مقالات د. زياد موسى عبد المعطي

خواطر إيمانية، ومعلومات علمية، وتنمية بشرية، والدين والحياة، والعلم والإيمان، وآراء في قضاية مختلفة

أرجوكم ...... لا تظلموا الحيوان

بقلم: د. زياد موسى عبد المعطي 

لا تصف الحيوانات بالغباء، فالحيوانات من الغباء بريئة مثل براءة الذئب من دم ابن يعقوب، فكل أنواع الحيوانات أعطاها الله علم وذكاء يناسبها، ويناسب حياتها، ولكل نوع من الحيوانات قدرات خاصة تعطيها القدرة على البقاء، ولقد تعلم الإنسان من الحيوانات عبر التاريخ أشياء أفادته في حياته وبناء الحضارة، أي لعبت الحيوانات دور المعلم للإنسان.

        وأول حيوان تعلم منه الإنسان في التاريخ هو الغراب الذي علم الإنسان طريقة دفن الموتى، وذلك عندما ظهر غراب يدفن غراب آخر ميت لقابيل قاتل أخيه هابيل، قابيل "صاحب أول جريمة قتل في تاريخ البشرية" رأى كيفية دفن الغراب لجثة غراب آخر فقال فتعجب أنه لا يستطيع دفن جثة أخيه مثل الغراب “قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي".

        والطيور علمت البشرية صناعة الطائرات، وكان رائد فكرة الطيران هو عباس بن فرناس الذي كان عنده حلم الطيران، وصنع لنفسه جناحين ونجح في الطيران لمسافة قبل أن يسقط على ظهره، ومع تطور العلم نجح الأخوين "رايت" في صناعة أول طائرة في العالم، وتطورت بعد ذلك صناعة الطائرات، وصار الطائرات أهم وسائل النقل الجوي، وأيضاً أهم الأسلحة في جيوش العالم.

        والخفاش الذي يستطيع الطيران في الظلام، واكتشف العلماء كيفية قدرته على الطيران في الظلام في أنه يصدر ذبذبات تصطدم بالأجسام الصلبة وترتد إليه هذه الذبذبات فيستطيع أن يتفادى الاصطدام بالأجسام الصلبة، وكذلك يستطيع أن يميز بين الأجسام المختلفة بهذه الطريقة، وتعلم الإنسان من الخفاش هذه الفكرة في صناعة الرادار أهم أسلحة الدفاع الجوي في جيوش العالم، وأهم طرق مراقبة السيارات التي تستخدمها إدارات المرور في العالم.

والكلب الذي أودعه الله حاسة الشم، يستطيع أن يعرف صاحبه من رائحته، بل حاسة الشم القوية للكلاب تستخدمها أفضل أجهزة الشرطة في العالم لتتبع المجرمين وتتبع أثارهم من رائحتهم، بل وتستخدم كذلك الكلاب البوليسية في الكشف عن المخدرات والمتفجرات، ولم يستطيع البشر حتى الآن في اختراع جهاز يكون له قدرات تفوق قدرة الكلاب في الشم وتتبع الرائح، فالكلاب خير دليل للبشر في تتبع الروائح. وكذلك الكلب يستطيع أن يتعلم، وفضل الله الكلب المتعلم عن غيره من الكلاب، فأحل الله لنا أكل ما أمسكت كلاب الصيد (يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب).

والحمار يستطيع معرفة وحفظ الطرق التي يمشي فيها، ويعرف صاحبه، ويعرف بيت صاحبه، فالتكرار يعلم الحمار، والتكرار يعلم أيضاً الشُطَّار، وفي ذلك نجد إحدى نوادر جحا الذي كان عنده حمار لا يهتم به ولا بأكله، فكان هذا الحمار هزيلاً، فباعه جحا في أحد الأيام بثمن بخس، ثم بعد مدة من الزمن ذهب جحا إلى السوق ليشتري حماراً آخر، فوجد حماراً أعجبه، فأخذه جحا وعندما ذهب إلى بلدته إذا بالحمار يجري من جحا، وجحا يجري وراءه، فوجد جحا أن الحمار ذهب إلى بيته ودخل حظيرة البيت ووقف مكان الحمار الذي باعه جحا،  فصاح جحا "هو أنت"، فأدرك جحا حينئذ أن هذا الحمار هو حماره الذي باعه ولكنه صار ممتلئ الجسم بعد أن اهتم به من اشتراه واهتم بغذائه، فعرف الحمار صاحبه وبيته وحظيرته بينما ضل جحا عن حماره!!!!

