في ظل عصر العولمة بتنا نشهد إقبالا متزايدا من الكتّاب العرب على ما يعرف بالثقافة الإلكترونية، ومن الملاحظ أن عددا منهم قد تحول إلى النشر الإلكتروني، فنجد أن بعضهم أسس صحفا ومجلات إلكترونية، ووجد آخرون في الكتاب الإلكتروني وسيلة جديدة لهم لنشر ما لا يمكنهم نشره في الكتاب الورقي، بل تطور الأمر بأن وجد اتحاد كتاب الانترنت العرب. لكن في المقابل يهاجم بعضهم الآخر الثقافة الإلكترونية والكتاب الرقمي ويصل الأمر في بعض الأحيان حدا إلى عدم اعتراف بعض الكتّاب "الورقيين" بالكتّاب "الرقميين". وبين النشر الرقمي أو الإلكتروني والنشر الورقي بدأ يظهر جدل كبير بين مؤيدي كل منهما، وسنحاول أن نلقي الضوء على هذا الجدل، لكن هذا لا يعني بأننا نستطيع الإحاطة بجميع تفصيلاته التي بدأت بالتشعب على أكثر من صعيد، فتُعقد لمناقشتها المحاضرات والندوات والمؤتمرات. كما أننا سنعرض السلبيات والإيجابيات لكل من النشر الورقي والرقمي بشكل موضوعي حسب رؤية كل منهما. لذا وفي خضم تشعب الخلاف حول النشر الرقمي والإلكتروني تنبع الحاجة لمعالجة هذا الموضوع، في محاولة لمعرفة إن كانت ستستمر ثقافة النشر الورقي في مجتمعاتنا العربية متربعة على العرش وتبقى لها السيطرة والغلبة، أم أن منافستها الجديدة ثقافة النشر الإلكتروني تتحين الفرصة لتزيحها عن هذا العرش؟
انتشار النشر الإلكتروني في الآونة الأخيرة اعتبرها بعض الكتّاب العرب بأنها تشكل تهديدا للنشر الورقي، وبين مؤيد لهذا المنافس الجديد ومعارض له أثير جدل كبير في الأوساط الأدبية والفكرية كل لديه وجهة نظره التي يحاول الترويج لها. فغالبا ما يكون الكتّاب الورقيين، لا سيما من الجيل القديم من الكتّاب وأصحاب دور النشر، من أشد المعارضين للنشر الرقمي. فيما أن الكتّاب الرقميين، خصوصا الجيل الجديد الصاعد الذين يجدون سهولة في التعامل مع التقنيات الحديثة، من أشد المدافعين عن الكتاب الإلكتروني أو الرقمي.
يعتبر بعض الكتّاب الورقيين أن انتشار الكتّاب الرقميين ظاهرة سلبية، وكثيرا ما يقللون من شأن الكتّاب الرقميين ومن قيمتهم الأدبية والعلمية، ويذهب بعضهم إلى عدم الاعتراف بإطلاق صفة "كتّاب" عليهم ما لم يكن لهم كتبا منشورة "نشرا ورقيا". في حين يدافع الكتّاب الرقميون عن هذه الصفة ويتشبثون بها، ويعتبرون أن عدم وجود كتبا منشورة نشرا ورقيا لهم لا يعني بأنهم ليسوا كتّابا، ويرون بأن كثيرا من الكتب الورقية المنشورة ليست ذات قيمة علمية أو أدبية مهمة، في الوقت الذي يجدون أن للكتب الإلكترونية أهمية أكبر من الناحية العلمية. ويناقشون بأنه ومنذ أن اخترع جوهان جوتنبرغ الطباعة من حوالي خمسة قرون، ظلت الكتابة حكرا على نخبة محظوظة في سائر المجتمعات الذين توفرت لهم ظروفا للنشر لم تتوفر لغيرهم فحظوا بالشهرة. لكنهم يجادلون بأن عدم توفر الحظ لبعض الكتّاب الذين لم يحظوا بذات الفرصة لا يعني بأنهم أفضل منهم. ويعتقد الكتّاب الرقميون بأنهم وجدوا في النشر الإلكتروني فرصة لهم لم يكونوا يحظوا بها من قبل لنشر ما يكتبونه أو نشر كتبهم "الرقمية"، وبذلك فهم يرون بأنهم أصبحوا يشكلون منافسا لا يُستهان به للكتّاب الورقيين.
