مع ألترا صوت
مكتبة فراس حج محمد
ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟
كنت صغيرا عندما انتبهت لوجود الكتاب من حولي، لقد شكّل دخولي الصف الأول الابتدائي حدثا مهما في حياتي. إذ لا أذكر أنه كان في بيتنا كتاب، كانت الأم لا تقرأ ولا تكتب، والأب مشغول في تديير شؤون المعيشة. فجأة صرت أمام الكتاب، شعرت بشيء غريب، وسرعان ما تعلمت القراءة، وصرت أتشوّق في كل صف جديد للكتب الجديدة. للكتب في تلك الفترة رائحة خاصة أفتقدها اليوم، وأحنّ إليها.
وسنة بعد أخرى أصبح الكتاب رفيقي، كنت أرفض إعادة كتب اللغة العربية إلى المدرسة نهاية العام الدراسي، ما زلت إلى اليوم أحتفظ بنسخ من تلك الكتب وبعض كتب المكتبة المدرسية التي كنت أستعيرها. في مرحلة المدرسة كنت أخبئ الكتب في صندوق من الكرتون، كان إذ امتلأ أبحث عن آخر وهكذا. هذا الجنين الأولي لتأسيس مكتبة من تلك الكتب تم تدميره وضياعه بفعل عوامل كثيرة. لكن ظل هوس الكتب حاضرا. حتى استطعت شراء كتابين معا وأنا في عمر الرابعة عشرة، حصلت على ثمنهما من مبلغ جمعته خلال موسم قطف الزيتون، فقد كان شائعا ذهابنا نحن الصغار وقتذاك بعد الدوام المدرسي وفي يوم الجمعة إلى حقول الزيتون المقطوف لنجمع الحبّ المتبقي وراء الفلاحين، ونبيعه في نهاية اليوم، رفقائي كانوا ينفقون ما يحصلون عليه في الحال، أما أنا فكنت أدخرها. وهكذا استطعت شراء الكتابين وقرأتهما بالتأكيد، وما زلت أحتفظ بهما وقد كتبت عليهما التاريخ والثمن، ومع هذين الكتابين عثرت على ثلاثة كتب كانت لأبي، عثرت عليها في بيت جدتي، وهي: الرسالة الخالدة، وكتاب رسائل لأبي العلاء المعري، وسيرة عنترة العبسي. قرأت الكتب الثلاثة أيضا، وأحببت جدا سيرة عنترة العبسي وخاصة ما فيها من قصائد، كنت أسمعها من أبي. وبهذه الكتب الخمسة تخلق الجنين الجديد من المكتبة.
ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟
ربما الكتاب الأكثر تأثيرا في حياة قارئه هو الكتاب المنسي، لا أذكر الآن أن هناك كتابا كان له ذلك الأثر الكبير في حياتي وتطوير أفكاري. أفكاري تطورت بفعل عوامل متنوعة ربما لم يكن للكتاب كبير أثر فيها. مرافقتي لوالدي وسماعي الأغاني الشعبية والقصص الشعبية وقصص الأمثال كان الأقوى تأثيرا في حياتي. ما زالت أذكر تلك الأغاني الشعبية وتلك القصص. إنها ذات نشوة أقوى من الكتب. بل إن حكايات جدتي كانت هي الكتب الحقيقية التي علمتني السرد والشعر والفلسفة وعلم الأخلاق. كانت تأخذني إلى عوالم سحرية بما تحمله من ملامح فكاهية وساخرة أحيانا لحكايات الناس ونوادرهم في القرية. لقد كانت جدتي بالفعل موسوعة ثقافية واجتماعية متنقلة. كانت رحمها الله تحب أن تقص الحكايات بلا ملل.
من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟
الآن اختلف الأمر، أصبح لديّ كتّاب مفضلون، وليس كاتبا واحدا، وبحكم دراستي للأدب الفلسطيني الحديث والنقد الأدبي، أحب جدا قراءة كتب النقد، وكتب الفلسفة. من النقاد أحب لغة رولان بارت كثيرا مع أنني أقرأه مترجما بطبيعة الحال، أحببت أيضا جورج باتاي وما كتبه في "حكاية العين" وفي كتابه المهم "الأيروسية". وأحببت عوالم الجاحظ والحلاج وكتاب الأغاني ودواوين الشعر العربي القديم والحديث، وأفادتني كتب الفكر الإسلامي كثيرا، وخاصة كتاب "التفكير" للشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله.
