدراسات بكليتي أصول الدين  والشريعة الإسلامية! وأحيانًا تكون الرسالة صادرة عن معدها فقط بلا أثر للمشرف! وأحيانًا يُحكم للرسالة بالفوقية بسبب أن المشرف عليها العالم الفلاني المرموق في التخصص على الرغم مما فيها من قصور!

والمصيبة الكبرى الآن هي عملية القص واللصق من مواقع الإنترنت بلا ضابط أو رقيب!

ولا يمكن للجنة الإشراف أو لجنة التحكيم أن تكون هي المسؤولة عن مواجهة هذا الواقع المأساوي وحدها! بل إن منظومة العمل الجامعي كاملة مسؤولة عن ذلك بدرجات متباينة، كل حسب مقدرته على التغيير والتطوير!

ولا أملك إلا أن أعيش حالة من اليأس والقنوط والتأسف لهذه المأساة التعليمية والعلمية الموجودة بمصرنا, بل بوطننا العربي كله!

ومع ذلك شاركت في هذا الجو السلبي، محاولاً تقديم أنموذج جديد للإشراف فكانت رسالة الباحث محمود جلال ناصر عن: [فن المقال في نتاج جلال عامر دراسة موضوعية وفنية] فتعبت تعبًا جمًّا في الإشراف على هذه الرسالة بكل دقة وإتقان, وبكل جهد وجهاد!

والكاتب "جلال عامر" أديب ذو مكانة سامية, وسمعة طيبة, وشهرة واسعة, وموهبة رائعة , كان له الحضور الأبرز في الحديث عن مجريات الأمور في مصر منذ بدايات القرن الحادي والعشرين الميلادي حتى لحظة وفاته!

و عند عرضنا فكرة تسجيل رسالة ماجستير عنه, وصارت خبرًا أساسيًّا في جريدة المصري اليوم وبوابتها الإلكترونية وجدنا قبولاً واضحًا من قبل كثير من المثقفين .

ولكن يبقى التحدي!

لماذا تهتم كلية اللغة العربية بالزقازيق بهذا الكاتب ؟, وهل يستطيع باحث أزهري أن ينجز رسالة عن أديب معاصر ؟!, أديب حداثي مرن ,متحرر كل التحرر في قالب الأدب المقالي؟

كيف يستطيع أزهري أن يناقش أديبًا يساريًّا اشتراكيًّا ليبراليًّا في رؤاه؟ كيف يقف على آليات الحداثة ويقيمها ويقومها؟! .

لست مغاليًا إن قلت: إن هذه الرسالة صُنِعت على عيني بكل تفاصيلها ورتوشها, منذ أن كانت فكرة حتى صارت خطة، ثم نوقشت هذه الخطة وعُدلت وأجيزت من القسم العلمي الذي أشرف بالانتماء إليه[قسم الأدب والنقد بكلية اللغة العربية بالزقازيق], ثم كانت جلساتي الكثيرة مع الباحث: كل جلسة تمثل مرحلة في سبيل إنجازها: جلسة التعارف ،وجلسة البحث عن المادة العلمية, وجلسة الاطلاع على المادة العلمية, وجلسة تصنيف المادة العلمية, وجلسة تحليل المادة العلمية, وجلسة كيفية صياغة المادة العلمية, وجلسة مراجعة الصياغة, وجلسة متابعة تعديل الصياغة, وجلسة تنسيق الرسالة وتشذيبها وتهذيبها, وجلسة التصور النهائي للرسالة والرؤية الكلية لها, وجلسة مراجعة المقدمة والخاتمة والملاحق, وجلسة تسلُّم الرسالة, وجلسة تسليمها إلى المشرف الأساسي: أ.د/ ناجي فؤاد بدوي, ثم كانت جلسة "السينمار" مجلس القسم العلمي؛ للنظر في الرسالة من قبل أعضاء السينمار...ثم جلسات لإدخال تعديلات لجنة المناقشة والحكم على الرسالة.[وهما أ.د/زكريا عبدالمرضي، وأ.د/محمد السيد سلامة نصر]... 

لقد خلصت من هذه التجربة بإحساس جميل هو فخري كل الفخر بها؛ للأسباب الآتية:

1- لأنها عن أديب يساري اشتراكي ليبرالي في جامعة الأزهر, وهذا إن دل فإنما يدل على سمو العملية البحثية بالجامعة؛ فقد أعطينا الأديب الراحل كل حقه الأدبي, وكان نقدنا له علميًّا متحضرًا, خاليًا من أية لفظة خارجة أو عبارة خادشة على النحو الذي نجده عند المتعصبين والمتشددين من مثقفي الفترة الآنية!

2- لأنها أسهمت في تدريب باحث وتأهيله وإعداده ليكون قادرًا على البحث والتفكير والتقييم في مجال الدراسات الأدبية والنقدية.

3- أن هذه الرسالة، بشكلها النهائي بعد إدخال تعديلات المناقشين، تعد من النماذج العليا لما ينبغي أن يكون عليه النقد الموجه لفن المقال!

 فقد طالعنا كثيرًا من الرسائل المنجزة حول فن المقال قبلنا, فأفدنا منها – بلا شك- وأضفنا إليها جديدًا لم تتطرق إليه؛ إذ استخدم البحث مقاييس نقدية خاصة بفن المقال فقط, لم يستخدمها الباحثون من قبل, واستعان بمعايير موجودة في الأدب المعاصر فقط!

إن سعادتي بإنجاز هذه الرسالة على هذا النحو العلمي ,لا تقل عن سعادتي بأية رسالة أعددتها, وأي كتاب كتبته, وأي بحث نشرته, صارت كأنها أحد أولادي!

فكل شيء حولنا كان يساعدناعلى إنجاز الرسالة: المكتبات المختلفة, في الزقازيق, والمنوفية, وإيتاي البارود, إضافة إلى مكتبة الإسكندرية, ومكتبة دار الكتب المصرية, بل مكتبتي الخاصة, بل والمكتبة الشاملة الإلكترونية, بل والمواقع الإلكترونية, ومواقع التواصل الاجتماعي!

والغاية أننا وظفنا كل أوعية المعرفة المتاحة حولنا في سبيل إنجاز الرسالة!

وبعد:  فهذه مشاعر ذاتية خاصة, صورت فيها تجربتي العلمية هذه، وعبرت فيها عما أجده من حلاوة للبحث العلمي , ولذة في سبيل إخراج جديد إلى ميدان الدراسات الأدبية والنقدية .
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 326 مشاهدة
نشرت فى 29 يناير 2014 بواسطة sabryfatma

الأستاذ الدكتور صبري فوزي عبدالله أبوحسين

sabryfatma
موقع لنشر بحوثي ومقالاتي وخواطري، وتوجيه الباحثين في بحوثهم في حدود الطاقة والمتاح. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

337,351