لا ينتهي الجدل بين المدافعين عن النشر الإلكتروني والمدافعين عن النشر الورقي عند هذا الحد، حيث يدافع المؤيدون للنشر الورقي، لا سيما المعارضين للكتاب الإلكتروني عن وجهة نظرهم باعتبارهم بأن الكتاب الورقي هو الأبقى لما له من علاقة حميمة مع القارئ أو مع مقتني الكتاب الورقي والمهتمين باقتنائه. ويرى أصحاب هذا الرأي أن من مساوئ النشر الالكتروني أنه يتطلب القراءة في مكان محدد وبطريقة محددة، فيما أن الكتاب الورقي يمكن أن يصطحبه القارئ معه في القطار وفي غرفة النوم وفي كل مكان الأمر الذي ينتفي في الكتاب الالكتروني. المدافعون عن الكتاب الرقمي يدحضون هذه الحجة حيث يعتبرن أن الكتاب الورقي يأخذ شكل جسم مادي يتطلب الحمل والنقل والسفر والتوزيع والبيع والشراء، والتنقل داخل حدود جغرافية الخ.، في حين أن الكتب الإلكتروني يتحرر من القيود السابقة كافة، حيث يمكن نسخه على القرص الصلب، أو الاسطوانة المرنة، دون اللجوء إلى إشغال حيز من المنزل تكدس فيه الكتب والأوراق والخرائط والأدوات المكتبية المختلفة. أما حول ردهم على مناهضو الكتاب الرقمي في ادعائهم بأن إحدى ميزات الكتاب التقليدي إمكانية اصطحابه إلى أي مكان، فالمدافعون عن الكتب الإلكترونية يعتقدون أن التقنية حلت كل المشاكل اليوم في ظل انتشار الحواسب المحمولة (اللاب توب) التي يستطيع أن يحملها الشخص معه في أي مكان حتى ولو في السيارة أو الطيارة أو غرف النوم.
سبب آخر يقدمه المدافعون عن الكتاب الورقي ليدعم وجهة نظرهم حيث يعتقدون بأن الكتاب الورقي يعطي عمق المعرفة والتأمل، في حين أن الكتاب الالكتروني أو النشر الالكتروني فيعطي فكرة عن الموضوع ولا يمكن للقارئ التعمق في دراسة الكتاب لصعوبة الجلوس على شاشة الكمبيوتر من ناحية صحية لوقت طويل. على عكس ما يراه المدافعون عن الكتاب الورقي يعتقد المدافعون عن الكتاب الرقمي أن استخدام الكتب التقليدية بهدف البحث العلمي هو أشبه بالعوم في حمام سباحة في حين أن استخدام الإنترنت والكتاب الرقمي والمكتبات الإلكترونية أشبه بالسباحة في المحيط، فالتقنية الحديثة الرقمية توفر الوصول إلى المعلومة بسرعة كبيرة، حيث يستطيع القارئ أو الباحث الحصول على المعلومات في دقائق معدودات. إضافة إلى أن الكتاب الإلكتروني يقدم للقراء والباحثين خدمات أكثر من حيث إمكانية البحث والفهارس الإلكترونية لا تتوفر مطلقا في حالة الكتاب الورقي. وحول ادعاء المعارضين للنشر الإلكتروني بأن الجلوس على شاشة الكمبيوتر يؤثر على الناحية الصحية فهم يرون بأن اللاب توب يمكن حمله إلى أي مكان حتى في السرير.
