كلّ شيء قد تغيّر
فراس حج محمد/ فلسطين
كلّ شيء قد تغيّر
الحبّ في المسلسلاتْ
السّرد في الرّواياتْ
حتّى الجريمة لم تعد مدهشةً كما كانت قبل نصف قرنٍ من الآنْ
عاديّةً صارتْ كنشرة الأخبارْ
كأغاني الزّعماءْ
****
كلّ شيءٍ قد تغيّر
يطولُ اللّيل على السّاهرين
والمصابيح تشعر بالإرهاق
لا أحدٌ يتذكّرها لتنامَ قليلاً
وزرقة السّماءِ تُغرق الكونَ برودة عمياءْ
****
كلّ شيء قد تغيّر
الأقلامُ أنحفُ، أقصر
تفيض بسرعة كأنّها نزقةْ
والأوراقُ غدت متبرّجة حمقاءْ
لا شاعرٌ فحلٌ هناك يسعدها بحفلٍ راقصٍ حتّى الصّباح
تتقيّأ في أسرّتها
وترمي نفسها للنّاشئين مراهقةً
تبول في شفاه القارئينَ من الهُواةْ
شوهاءُ عمياءُ بائسة التّعبْ
****
كلّ شيءِ قد تغيّرْ
رائحة النّعنع في الحوضِ بجانب مدخل البيت
شكلُ الوردة الجوريِّ
وِقفة العصفور في الشّباكْ
تتزحلق رجلاه على البلّورْ
يبصق في أعينِ النّائمينَ
ويشتم هذي الحياةْ
حتّى النّساءُ الأخرياتُ صرنَ يحتجنَ نساءً أخرياتْ
****
كلّ شيء قد تغيّرْ
النّاشرون والكتّابُ والشّعراءُ والنُّقادُ
تجّارُ اللغةْ
في الصّحفِ والمجلّاتِ و"الكتبِ الأكثر مبيعاً في العالم"
والمؤمنون يصلّون ويصومون تجارةً ويعملون بالعدّادْ
ويقرؤون آياتِ الكتابِ وهم يفكّرون بالأرقامْ
****
كلّ شيء قد تغيّر
الشّيوعيّة الحمراءْ
بدّلت أحلافها واعتنقت ديانتها الجديدة
تقشّر جلدها وتهرّأ العمّال تحت "نار الله الموقدةْ"
أحرقت كتب الزّعماءِ الأوائلِ
انتبهت لأرصدة البنوكْ
عانقتها العولمةُ الصّفراءُ مصّاصة المال والعمرِ وحلم الفقراءْ
ضيّعتِ الشّمس على جدار السّجنِ
طالت دون حدٍّ أيادي الأثرياءْ
واليسارُ بلا يسارْ
وأحزاب اليمين غارقةٌ في تقمُّص أدوارِ الشّعراءْ
****
لولا كلّ ما سبقْ
ما تغيّرت هذي القصيدةُ
عاريةً صارت من الأوراقِ والصّورةْ
وآفاق المجازْ...
فقيرةً، مطحونةً، تحيا في الفراغْ