لماذا خلقنا الله؟
د. زياد موسى عبد المعطي أحمد
خلقنا الله عز وجل لنكون خلفاء في الأرض، نعبده، نتسابق في عمل الصالحات، الدنيا دار ابتلاء واختبار، بعدها يكون الموت ثم البعث في الآخرة إلى دار القرار إما إلى الجنة أو النار. آيات القرآن تخبرنا لماذا خلقنا الله، وهذه محاولة للإجابة على السؤال: لماذا خلقنا الله؟
خلق الله عز وجل الإنسان ليكون خليفة في الأرض، يعمرها ويعمل الصالحات، أخبرنا الله عز وجل في القرآن عن خلق آدم "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ" (البقرة: 30)، وكان وجود آدم في الجنة وخروجه وحواء من الجنة ليعلم آدم وذريته إلى يوم الدين أن إبليس عدو له ولذريته، وأن اتباع الشيطان لن يدخلهم الجنة كما طرد ابويهم من الجنة، واتباع الشيطان في الدنيا يكون عاقبته الخسران في الدنيا والآخرة.
الخلافة في الأرض تعني الحكم بالعدل يقول الله عز وجل لنبيه داوود "يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ" (ص: 26).
خلقنا الله لنعبده سبحانه وتعالى "ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ" (الأنعام: 102)، وهذه العبادة سوف تعود بالنفع على من يطيع الله بالنفع في الدنيا والآخرة، ويقول الله عز وجل "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ. إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ" (الذاريات: 56 – 58).
خلقنا الله لكي نتعلم ونُعلم أمور الدنيا والآخرة 'الرَّحْمَٰنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ. خَلَقَ الْإِنسَانَ. عَلَّمَهُ الْبَيَانَ" (الرحمن: 1-4)، أول آيات القرآن نزولاً تحث على العلم "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ" (العلق: 1)، ويرفع الله الذين آمنو وأهل العلم "يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ"(المجادلة: 11).
خلقنا الله عز وجل ليختبرنا من منا أحسن عملاً: "ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ" (يونس: 14)، "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُور"ُ (الملك: 2)، فالله عز وجل يرى أعمالنا وسوف يخبرنا بما كنا نعمل “وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" (التوبة: 105).
خلقنا الله يختبرنا: " أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ " (العنكبوت:2 - 3)، ثم يوم القيامة تكون العودة والحساب "أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ" (المؤمنون: 115).
خلقنا الله لنعبده ونعمل الصالحات، وندافع عن الحق ونحارب الباطل. "وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ. لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ. بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ. وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ. يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ" (الأنبياء 16 – 20). "وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ" (البقرة: 251)، "وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز"ٌ (الحج: 40)
خلقنا الله مختلفين لنتعارف ونتكامل ويكمل كل منا الآخر، خلق الله الناس ذكوراَ وإناثاً، وخلق الله الناس مختلفين شعوباً وقبائل تختلف في اللغات والعادات والتقاليد، والأكرم عند الله هو من يتقي الله ويطيعه "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير"ٌ (الحجرات: 13).
الله عز وجل وعد من آمن به وعمل عملاً صالحاً خالصاً لوجه بأجر كريم، ودخول الجنة يوم القيامة “"يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ" (المؤمنون: 51)، "وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ" (آل عمران: 57)، " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۙ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ " (المائدة: 9)، " إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ" (الحج: 14)، "" وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (البقرة: 82).
ومن يعمل العمل الصالح هو المستفيد من ذلك، ومن يعمل السيئات فسوف يعاقب عليها "هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ۖ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا ۖ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا" (فاطر: 39). "يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ. فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ" (الزلزلة 6 -8)، " مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ" (فصلت: 46)، " مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۖ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ" (الجاثية: 15).
