الفبركة العلمية جريمة في حق الإنسانية
بقلم: د. زياد موسي عبد المعطي معهد بحوث أمراض النباتات -مركز البحوث الزراعية |
الغالبية العظمي من علمائنا في الجامعات والمراكز البحثية علماء محترمون وأفاضل ومجتهدون. ويحتاجون لمزيد من الاهتمام بالبحث العلمي وزيادة الإمكانات ليعطوا مزيداً من الابداع وينتجوا مزيدا من الأبحاث المفيدة. وخلال هذه السطور أكتب عن أقلية قليلة ممن يعتبرون من علمائنا والمفروض انهم منهم. هناك أقلية من أساتذة الجامعات والباحثين في المراكز البحثية يقومون بما يسمي سرقات علمية. أو فبركة لبعض الأبحاث. وذلك نوع من أنواع الفساد يجب أن تتم محاربته. وأن تتم دراسة هذه الحالات القليلة جيدا. مسببات هذه الظاهرة. وأعراضها. ومضاعفاتها. وعلاجها. وذلك قبل أن يزيد انتشار مثل هذا الوباء في جامعاتنا ومراكزنا البحثية. وما أكتبه خلال هذه السطور ليس من وحي خيالي بل ألمسه وعايشت أفرادا قاموا بسرقات أو فبركة أبحاث. وسمعت ورأيت في بعض البرامج الحوارية نقاشا لهذه الظاهرة. وقرأت في بعض الجرائد شكاوى عن هذه الظاهرة. ولذلك رأيت من واجبي الكتابة عن هذا الموضوع الذي أراه مرضا إن استشري فسوف يمثل خطرا كبيرا على مستقبل البلاد. واؤكد ان الغالبية العظمي في الجامعات والمراكز البحثية يتصفون بالأمانة وان من يقومون بالسرقات والفبركة هم أقلية. وللسرقات العلمية صور متعددة. أحاول ان أذكر بعضها خلال هذه السطور: بعض الباحثين يقومون بنقل أبحاث من على الإنترنت أو من الدوريات العلمية أو الكتب. ويقومون بكتابة اسمائهم عليها بدلا من أسماء أصحابها الأصليين. بعضهم يفعل ذلك بلا أدني نوع من المجهود أو حتى قراءة الصفحات المكتوبة في الكتاب أو البحث. فمثلا يكتب أحد الباحثين اسمه على بحث تم إجراؤه في الولايات المتحدة. ويغير العنوان على انه أجري في مصر بينما في داخل البحث تجد قد تم كتابة ان التجارب أجريت في مناطق أمريكية مثل سان فرانسيسكو أو لوس أنجلوس!!! والبعض الآخر يقرأ البحث المسروق ويغير بعض التفاصيل وبعض الأرقام. بعض الباحثين يقوم بفبركة بعض الأبحاث من خلال خيالهم أو من خلال قراءة أبحاثمعينة والسير على منوالها. مع تغيير في بعض النتائج. وبعض التفاصيل الصغيرة. ولكن في النهاية يكون الاستنتاج هو نفس استنتاج الأبحاث التي قرأوها. وفي بعض الحالات يتم نقل صور من رسائل علمية وأبحاث أخري. ونقل أجزاء مختلفة من عدة أبحاث وعدة رسائل. ويتم نسبها إلى من قام بالنقل على انها من انتاجه. في بعض الحالات يجري طلبة الماجستير والدكتوراه تجارب ويكتبون نتائجهم بدقة وأمانة. وتكون النتائج مغايرة لنتائج من سبقوهم ممن أجروا أبحاثا مشابهة. فبدلا من دراسة أسباب اختلاف النتائج يضطر هؤلاء الباحثون إما من تلقاء أنفسهم أو بضغط من المشرفين على رسائلهم بتغيير النتائج وفبركتها لتصبح مثل نتائج من سبقوهم في أبحاث مشابهة. وذلك بدلا من البحث عن تفسير لاختلاف النتائج. فتكون الفبركة أسهل طريق. وهناك ما يعرف بشراء لقب دكتور. حيث إنه بعض المسئولين أو الأثرياء يجب أن يسبق اسمه لقب دكتور ولكنه ليس عنده الوقت أو الاستعداد النفسي أو الذهني. فيلجأ إلى أقلية معروفة لديهم من أعضاء هيئات التدريس في الجامعات. يدفعون لهم ويتم فبركة الرسالة بمعرفتهم. أو لا يعلم المشرف علي الرسالة شيئاً عن الفبركة أو شراء الرسالة العلمية. حيث يلجأ هؤلاء ممن معهم المال ولا يريدون بذل مجهود إلى أناس يعرفونهم يكتبون له الرسائل بمقابل مادي يتفقون عليه مقابل عمل الرسالة وتسليمها لهم ليكتبوا أسماءهم ويحصلوا على الألقاب العلمية. وللأسف امتدت ظاهرة شراء الرسائل العلمية والأبحاث إلى بعض أعضاء هيئات التدريس في الجامعات أو هيئات البحوث في المراكز البحثية. حيث إن من يلجأ لذلك يكون وراءه مصالح أخري تدر عليه دخلا أفضل من عمله الأصلي. بل امتد بيع الأبحاث إلى الدول العربية. حيث إن هناك أقلية ممن يفترض انهم من العلماء