فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

قصة قصيرة

قارئ بنسختين وفنجان من القهوة!

فراس حج محمد

حاول أن ينظم وقته، فهو منذ أن تعلق بها وهو لا يحسن ترتيب الأشياء والأوقات، ولم ينجز أعماله كما كان يفعل قبل ذلك، تغيرت الكثير من عاداته، صار إنسانا أو شيئا افتراضيا لا أكثر، لم يكن يحب قراءة الروايات، كان كل همّه أن يواظب على قراءة الكتب الفكرية والدينية والفلسفية، صار يبتعد شيئا فشيئا عن الشعر، ويدخل في طقوس أخرى من الكتابة مدفوعا بحبها للسرد، وعلاقتها الحيادية مع الشعر، كان يعرف أنها تحب الروايات العاطفية، ولذا فإنه كان يحرص على أن يشتري نسختين من كل رواية عاطفية جديدة، حتى لو لم تتح له الظروف ليهديها إياها، كان يتركها في مكان بارز في مكتبته أو على مكتبه لتظل تذكره أن هذه النسخة لها، وأن يوما ما سيعطيها إياها، كان حريصا على ألا يخبرها بأي شكل من الأشكال عن تفاصيل الروايات التي يقرأها، كان يريد لها أن تكتشف روعة الانجذاب لتلك السرديات التي ينتقيها، ويحرص على قراءتها وربما دفعه الحب والفكرة والطرافة لأن يكتب عن بعض تلك الروايات.

كعادته، يذهب كلما زار المدينة لمكتبات البيع، ينتقى بعضا من تلك الروايات، وقعت عينه على رواية "الجنس والمدينة" بغلافها الأبيض وعنوانها المكتوب باللغتين الإنجليزية والعربية، مع زوج حذاء وكل ذلك باللون الأحمر، شعر برغبة في اقتناء الرواية، فقد شاهد فيما سبق بعض حلقات المسلسل الشهير المأخوذ عن الرواية، "الجنس والمدينة"، أعجب بأن يقرأ رواية مترجمة عن الجنس وعن المجتمع الأمريكي، وبالتحديد عن مدينة نيويورك، فهل يفكر الأمريكيون نساء ورجالا كما نفكر نحن في الجنس؟ أحب أن يتعرف على سر الرواية، ولكن لماذا هو نفسه أخذ يفكر بالجنس في الفترة الأخيرة؟

ينادي صاحب المكتبة:

- إذا سمحت، أريد هذه الرواية؟ كم ثمنها؟

حدجه صاحب المكتبة بنظرة مع ابتسامة صفراء هازئة:

- وكيف لك أن تقرأ هذه الرواية؟

ربما غرّه أنه لا يمكن أن يقرأ مثل هذه الكتب، أخبره بأنه قرأ كل الروايات المصنفة في باب التابوهات الثلاثة. نقده ثمن نسختين، وقد استغرب، لماذا يبتاع كل مرة نسختين من كل رواية؟ ربما لا يعنيه كثيرا، هو يريد أن يبيع عددا أكبر من كل الروايات، وربما تمنى أن يكون في هذه المدينة مجانين كثر ليبتاعوا من كل رواية نسختين.

هيأ نفسه لقراءة الرواية، "عليّ أن أنظم وقتي أكثر، لأرى ماذا يختبئ بين دفتي هذا الكتاب المثير" خاطب نفسه، وقرر أن يخصص وقتا لقراءة جزء كل يوم، سيختار وقتا لا تكون هي في متناول حروفه واتصالاته، حتى لا ينشغل عنها، يختار الوقت ما بين الظهر إلى المغرب، إنه وقت هادئ، وجميل، الكل من حوله منهمك في الأعمال، لا أحد يقطع عليه خلوته، وهل سيفهمونه بشكل صحيح، لو عرف أحدٌ أنه يقرأ كتابا بهذا العنوان الفاضح المريب؟

سيظل دائما بحاجة إلى مزيد من القهوة.

نعم، كان دائما يبحث عن القهوة، ربما لسببين رئيسيين: الأول ليشعر أنها معه في كل ثانية لا تغادره، واحتراما لها ولغيابها، وأما السبب الثاني: فلأنه لم يكن يستطيع القراءة أو الكتابة أو مشاهدة التلفاز أو حتى التأمل بدون أن يكون هناك مزيد من القهوة في كل ما يقوم به من أعمال، فكانت القهوة رفيقته، ولعله يدرك أنها ألزم وأوجب عندما يتعلق الأمر بالثقافة والفن والمتعة وطقوس العقل والفكر.

تهيأ للقراءة، وقرر أن يخلص في الالتزام بالوقت ليقرأه الرواية وقد تخلص من كل ما يشغله عنها، اعتكف في مكتبه، وأغلق عليه باب غرفته، وبدأ بقراءة الرواية:

"هذه حكاية من حكايات عيد الحب (فالنتاين). تأهبوا........"، كان هذا هو السطر الأول من رواية "الجنس والمدينة"، رحلة بدأت بالصفحة الأولى لتسرقه من كل ما عدا الرواية وجنون شخصياتها، ربما أصابه الذهول لما في الرواية من تصوير لمدينة لا تفكر إلا بالجنس، وقد سخر الجميع رجالا ونساء المدينة والحياة فيها من أجل الجنس، والجنس فقط، لكنه ربما سيشاهد ما هو أكثر أهمية، فلعل موضوع الجنس في الرواية كان غلافا لفكرة أعمق للكاتبة كانديس بوشنيل.

         

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 255 مشاهدة
نشرت فى 25 يناير 2013 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

726,353

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.