وطاعة الإنسان لله لن تزيد في ملك الله شيئاً ولن تنفعه سبحانه وتعالى، والمعصية لن تضر الله في شيء، ولن تنقص من ملكه شيء وفي الحديث القدسي الذي يرويه النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فيما روى عن اللهِ تبارك وتعالى أنَّهُ قال "يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضُرِّي فتضروني. ولن تبلغوا نفعي فتنفَعوني. يا عبادي! لو أنَّ أوَّلكم وآخركم وإِنْسَكم وجِنَّكم. كانوا على أتقى قلبِ رجلِ واحدٍ منكم. ما زاد ذلك في ملكي شيئًا. يا عبادي! لو أنَّ أوَّلَكم وآخركم. وإنْسَكم وجِنَّكم. كانوا على أفجرِ قلبِ رجلٍ واحدٍ. ما نقص ذلك من ملكي شيئًا. يا عبادي! لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم. وإنسَكم وجِنَّكم. قاموا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني. فأعطيتُ كل إنسانٍ مسألتَه. ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقصُ المِخْيَطُ إذا أُدْخِلَ البحرَ. يا عبادي! إنما هي أعمالكم أُحصيها لكم. ثم أوفِّيكم إياها. فمن وجد خيرًا فليحمدِ اللهَ. ومن وجد غيرَ ذلك فلا يلومَنَّ إلا نفسَه " (صحيح مسلم).
وعبادة الله ليست فقط في الصلاة والصيام بل على المسلم أن تكون حياته كلها لله "قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" (الأنعام: 162)، ويجب أن تكون النية خالصة لله سبحانه وتعالى، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إِنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ "(متفق عليه)، ويقول صلى الله عليه وسلم عن رجل خرج لعمله "إنْ كان خرجَ يَسعَى على ولَدِهِ صِغارًا فهوَ في سبيلِ اللهِ، وإنْ كان خرجَ يَسعَى على أبويْنِ شيْخيْنِ كبيريْنِ، فهوَ في سبيلِ اللهِ، وإنْ كان خرجَ يَسعَى على نفسِهِ يَعِفُّها فهوَ في سبيلِ اللهِ ، وإنْ كان خرجَ يسعَى رِياءً ومُفاخَرةً فهوَ في سبيلِ الشيْطانِ" (الألباني : صحيح الجامع). وفي حديث آخر ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أعمال الخير حيث يقول "مَن نفَّسَ عن أخيهِ كُربةً من كُرَبِ الدُّنيا نفَّسَ اللَّهُ عنهُ كُربةً من كُرَبِ يومِ القيامةِ، ومن سترَ مسلِمًا سترَهُ اللَّهُ في الدُّنيا والآخرةِ، ومن يسَّرَ على مُعسرٍ يسَّرَ اللَّهُ علَيهِ في الدُّنيا والآخرةِ، واللَّهُ في عونِ العبدِ ما كانَ العبدُ في عونِ أخيهِ، ومَن سلَكَ طريقًا يلتَمسُ فيهِ عِلمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طريقًا إلى الجنَّةِ، وما قعدَ قومٌ في مسجِدٍ يتلونَ كتابَ اللَّهِ ويتدارسونَهُ بينَهُم، إلاَّ نزلت علَيهِمُ السَّكينةُ، وغشيتهمُ الرَّحمةُ، وحفَّتهمُ الملائِكَةُ، ومن أبطأَ بِهِ عملُهُ لم يُسرِعْ بِهِ نسبُهُ" (صحيح الترمذي). ويخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن إتقان العمل مما نتقرب به إلى الله "إن الله يحبُ إذا عملَ أحدكُم عملا أن يتقنهُ" (الألباني: السلسلة الصحيحة).
الحصول على الحسنات قد يستمر بعد الممات: حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: في الحديث الشريف "إذا مات الإنسانُ انقطع عنه عملُه إلا من ثلاثةٍ: إلا من صدقةٍ جاريةٍ. أو علمٍ ينتفعُ به. أو ولدٍ صالحٍ يدعو له" (صحيح مسلم)، وهذا ما يستمر بعد الممات من الأعمال الصالحات، وما يخلف الإنسان بعد الموت.
طاعة الله وعبادته بأعمال الخير الكثيرة، ونصرة الحق، ومحاربة الباطل، ومناصرة المظلومين، والجهاد في سبيل الله، طاعة الله في حسن معاملة الناس، طاعة الله في مكارم الأخلاق، طاعة الله وعبادته بالتبسم في وجه الناس، طاعة الله تعليم الناس الخير، طاعة الله في حسن معاملة الإنسان، طاعة الله في الرفق بالحيوان، طاعة الله بتعمير الأرض ونهضة الأوطان، طاعة الله في كل مكان وزمان طريق لنيل رضا الرحمن، وندخل جنة الرضوان.
ندعو الله عز وجل أن يجعلنا خلفاء في الأرض نعمل صالحاً، ونرى جزاء صالح أعمالنا بالدخول في الجنة يوم القيامة في الفردوس الأغلى إن شاء الله.