يكتبون أو يفبركون أبحاثا إلى أقلية أخري من دول عربية بمقابل مادي مجز. وهناك القليل جدا من الأبحاث تتم فبركتها وفقاً لما تريده القليل من شركات الأدوية. حيث تتم الفبركة لكي يعطي دواء معين نتائج إيجابية جدا ونتائج مميزة. وتستخدم هذه الشركات هذه الأبحاث في الدعاية لأدويتها. وإقناع الأطباء والصيادلة بفاعلية الدواء. بل الأدهى من ذلك ان هناك أقلية من أساتذة الجامعات يشرفون على رسائل ماجستير ودكتوراه يمنحون الدرجة العلمية لمن يدفع لهم من طلبة الدراسات العليا. أما من لا يدفع لهم من طلبة البحث العلمي فله الويل والثبور وعظائم الأمور. ويتم إذلاله بطريقة مهينة مهما كان اجتهاده. أو إخلاصه في أبحاثه. فمن يدفع يتم تزوير الرسالة لهم بفعل هذه الفئة الضالة من الأساتذة أو من يساعدهم. بل أنى أعلم من تم منحهم الماجستير والدكتوراه ولا يعلم عن رسالته سوي العنوان. وفي المناقشة يختار المشرف من هم على شاكلته لمنح مثل هؤلاء الذين دفعوا له. وسمعت في مناقشة إحدى الرسائل من أحد المحكمين للرسالة يقول لو ان الرسالة عبارة عن ورق فاضي أو ورق جرائد سوف أمنحها للطالب طالما الدكتور فلان مشرفاً عليها. وبالمثل هذا المشرف سوف يرد المجاملة لهذا المحكم في تحكيم رسالة لطالب آخر. كذلك هناك نوع من الفبركة في عدم تحري الدقة والأمانة في كتابة المراجع العلمية. حيث تجد البعض لا يكتب مصدر المعلومة أو الجمل التي اقتبسها. وأحيانا قد ينسب المعلومة أو طريقة العمل التي اقتبسها إلى نفسه. يجب دراسة الدوافع التي تؤدي إلى مثل هذه الأع.مال. لكي نجفف منابع هذا النوع من الفساد. فهل السبب ضعف الأجور. أم عدم اكتشاف الغالبية العظمي من هذه الحالات. أم المجاملة في حالة اكتشاف من يقوم بهذه الأعمال وتركهم بلا عقاب. أم ضعف العقاب في حالة اكتشاف هذه الحالات وتطبيق اللوائح. أم عدم العقاب لكثير ممن يكتشف فسادهم بسبب انهم مسنودون. أم ضعف الوازع الديني؟ أم ضعف الإمكانات؟ أم عدم وجود القدرة على الابتكار؟ أم حب التباهي بكثرة الأبحاث. أم الانشغال بأعمال أخري.... أم ماذا؟ وتكون هناك طامة كبري عندما تتم ترقية أحد من يقومون بسرقة أو فبركة الأبحاث إلى مناصب قيادية كرئيس قسم أو عميد كلية. أو أن تتم ترقيته إلي عضو بلجان الترقية لدرجة أستاذ أو أستاذ مساعد. حيث يتم نسخ نماذج مكررة من هذه النماذج الفاسدة بحكم مناصبهم وانهم صاروا قدوة لمن يرأسونهم أو يتحكمون فيهم. إن هذه الفئة الفاسدة يجب اكتشافها وعقابها. فهم لا يقلون خطراً عن المهندسين والمقاولين الذين يغشون في المباني. فتقع المباني على ساكنيها فتقتلهم. فمثل هؤلاء الأساتذة يغشون في بناء طلبة الجامعة. وطلاب البحث العلمي. ويزورون أبحاثاً. يدمرون مستقبل البلاد بتخريج طلاب ذوي مستوي علمي ضحل. ويقومون بتخريج طلاب يقتدون بهم فيصبحون من الغشاشين ومزوري الأبحاث. بل يشوهون صورة علماء الوطن في الخارج بأبحاثهم المزورة ذات النتائج غير المنطقية. أو بأبحاثهم المسروقة. نعم هم أقلية. بعضهم يمثل بقعا في ثوب أبيض. مفسدون في الخفاء لا يعرف عنهم أحد شيئاً. والبعض الآخر مثل السرطان ينتشر ويتوغل وينشر الفساد. ويعد طلاباً من الفاسدين مثله في مدرسة الفساد التي يؤسسها. وهذا النوع الثاني أكثر خطورة. ويجب اكتشافه واستئصاله قبل أن ينتشر في جسد الأوساط العلمية. ولذلك يجب تنظيف الثوب الأبيض من البقع غير النظيفة. ويجب استئصال الورم السرطاني من جسم المؤسسات العلمية. حتى تكون مؤسساتنا العلمية نظيفة وسليمة وبعافية. |
المصدر: جريدة الجمهورية - الاربعاء 6 من شوال 1431 هـ - 15 من سبتمبر 2010م - العدد 20715 – صـ 12.
نشرت فى 14 سبتمبر 2010
بواسطة zeiadmoussa
Zeiad Moussa د. زياد موسى عبد المعطي
مقالات علمية، ودينية، ومقالات في العلم والإيمان، والتتنمية البشرية، وحلول علمية، وقضايا اجتماعية، وتربوية، »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
411,361