بين الرضا والطموح
د. زياد موسى عبد المعطي أحمد
الرضا بما قسمه الله للإنسان يبعث الطمأنينة والسكون ويلهم الراحة النفسية، والطموح طبيعة بشرية، فمن خلال هذه السطور أحاول أن أوضح أنه لا تعارض بين الرضا والطموح.
الطموح طبيعة بشرية:
أرى أن الطموح طبيعة بشرية، حيث يأمل ويطمح الإنسان في التطور للأفضل لنفسه ولمن يحب فالإنسان يولد وهو لا يعلم شيئاً إلا البكاء والرضاعة، ويتطور الإنسان، ويتعلم المشي والكلام، ويتطور في التعليم، ويتعلم مهنة، ويتزوج، ويطور من نفسه، فهل يرضى الإنسان أن يظل أبنائه في مرحلة الرضاعة لا يتكلمون أو يمشون، أم يطمح في تطور أبنائه في مختلف مراحلهم العمرية بصورة طبيعية، وأن ينجحوا ويتفوقوا في حياتهم، وأن يراهم في أحسن حال، وهل يرضى الطفل الصغير أن يظل صغيراً؟ إن الطفل الصغير يطمح أن يكون كبيراً وله حياته الخاصة وناجح في حياته، كل شخص حسب ميوله ومواهبه وبيئته.
وفي الحديث الشريف الذي يرويه أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " مَنْهُومَانِ لا يَشْبَعَانِ: مَنْهُومٌ في العلمِ لا يَشْبَعُ منه، ومَنْهُومٌ في الدنيا لا يَشْبَعُ منها" (حديث صحيح -المحدث: الألباني -المصدر: تخريج مشكاة المصابيح)، فالطموح طبيعة إنسانية لمن يطلب العلم، ومن يطلب الدنيا، ومن يطلب الجنة.
الرضا بقضاء الله:
قال أبو هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللَّهِ منَ المؤمنِ الضَّعيفِ، وفي كلٍّ خيرٌ، احرِص على ما ينفعُكَ، واستِعِن باللَّهِ ولا تعجِزْ، وإن أصابَكَ شيءٌ، فلا تقُل: لو أنِّي فعلتُ كان كذا وَكَذا، ولَكِن قل: قدَّرَ اللَّهُ، وما شاءَ فعلَ، فإنَّ لو تَفتحُ عملَ الشَّيطانِ" (صحيح مسلم).
عن صهيب بن سنان أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عجبًا لأمرِ المؤمنِ، إن أمرَه كلَّه خيرٌ، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمنِ، إن أصابته سراءُ شكرَ، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراءُ صبر، فكان خيرًا له" (صحيح مسلم)
الإسلام يدعو إلى الطموح:
يقول الله عز وجل عن أهل الجنة "خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ" (المطففين: 26)، أي يتنافس المؤمنون في عمل الخيرات لنيل أعلى الدرجات في جنات النعيم، ويقول تعالى كقوله (لمثل هذا فليعمل العاملون) (الصافات: 61).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنَّ في الجنةِ مِائةَ درجةٍ أعدَّهَا اللهُ للمجاهدِينَ في سبيلِ اللهِ، ما بين الدَّرجتيْنِ كمَا بين السماءِ و الأرضِ، فإذا سألتُمُ اللهَ فسَلُوهُ الفِردوْسَ، فإنَّهُ أوسَطُ الجنةِ وأعلى الجنةِ، و فوْقَهُ عرشُ الرحمنِ، و مِنهُ تفَجَّرُ أنْهارُ الجنةِ" (رواه أبو هريرة - الألباني - صحيح الجامع). أي يجب أن يكون طموحنا في دخول الجنة طموح عالي، أن نطمح لدخول أعلى الجنان تحت عرش الرحمن وليس دخول الجنة في أي مكان.
المرض بين الرضا والطموح:
فإذا كان الإنسان مريضاً فعليه أن يحمد الله ويصبر على ابتلاء الله الذي يمحو الله به ذنوبه ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما يُصيبُ المُسلِمَ، مِن نَصَبٍ ولا وَصَبٍ، ولا هَمٍّ ولا حُزْنٍ ولا أذًى ولا غَمٍّ، حتى الشَّوْكَةِ يُشاكُها، إلا كَفَّرَ اللهُ بِها مِن خَطاياهُ" (صحيح البخاري)، ومع ذلك يأخذ الإنسان بكل الأسباب للشفاء والعلاج، ففي الحديث الشريف الذي رواه أسامة بن شريك أنه "قالَتِ الأعرابُ : يا رسولَ اللَّهِ ألا نَتداوى قالَ : نعَم يا عبادَ اللَّهِ تداوَوا فإنَّ اللَّهَ لم يضَعْ داءً إلَّا وضعَ لَهُ شفاءً أو دواءً إلَّا داءً واحدًا فَقالوا : يا رسولَ اللَّهِ وما هوَ قالَ : الهرمُ" (صيح الترمذي) (الهرم : الشيخوخة).
بر الوالدين
إذا أدرك المسلم والديه عند الكبر عليه أن يرضى بما يتحمل من مشقة خدمتهما ويدرك أنها فرصة لدخول الجنة "وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا" (الإسراء 23 – 24)، وكذلك في الحديث الشريف الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رغمَ أنفُ، ثم رغم أنفُ، ثم رغم أنفُ قيل: من؟ يا رسولَ اللهِ! قال: من أدرك أبويه عند الكبرِ، أحدَّهما أو كليهما فلم يَدْخلِ الجنةَ" (صحيح مسلم).