من الدلائل الأخرى التي يقدمها المدافعون عن الكتاب الورقي لإثبات صحة رؤيتهم، أنه في حالة الكتاب الإلكتروني لا يوجد حماية على حقوق المؤلف ويسهل سرقته على عكس الكتاب الورقي. ويدافع المؤيدون للنشر الإلكتروني بقولهم بأن السرقة يمكن أن تحصل سواء أكان ذلك في حال الكتاب الورقي أم في حال الكتاب الرقمي أو الإلكتروني. ويعتقدون بأنه يمكن أن توجد العديد من التقنيات التي تحد من السرقة الإلكترونية المعروفة "بالنسخ واللصق" Copy & Paste، حيث يجادلون بأن جوجل Google تنبهت إلى هذا الأمر بالنسبة لكتبها الرقمية التي تعرضها وذلك عن طريق توفير حماية للصفحة، بحيث يصعب أن تقوم بعملية النسخ واللصق منها بسهولة وهي عملية تؤمن الحماية للكتاب الرقمي أو النشر الإلكتروني، وبالتالي يحد من السرقة. كما يناقشون بأنه يمكن الحد من عمليات السرقة، من خلال وضع ضوابط للنشر الإلكتروني بأن يدخل اتحاد الكتاب طرفا لضمان حقوق التأليف. ويضيفون بأنه يمكن الاستفادة من التجارب التي سبقت المجتمعات العربية في هذا المجال، فحسب تجارب دول أوروبا وأمريكيا فإنه يتم التفرقة القانونية بين حقوق الملكية الفكرية للنسخة المطبوعة من الكتاب أو المؤلَّف وكل من النسخة الإلكترونية والطبعة المنسوخة على اسطوانات مدمجة والنسخة المسموعة، واعتبار كل هذه الأشكال مؤلفات مستقلة، ما لم يُنَصّ صراحة على شكل المؤلف في العقد الحصري. فما تقدمه دار النشر الإلكتروني حتى يتم إنتاج الكتاب الإلكتروني وتوزيعه على كل قارئ يطلبه في العالم، فهي تقوم بتحويل الكتاب من نسخـته الورقية إلى نص إلكتروني قابل للبحث من خلال أحدث تقنيات الـOCR .
بشأن حقوق الملكية الفكرية يخالف المدافعون عن النشر الإلكتروني ما يراه المدافعون عن النشر الورقي، فهم يجدون بأن للنشر الإلكتروني ميزة على النشر الورقي حيث يرون أنه في حالة الكتاب الورقي يرتبط بعض المؤلفين والمبدعين العرب أحيانًا بعقود حصرية لبعض أو كل مؤلفاتهم مع دور نشر، في حين أن ذلك لا يكون في حالة النشر الإلكتروني.
دليل آخر يقدمه المناهضون للنشر الإلكتروني على صحة رؤيتهم، حيث يناقشون بأن البلاد العربية بها نسبة أمية عالية بحيث لا يستفيد الجمهور من الكتاب الالكتروني الذي يحتاج لتكنولوجيا معقدة. أما الرأي الثاني المؤيد للكتاب الرقمي فيعتقد بأن التكنولوجيا هي ميزة في صالح الكتاب الالكتروني، حيث يقرأ من على أنواع متنوعة من شاشات العرض الخاصة بالأجهزة الالكترونية المختلفة. إلى جانب إمكانية إضافة الكثير من النظم التفاعلية حيث يتميز بوجود وسائط متعددة من نصوص وصور ورسوم وصوت وأفلام متحركة, ولديه نسبة عالية من التفاعلية مع القارئ, الأمر الذي يساعد على التعلم بصورة أفضل، لأن القارئ يتذكر بالمشاهدة أكثر مما يتذكر بالقراءة. إضافة إلى إمكانية تطبيق التقنية الفنية الرقمية في الإخراج الفني للكتاب الإلكتروني، بإمكانات لا تتوافر للكتاب التقليدي. ويواصل هذا الرأي مجادلته في رده على ما يراه مناهضو الكتاب الرقمي فيما يتعلق بارتفاع نسبة الأمية في الدول العربية، بأن هذا الأمر يؤدي إلى عدم استفادة المجتمعات العربية من الكتاب الورقي والإلكتروني على حد سواء، ويعتبر بأن الأمية في المستقبل القريب في ظل عصر السرعة والرقمية لن يكون معناها عدم القدرة على القراءة والكتابة، وإنما سيطلق لقب أمي على من لا يستطيع استخدام الكمبيوتر والتكنولوجيا الرقمية الحديثة. ويرد "مناهضو" الكتب الإلكترونية على ذلك بقولهم: "حتى وإن وجدت بعض الميزات في الكتب الالكترونية، إلا أن لها عيوبا كثيرة، منها ارتفاع أسعار القارئات، وعرضتها للأعطال، وسرعة تقادمها نتيجة التطور الحثيث للتقنية". إلا أن المدافعون عن الكتب الإلكترونية يرون بأن تكلفة الكتاب الإلكتروني على القارئ أقل من تكلفة الكتاب الورقي، ويعتبرون بأن ارتفاع أسعار القارئات في الوقت الحالي وعرضتها للأعطال لا يعني بأن ذلك سلبية للنشر الإلكتروني، لأن كل تقنية حديثة عندما تظهر في بدايتها يكون ثمنها مرتفعا لكن سرعان ما ينخفض سعرها وتنتشر. إضافة إلى اعتقادهم بأن التطور التقني الذي يسير بخطوات سريعة جدا هو في صالح النشر الإلكتروني، لأنه يتم اكتشاف تقنيات جديدة باستمرار لتلافي العيوب التقنية التي يتم اكتشافها مثل التعرض للأعطال.