كل واحد من هؤلاء الكتاب كان مختلفا عن الآخر، كنت أحس وأنا أقرأ في كتب كل منهم أنهم يفتحون مسارب جديدة في عقلي. وبطبيعتي أكون شغوفا بكل معرفة جديدة حتى وإن كانت صعبة وصادمة. وعلى الرغم من ذلك أشعر أن هؤلاء الكتاب هم أصدقائي المخلصون، فلا أستطيع التفكير بعيدا عن عوالمهم وما أنتجوه من أفكار، إنهم يدفعونني دفعا لطيفا أن أكتب متجاوزا ما قالوه. تصبح المهمة شاقة إذن والمساحة تتناقص باستمرار. إنها معضلة أخرى من معضلات القراءة.
هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟
بكل تأكيد، فقراءة الكتاب بالنسبة إليّ وقراءة المقال كذلك في الصحيفة أو المجلة هي عملية حوار وتفكير مصاحبة لأفكار الكاتب. لا أكتب ملاحظات فقط، بل ربما امتدّ الأمر إلى كتابة فقرات كاملة على هوامش الكتاب حتى يغدو غير صالح للقراءة من بعدي لأي قارئ سواي. عندي هوس بالكتابة عن كل كتاب قرأته، لأنه يكون قد تكاثر على هوامشه الكثير من الفقرات التي تشكل بعد قليل من التحرير مقالا كاملا. أظن أنني لا أستطيع القراءة دون أن يكون بصحبتي قلم حبر، بل إنني أؤجل القراءة إذا وقع بين يديّ كتاب ولم يكن ثمة قلم لاقتناص الأفكار. الأفكار طيور تحلّق في صفحات الكتب التي أقرأها أكون حريصا على صيدها بنشوة مضاعفة. لم يعد هناك انفصال بين عمليتي القراءة والكتابة، القراءة تقودك لأن تكتب، والكتابة تقودك لأن تبحث وتقرأ في علاقة جدلية تستهلك وقت الكاتب القارئ أو إن شئت تستهلك حياة القارئ الكاتب.
هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟
يختزن حاسوبي الشخصي مئات الكتب الإلكترونية، ومع ذلك لم تغير تلك الكتب والملفات علاقتي كثيرا بالكتب، أخضعها هي الأخرى لمنطقي في القراءة، أحاول الحصول على نسخة مطبوعة من الكتاب الإلكتروني الذي يستهويني لقراءته، وإذا لم تتوفر نسخة مطبوعة إما أن أطبع تلك الكتب أو أضطر لقراءتها إلكترونيا وكتابة ملحوظات على أجندة خاصة. عملية مرهقة لكنها ممتعة بالتأكيد. الكتب الإلكترونية مفيدة كمراجع للتوثيق أكثر من كونها كتبا للقراءة، لا أحس أن أفكار تلك الكتب ترسخ في الذهن كما ترسخ أفكار الكتب الورقية.
حدّثنا عن مكتبتك؟
تضم مكتبي آلاف الكتب المتنوعة في موضوعاتها، وهي منتشرة في كل غرف المنزل حتى في غرفة النوم، وفي غرف الأولاد، تتوسع باستمرار وتتضخم فأكون مضطرا كل فترة أن أصمم أرففا جديدة لتستوعب تلك الكتب. أسعى جاهدا للحصول على المجلات الدورية والكتب التي تصدر حديثا، الكتب لديّ أهم من أي حاجة أخرى. أقتطع شهريا من راتبي المحدود مبلغا لأشتري الكتب والمجلات، وبعضها حصلت عليه كهدايا من أصدقائي الكتّاب.
ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟
أقرأ يوميا من عدة كتب، وأقرأ مقالات ودراسات نقدية أختارها من المجلات والمواقع الإلكترونية. هناك كتب بدأت بقراءتها ولم أنهها بعد. أتابع كتابات الجيل الجديد من الكتاب الفلسطينيين، أنهيت قبل فترة وجيزة رواية مريم/ مريام للأسير كميل أبو حنيش، وأعمل على مراجعة كتب أصدقائي قبل الطباعة. ثمة كتب أخرى ينتظر الأصدقاء قراءتها لأقول فيها رأيي. بالمجمل كل يوم جديد هناك كتاب جديد أقرأ فيه وإن لم أكمله منتقلا لغيره.