فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

رسالة إلى كاتبة شابّة

السبت 30 كانون الثاني 2021

فراس حج محمد/ فلسطين

لا تغترّي بما أنتِ عليه اليوم من حضور وصور، ربما وراءه الكارثة، أتريدين معرفة شيء من الحقيقة؟ اقرئي على مهل هذه الرسالة، ولا تكابري واعترفي أنك كنتِ أسوأ مما كتبتُ، ولكن قرري أن تكوني أفضل مما يتوقعون.

ما دمت "صبية حلوة"، وتمتلكين جسدا منحوتا كريستاليا وتخضعين بالقول أبشركِ فقد وصلتِ، لا يهمّ بعدها الموهبة والقدرة على الكتابة، ثقي بقدراتك الجنسية فقط، فهي كل ما يلزم في مجتمع "الذئاب الثقافي"، سيكون الكلّ في خدمتك؛ الوزيرُ، والمديرُ، والكاتب الكبيرُ، والمحرر النحريرُ، ولن يسلم من الحَوْم حولك الأمين العامّ السياسي الثقافيّ، فمن مهامه التي لن يتردد في إتقانها والترويج لها رعايتك والانتباه لموهبتك الجنسية الباذخة.

عندما يتقدم بك العمر ويكون كل تاريخك الأدبي مبنياً على لحم جسمك، سيذهب هذا التاريخ إذ يفقد هذا الجسم قدرته على الإغواء والإرضاء والإرضاع والإشباع، وستكون مخلفاتك الورقية، المسمّاة "كتباً"، أسوأ من فضلات هذا الجسم الذي تلقين بها على عجل في بيتك الخارجي الداخلي. ستجدين نفسك وحيدة بليدة عارية باردة لا تشفع لك الصور ولا تحضنك طيوف الشامتين الذي كانوا يلوكون لحمك في السرير، ويأكلون سمعتك على رنين كاساتهم في المقاهي، ويمسحون مؤخراتهم بصفحات كتبك البائسة. حتى هذا الجسم ستكتشفين أنه أصبح قطعة من الخشب المنخور بالسوس، ملوثاً بلعاب الذباب والبعوض والعناكب واليعاسيب.

لن تسمعي من هؤلاء الذئاب إلا المدح الذي سيفضي بفخذيك ألعوبة بين أفخاذهم، وبنهديك أرجوحة بين أيديهم وأفواههم، سيغررون بك باسم الحرية والحداثة والثورة والتمرد، وسيطلقون عليك ألقابا جوفاء، لا معنى لها ولا هم يؤمنون بها إلا بقدر ما تكشفين به عن جسمك الماسيّ المشبع شهوة ونشوة ودفئاً. سيرضون عنك ما دمت تدغدغين فحولتهم العمياء الوحشية التي لا تعرف الحضارة ولا احترام إنسانية الإنسان، سيكونون نسويين أكثر من أيّ نسوية عالمية ما دمت على مرمى هدف، صباحا ومساء، ومتاحة، وممنوحة في كل وقت، ستصبحين ليس لك من حياتك وعمرك نصيب، ستكونين لهم وحدهم، ليس لك منكِ شيء، كلك للريح ومع الريح.

فكري بالابتعاد قليلا، ولاحظي المأتم الذي سيصنعونه، ستكونين معجماً لرداءة الأفكار والألفاظ وتكرارها، واعوجاج الأساليب وابتذالها، فليس معك شيء، ضحلة، سافلة، هكذا مرة واحدة سيكتشفون حقيقتك التي أخفوها عنك زمنا طويلا من أجل أن يتمتعوا بك المتعة العابرة.

لا تحاولي أن تشني عليهم حربا، لأنك لا تستطيعين فعل ذلك، فقد جردوك من أسلحتك كلها، حتّى اللغة سلبوها منكِ، وجردوك قبل ذلك وبعده من ملابسك وألبسوك أجسادهم وأشبعوك على موائدهم وأرْوُوك بكؤوس نبيذهم وعرقهم وماء ظهورهم. فماذا معك أنت أيتها المسكينة بعد أن أصبحت كومة من رماد لتحاربيهم؟

عليك لمواجهتهم أمران أن تنتحري أو أن تقتليهم جميعا حتى لا تقع الأخريات بالشرك الذي وقعت فيه، أو عليك أن ترضَيْ بهذه النتيجة التي وصلت إليها بعد عمر طويل حافل بالكذب ونفاق الجمال الجسدي العابر بسرعة نحو صحرائك الذابلة.

ليس لديك الآن أي قدرة على إحداث ثورة عارمة، ولن تكوني قادرة على اجتراح البطولة والشهادة والتطهر من أجل هذا الانتقام المحمود النوايا. بائس وضعك بلا شك، ولكنّ الأبأس هو أن تراك الأخريات ملقاة على الرصيف عارية باكية باردة ويشتمنك وهن ذاهبات إلى ممارسة "الرذيلة الثقافية" مع آخرين يشبهون أولئك الذين ازدردوا لحمك وكسروا عظمك وجردوك من ملابسك. اعتقدن كما اعتقدت أنهن سيصبحن أديبات كبيرات لو مارسن "العهر الثقافي" مع كبار الكتّاب.

قد لا أكتبُ لك رسالة أخرى، آملا أن تقرئي رسالتي هذه، ربما أعدتِ التفكير في حياتك كلها. فثمة ما هو أهم من الوهم؛ إنها الحقيقة، ابحثي عن الحقيقة أو اصنعيها بعيدا عنهم جميعا، فهم ليسوا مصدرا موثوقا للكاتبات الناشئات لأنْ يكُنّ على قيد الحياة والكتابة الجيدة. بل ربما قتلوهنّ لو شعروا أنهنّ سينافسنهم على تصدّر المشهد واستحواذهن على الصورة وسرقة الضوء والأضواء والشهرة، عندها ستعرفين من هو العدوّ الأول والحقيقي للمرأة الكاتبة.

 

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 381 مشاهدة
نشرت فى 30 يناير 2021 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

725,471

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.