يواصل مناهضو الكتب الرقمية عرض الدلائل المؤكدة صحة رؤيتهم، ويناقشون بأنه وبالرغم من انتشار الكتب الالكترونية في مختلف أنحاء العالم فإنها لن تصل إلى الكم وحجم السوق المتوقع لا سيما في الوطن العربي. كما يرى هذا الرأي بأن تراجع نسبة اقتناء الكتب المطبوعة لن يلغ مستقبل الكتاب الورقي ولن يحول دون انتشاره لكونه لا يزال جزءا من العملية التعليمية، وهو المساهم الأساسي في استمرار مؤسسات اقتصادية كبرى، كما بإمكانه الوصول إلى أماكن كثيرة لا تغطيها شبكة الانترنت.
المدافعون عن الكتب الإلكترونية يردون على هذه الدلائل بقولهم: "أي شيء جديد سواء أكانت سلعة معينة أم تقنية ما تدخل إلى الوطن العربي، في بداية الأمر لا تجد لها سوقا فور وصولها، إلا أنها سرعان ما توطن لنفسها مكانة في السوق العربية وتتقبلها المجتمعات العربية بحيث تتعود عليها ويصعب عليها الاستغناء عنها فيما بعد، وهو ما سيحدث بالنسبة للكتب الإلكترونية". ويضيف هذا الرأي بأن الكتب الالكترونية لها ميزة كبيرة من ناحية النشر، فساهمت في خفض الزمن المستغرق في النشر، إضافة إلى سهولة توزيع الكتاب الإلكتروني في جميع أنحاء العالم، بغض النظر عن الحواجز والتعقيدات التقليدية التي تواجه الكتاب الورقي في الدول العربية. حيث يجادل أصحاب هذا الرأي بأنه في حالة النشر الإلكتروني ستمر جيوش من الكتب "الممنوعة" في عالم النشر الورقي وتستوطن هذه القارة الجديدة وتجد فيها ما يشبه جنة عدن. فوجود الكتاب الإلكتروني على شبكة الإنترنت حسب اعتقادهم يجعله أقل عرضة لتهديد المصادرة والمنع المنتشر في بعض الدول. كما أن هناك إمكانية للتخلص من قيود الكمية للطبعات وعدم نفادها.
حاولنا استعراض أبرز النقاط المتجادل عليها من سلبيات وإيجابيات كل من الكتاب الرقمي والورقي حسب وجهتي النظر سواء المدافعة عن النشر الإلكتروني أو المناهضة له في الأوساط الأدبية والعلمية العربية.
