مقالات د. زياد موسى عبد المعطي

خواطر إيمانية، ومعلومات علمية، وتنمية بشرية، والدين والحياة، والعلم والإيمان، وآراء في قضاية مختلفة

تقلب القلوب

د. زياد موسى عبد المعطي

القلب يتقلب بين الكفر والإيمان، قلوب الأفراد وقلوب المجموعات، وقلوب الشعوب يمكن أن تتغير في لحظة، من النقيض إلى النقيض بإرادة الله سبحانه وتعالى، ويثبت الله قلوب المؤمنين.

قال أنس بن مالك رضي الله عنه: كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يُكْثِرُ أن يقولَ: يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قَلبي على دينِكَ، فقلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، آمنَّا بِكَ وبما جئتَ بِهِ فَهَل تخافُ علَينا؟ قالَ: نعَم، إنَّ القُلوبَ بينَ إصبُعَيْنِ مِن أصابعِ اللَّهِ يقلِّبُها كيفَ شاءَ" (صحيح الترمذي).

والسطور التالية أذكر فيها أمثلة لتحول القلوب للإيمان للأفراد والمجموعات والشعوب، وثبات القلوب التي هداها الله للإيمان على الحق.

تقلب قلوب الأفراد: الفاروق عمر بن الخطاب في لحظة فارقة في حياته بل وحياة البشرية كلها تغير قلبه وكيانه من النقيض إلى النقيض، عمر بن الخطاب كان ذاهب يقتل رسول الله الذي جاء بدين جديد، فقابله أحد كفار مكة وأخبره أن أخته قد آمنت بمحمد واعتنقت الدين الجديد، فذهب لأخته يريد شراً، فعندما ضرب أخته على وجهها، ورأى الدم يسيل من وجهها رق قلبه، وكان بداية دخول الإيمان في قلبه. عمر بن الخطاب هو نفس الشخص الذي لم يرق قلبه عندما كان يقوم بوأد ابنته وحفر لها حفرة فقامت ابنته بمسح الغبار عن لحيته ولكن قلبه كان مثل الحجارة أو أشد قسوة ودفن ابنته وهي على قيد الحياة، قلب عمر رق لجرح أخته وقبل ذلك لم يرق لقتل ابنته، عمر تقلب قلبه وصار فاروق الأمة، وكان إسلامه نصراً، تغير قلب فرد من النقيض إلى النقيض في لحظات فساهم في تغيير التاريخ.

تقلب قلوب مجموعة: وقد يكون تقلب قلب لمجموعة من الناس معاً في وقت واحد، سحرة فرعون الذين كانوا في أول النهار كفار وناصرين لفرعون ضد نبي الله موسى، تقلب قلبهم وصاروا مؤمنين لم يخافوا من تهديد فرعون، وصاروا شهداء بررة، يقول الله عز وجل "فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ. قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ. قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ. فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ. فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ. فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ. قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ. رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ. قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ. قَالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ. إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ" (الشعراء: 41 -51). رأوا الحق حقاً فاتبعوا الحق وتركوا الباطل، آمنوا بالله الواحد القهار، وأرادوا دخول الجنة التي تجري من تحتها الأنهار جزاء من الله الكريم الغفار.

تقلب قلوب شعب: أصحاب الأخدود تقلبت قلوبهم للإيمان عندما رأوا معجزة قتل الغلام المؤمن عندما قال الملك الظالم "باسم رب هذا الغلام" قبل أن يرمي سهمه، وهذا الغلام الذي عجز عن قتله الملك الظالم بطرق عديدة، لم يستطيع هذا الملك الظالم قتله إلا عندما ذكر اسم رب الغلام، فآمن الحاضرون بالله الواحد القهار، ولم يخافوا من عذاب الملك الظالم، يقول الله عز وجل في محكم آياته "قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ. النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ. إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ. وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ. وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ. الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ. إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ" (البروج: 4 – 11) تحولوا من مشاهدين محايدين ليس لهم ايمان بالدين إلى مؤمنين موحدين لديهم ثبات ويقين، وصبروا على العذاب وصاروا شهداء، مكانهم يوم القيامة في عليين، وصاروا في التاريخ من الخالدين.

قوم يونس آمنوا جميعاً لما رأوا العذاب: “فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ” (يونس: 98)، “وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلى حين” (الصافات: 147- 148)، آمن مائة ألف أو يزيدون عندما ذهب يونس غاضباً، ولما رأوا العذاب آمنوا جميعاً، شعب بأكمله تحول قلبه للإيمان.

 فسبحان من قلوب العباد بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء.. اللهم يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قَلوبنا على دينِكَ، واهدِ قلوب الناس للإيمان.

المصدر: موقع علامات أونلاين- الأربعاء – 25 أكتوبر 2017 - http://alamatonline.com/archives/289454

 

 

 

المصدر: موقع علامات أونلاين- الأربعاء – 25 أكتوبر 2017 - http://alamatonline.com/archives/289454
zeiadmoussa

د. زياد موسى عبد المعطي Dr. Zeiad Moussa Abd El-Moati

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1109 مشاهدة
نشرت فى 25 أكتوبر 2017 بواسطة zeiadmoussa

Zeiad Moussa د. زياد موسى عبد المعطي

zeiadmoussa
مقالات علمية، ودينية، ومقالات في العلم والإيمان، والتتنمية البشرية، وحلول علمية، وقضايا اجتماعية، وتربوية، »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

404,089