والنمل يعرفنا ويعرف عنا معلومات لا نعرفها نحن، وذلك ما نجده في القرآن الكريم حيث نقرأ قول نملة “يأيها النمل أدخلوا مساكنكم ليحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون" فإن كان النمل يعلم نبي الله سليمان الذي أعطاه الله معجزة معرفة لغة الطير والحشرات وغيرها من المعجزات، فمن أخبر النمل أن من مع سليمان هم جنوده، وأنهم سوف يحطمونهم ودون قصد وهم لا يشعرون.

والنمل يمتاز بالصبر والمثابرة في تحقيق أهدافه، فمن القصص العظيمة التي قرأتها، أن أحد القادة العسكريين تعلم عدم اليأس من نملة، فقد جلس أحد القادة العسكريين ذات يوم حزيناً إلى جوار صخرة في الصحراء حزيناً مهموماً بعد أن لقي جيشه هزيمة على يد أعدائه، فإذا به يرى نملة تحمل غذائها وتتسلق الصخرة فأخذ يتأمل هذه النملة فوجدها تقع على الأرض أكثر من مرة ولكنها تقوم وتعيد المحاولة مرة وثانية وثالثة حتى نجحت في عبور الصخرة، فتعجب القائد وقال أعجزت أن أكون مثل هذه النملة، لن أيأس من أول هزيمة، فذهب هذا القائد ونظم جيشه وأعد خططه وحارب وانتصر على أعداؤه، فإذا تأملنا حياة النمل لوجدناها أكبر مدرسة للنظام والجد والعمل وعدم اليأس.

الحيوانات عندها علم بوقوع الزلازل الكوارث البيئية قبلها بفترة، حيث لفت انتباه العلماء أن بعد كارثة تسونامي التي ضربت جنوب شرقي آسيا أن فرق الإنقاذ في المحمية الطبيعية لم تعثر على بقايا جثث الحيوانات التي كانت تعيش في تلك المنطقة، وهذا ما يشير إلى نزوحها من مكان الكارثة قبل وقوعها. وفي نفس السياق تحدثت شهادات أخرى عن حالات ارتباك لوحظت لدى الحيوانات تلتها عمليات نزوح باتجاه المناطق الداخلية للبلاد.  كذلك اكتشف العلماء ظاهرة شعور الحيوانات بخطر الهزات الأرضية قبل وقوعها بساعات أو أيام فتهرب الطيور مذعورة إلى قمم الأشجار وتصاب الأبقار والأرانب بالهلع وتهرب وتزحف الثعابين من جحورها ويشتد نباح الكلاب ومواء القطط، فهل تصبح الحيوانات في أيامنا القادمة هي دليل البشرية للتنبؤ بالكوارث الطبيعية؟

والهدهد يعرف البشر ويعلم ما يفعل البشر، وأخبرنا الله في القرآن أن الهدد الذي أخبر نبي الله سليمان أن جاء إليه من سبأ بخبر يقين "وجئتك من سبأ بنبأ يقين ..." فالهدهد يعلم أن الأرض التي كان بها هي ارض سبأ، وأن القوم يعبدون الشمس من دون الله، وأن من تحكمهم امرأة، فهل لو رأينا هدهد نستطيع أن نعرف مثل هذه المعلومات عنه.

هل يعلم أحد منا أن حيواناً ما يعلم أن في أمر ما إيذاء له ويفعله، الإنسان فقط هو من يفعل أشياء تضره ولا تنفعه رغم علمه بهذا الضرر فقد يأكل إنسان طعام يعلم أنه يضره، بل قد ينتحر بعض البشر، ولكنا لا نعلم حيوان يقدم على فعل قد يضره.

هل بعد قراءة هذه السطور نقول لأحد نغضب منه أنك غبي مثل الحيوان؟ الحيوان من الغباء بريء، ولنتعلم من ذكاء الحيوانات ما ينفع البشرية في طريق نهضتها في الأيام الحالية والمستقبلية.

المصدر: جريدة الجمهورية - الجمعة 29 من المحرم 1431هـ - 15من يناير 2010 م – العدد 20472 - صـ 12
zeiadmoussa

د. زياد موسى عبد المعطي Dr. Zeiad Moussa Abd El-Moati

Zeiad Moussa د. زياد موسى عبد المعطي

zeiadmoussa
مقالات علمية، ودينية، ومقالات في العلم والإيمان، والتتنمية البشرية، وحلول علمية، وقضايا اجتماعية، وتربوية، »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

372,114