ورغم كل هذا النقاش تبقى الحقيقة الواضحة بأن الكتاب الورقي في وطننا العربي لا زال يحتل الصدارة فيما أن الكتاب الرقمي أو الإلكتروني لا يزال يحبو. لكن هذا الأمر لا ينطبق على غيرنا من المجتمعات الصناعية ذات التطور الحضري، فهؤلاء قطعوا شوطا كبيرا في النشر الرقمي وباتت تحتل الكتب الرقمية مكانة متقدمة. فالمكتبات الإلكترونية في المجتمعات الصناعية ذات التقدم الحضري أصبحت أمرا واقعا، فباتت فكرة الكتاب الرقمي واقعا ملموسا بالنسبة للعديد من الجامعات في أميركا وأنحاء العالم المتقدم، إذْ تُدرك هذه الجامعات أن الطلاّب أكثر التصاقا بالإنترنت، وأنهم يُفَضّلون شاشات الكمبيوتر للإطلاع على الكتب بدلا من السير بين رفوف الكتب لمعاينة ما يريدون قراءته وتصفحه. واستجابة إلى هذا التحول النوعي، يختار العديد من الجامعات ترقيم مكتباتها. لكن في مجتمعاتنا العربية لا زلنا متخلفين جدا في هذه المسألة. فعلى سبيل المثال تخطط جوجل لترقيم ملايين الكتب خلال السنوات التالية في إطار ما يُعرف باسم مشروع جوجل للمكتبات http://www.print.google.com/، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا أين المجتمعات العربية من هذه المشروعات.
في خضم استمرار الجدل حول النشر الرقمي والورقي قد يتناسى البعض أن كل عصر يفرز أدواته، ونحن اليوم نعيش العصر الرقمي أو العصر الالكتروني، وبالتالي لا بد من إفراز الكتابة الالكترونية، وفي المستقبل القريب ستظهر تقنيات أخرى متعلقة بالنشر قد لا نتوقعها الآن. من الصعب، كما قال بيل جيتس، أن ننظر إلى الوراء، لا بد أن ننظر إلى الأمام لنعرف إلى أين نحن ذاهبون، فالمستقبل فعلا للنشر الالكتروني وقد يكون قد مضى للنشر الورقي مجد لن يتكرر. ومن لم يبدأ التعامل الآن مع الطريقة الجديدة من النشر الإلكتروني سيسبقه هذا القطار. وقد يصبح في المستقبل، سواء شئنا أم أبينا، الكتاب الورقي موضة قديمة، وربما لن تعود المكتبات مكانه وإنما المتاحف. قد يبدو هذا الأمر لبعض الناس مستحيلا حدوثه، لكن هذا الأمر ورغم صعوبة تحقيقه بين عشية وضحاها إلا أنه ليس من المستغرب أن يحدث إذا تم نشر كل الكتب القديمة والحديثة إلكترونيا، وتم القضاء على الأمية الإلكترونية فعندئذ سينتهي الكتاب الورقي. وهو تطور طبيعي في حال حدوثه, فلقد تطورت الكتابة والقراءة من الأحجار والألواح إلى الكتابة على العظام والجلود ثم الورق ثم الكمبيوتر. لم يخطر ببال الأشخاص الذين عاشوا في العصر الحجري أن الكتابة على الأحجار ستختفي نهائيا، وربما أن أحدا ما لو قال لهم بأن الكتابة على الحجارة سيجادلونهم بنفس الحدة التي نشهدها اليوم حول الكتابة على الورق أو أكثر. لكن عدم إمكانية هؤلاء أن يصدقوا بأن الكتابة على الأحجار ستختفي لم يمنع من اختفائها. وإذا اختفت الكتابة على الأحجار ومن ثم على الألواح والعظام والجلود فما المانع أن تختفي الكتابة على الورق؟
ما يحاول مناهضو الكتاب الإلكتروني القيام به من الترويج لسلبيات هذا الكتاب، وكذلك رؤية موقف المعتدلين الذين يحاولون مسك العصا من الوسط لن تمنع الكتاب الإلكتروني من سحب البساط من تحت الكتاب الورقي أجلا أم عاجلا، لأن عجلة التقدم لن تنتظر هذا الجدل. ولا نريد أن نجد أنفسنا كما نفعل دوما نحاول أن نلحق بركب القطار بعد أن يكون قد سار مسافة طويلة، فنحن اليوم نعيش في عصر الرقمية ولن تترك الرقمية للورقية شيئا في المستقبل. ومهما حاولنا من التقليل من أهمية الكتاب الرقمي فإننا سندرك لا محالة هذه الحقيقة لكن المصيبة هي أن ندركها متأخرين جدا كما هو حالنا دوما.
ساحة النقاش