بل يجب أن يجتهد الإنسان في بر والديه حتى لو لم يكن يعاملونه جيداً فأمه التي حملته وأرضعته وأبوه الذي تعب في تربيته يستحقا أحسن معاملة، حتى لو دعوه للشرك بالله عليه عدم طاعاتهما ومع ذلك يحسن معاملتهما "وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" (لقمان 14 – 15)
الرضا والطموح في العمل
في الحديث الشريف "ما أَكَلَ أَحَدٌ طعامًا قطُّ، خيرًا من أن يأكلَ من عملِ يدِه، وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ عليهِ السلامُ كان يأكلُ من عملِ يدِه" (صحيح البخاري). فجميع الأعمال الحلال والمهن المختلفة يثاب عليها الانسان، وعلى الانسان أن يرضى بما قسم الله له، وأن يجتهد في عمله ابتغاء مرضاة الله "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖوَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" (التوبة : 105).
وعلى الانسان أن يكون طموحاً في عمله، فالموظف يجتهد في عمله ويطمح في الترقية، وعلى أصحاب المهن الحرة تحسين مهاراتهم في مهنهم والطموح في تحسين أوضاعهم.
العلم والطموح:
العلم بحور بلا شطآن، من يحاول السباحة في بحور العلم لن يجد لها نهاية، فطالب العلم لا يشبع من طلب العلم، ويقول الإمام الشافعي:
كلما أدبني الدهـر ....... أراني نقص عقلـي
وإذا ما ازددت علماً ..... زادني علماً بجهلي
ويقول العلماء "يظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل"
طالب العلم يجب أن يجتهد في طلب العلم يرجو الثواب من الله، يقول الله سبحانه وتعالى "يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚوَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير"ٌ (المجادلة: 11).
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " ومن سلكَ طريقًا يلتمسُ فيه علمًا ، سهَّل اللهُ له به طريقًا إلى الجنةِ" (صيح مسلم).
العبادة:
يجب على المسلم أن يجتهد في العبادة طمعاً في رضا الله عز وجل، ويجب الالتزام بالفرائض، والتقرب إلى الله بالنوافل، ففي الحديث القدسي "إنَّ اللهَ قال : من عادَى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحربِ ، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه ، وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحبَّه ، فإذا أحببتُه : كنتُ سمعَه الَّذي يسمَعُ به ، وبصرَه الَّذي يُبصِرُ به ، ويدَه الَّتي يبطِشُ بها ، ورِجلَه الَّتي يمشي بها ، وإن سألني لأُعطينَّه ، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه ، وما تردَّدتُ عن شيءٍ أنا فاعلُه ترَدُّدي عن نفسِ المؤمنِ ، يكرهُ الموتَ وأنا أكرهُ مُساءتَه" (صحيح البخاري)
يقول الله عز وجل "أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ" (الزمر: 9)
ويجب علينا أن ندعو الله أن يوفقنا على طاعته حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم "أتحبُّونَ أيُّها النَّاسُ أن تجتَهِدوا في الدُّعاءِ ؟ قولوا : اللَّهمَّ أعِنَّا علَى شُكرِكَ ، و ذكرِكَ ، و حُسنِ عبادتِكَ" (الألباني : صحيح الجامع)
وعموماً
على الإنسان أن يطور من نفسه دائماً، وأن يتعلم مهارات وخبرات جديدة وألا يتوقف عن التعلم من الميلاد حتى الممات، وألا يتوقف عن التطور طوال حياته.
إذا كان الإنسان فقيراً يحمد الله عز وجل على الرزق، ويعمل على تحسين دخله.
الطموح والتغيير للأفضل يجب أن يتناسب مع امكانات الإنسان، فمثلاً لا يضع الإنسان خطة لتحسين صحته بممارسة الرياضة ليصبح بطلاً رياضياً بعد تخطي الخمسين عاماً، ولكن يمارس رياضة للمحافظة على صحته، ولا يطمح إنسان يريد أن يثقف نفسه بقراءة ألف كتاب في اليوم، بل يقرأ ما يناسب مع ظروفه.
والمجتمعات والدول يجيب أن يسعى المسئول وأن والشعوب على تحسين أوضاع الدولة، وتطويرها ووضع الخطط والعمل على تنفيذها لنهوض بالدول والمجتمعات البشرية من قرى ومدن ومحافظات، فيجب على الدول التي تريد التقدم وضع خطط للتنمية وفق ظروفها ونقل الخبرات من الدول المتقدمة التي تساعدها على تنفيذ خططها للتنمية والتقدم، فكم من دول كانت في آخر الصفوف، وبالتخطيط الجيد والعمل الدؤوب الطموح صارت في مقدمة دول العالم في سنين معدودة.
ويجب عدم التخلي عن المبادئ والقيم والأخلاق والتعاليم الدينية لتحيق الطموح، فيجب عدم استعمال الرشاوي أو السرقات أو الظلم لحقيق الأحلام، فالغاية لا تبرر الوسيلة، فالأهداف النبيلة تحتاج لتحقيقها وسائل نظيفة ومشروعة.
ويجب عدم الركون إلى الكسل والقبول بالأمر الواقع فقط، فالدين الإسلامي يدعو إلى الطموح والتطوير إلى الأفضل. فالرضا لا يتنافى مع الطموح، فإني أرى أن الإنسان كائن طموح بطبعه، والإنسان خلقه الله ليكون خليفة الله في الأرض يعمرها ويطور فيها، وليس هدف الإنسان الأكل والشرب والتناسل فقط بل يجب تعمير الأرض وتطويرها وأن يترك الإنسان أثراً إيجابياً يبقى بعد مماته.