الأعداء الطبيعية نعمة إلهية للبشرية
د. زياد موسى عبد المعطي أحمد
ذكر الله في قرآنه الكريم أنه سبحانه وتعالى جعل لكل نبي عدو: ”كَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً" ( الفرقان: 31)، "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) (الأنعام: 112)، وجعل الله لنبيه محمد أعداء من الكفار واليهود، وطلب الله سبحانه وتعالى منه صلى الله عليه وسلم الصبر والاقتداء بأولي العزم من الرسل. فوجود الأعداء والصبر عليهم ومحاولة التغلب عليهم يزيد أجر الأنبياء والصالحين والمؤمنين، ويرفع درجاتهم يوم الدين.
وكذلك قال الله تعالى في قرآنه "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا" فتدافع الناس بعضهم لبعض ومقاومة الظالمين والمستبدين من السنن الإلهية التي يصلح بها الكون.
وكذلك الأعداء الطبيعية في البيئة نعمة إلهية، بدونها يحدث اختلال للتوازن البيئي ويكون هناك أضرار جسيمة، والعلاقات المختلفة بين الكائنات المعادية لبعضها البعض لها حكم إلهية من الله عز وجل، فهناك علاقات الافتراس والتطفل والتنافس بين هذه الكائنات وبدون هذه العلاقات ما صلح نظام الكون.
فمثلاً كما يقدر العلماء لو لم يكن هناك أعداء طبيعية لحشرات الصراصير لاستطاعت أن تغطي الأرض كلها في فترة وجيزة بسبب سرعة تكاثرها. وكذلك لو لم يكن في الغابة حيوانات مفترسة مثل الأسد والنمر لتكاثرت الحيوانات آكلة الأعشاب بصورة كبيرة ولما وجدت ما تأكله.
وتدخل الإنسان غير المحسوب يؤدي إلى الإخلال بالتوازن البيئي مثل التوسع في استخدام المبيدات للقضاء على الآفات الضارة تسبب في القضاء على الكائنات الصديقة والمفيدة، مثل التوسع في رش المبيدات الخاصة بالقضاء على دودة القطن تسبب في إحداث طفرات للدودة وقاومت هذه المبيدات، وبدلاً من ذلك قضت المبيدات على الأعداء الطبيعية مثل حشرة أبو العيد، وقتلت بعض الطيور المفيدة مثل أبو قردان. وكذلك التوسع في استخدام سم الفئران يتسبب في تغذية القطط على هذه الفئران الميتة ويقلل عدد القطط ويزيد من عدد الفئران.
كذلك الأعداء الطبيعية للبشر والنباتات والحيوانات هي سنة كونية، ورغم أضرارها، الملموسة، فلها فوائد عديدة تحتاج من الإنسان إلى العمل والجد والاجتهاد ليس فقط لمقاومتها بل لتذليلها والاستفادة منها.
فهناك أمثلة كثيرة على ذلك عبر تاريخ البشرية التي استفاد فيها الإنسان من الأعداء الطبيعية التي تسبب له إزعاج سواء أكان ذلك إزعاج مباشر له، أو لنباتات الحقول التي يزرعها أو الحيوانات الأليفة التي يربيها.
فمثلاً النجيلة التي تسبب مشكلة كبيرة للمزارعين عندما تنمو في الحقول وتأخذ منهم وقت وجهد لمقاومتها، تمكن الإنسان في الاستفادة منها وزراعتها في ملاعب كرة القدم، فملاعب النجيلة الطبيعية هي أساس كرة القدم حالياً في العالم على المستوى الاحترافي.
الفئران عدو للبشر تمثل مصدر إزعاج لأغلب الناس، وتسبب خسائر اقتصادية في المنازل والحقول، وبالرغم من ذلك تدين لها البشرية بالفضل في التقدم في علوم الطب والصيدلة وغيرها من العلوم البيولوجية، فلولا استخدام هذه الحيوانات "فئران التجارب" لتجريب العقاقير والأدوية كمرحلة من مراحل العديد من الأبحاث الدوائية ما تمكن الباحثون في العالم من ابتكار الأدوية لعلاج العديد من الأمراض.
الخفاش مصاص الدماء الذي يمص دماء الحيوانات الأليفة في أمريكا الجنوبية، وتحكي عنه الأساطير الأمريكية وأفلام هوليود كمصاص لدماء البشر له الفضل في اختراع الرادار أهم أجهزة الدفاع الجوي في جيوش العالم، وكذلك تعتمد عليه أجهزة المرور في مراقبة السيارات في مختلف أنحاء العالم.
وبكتيريا أجروبكتيريم التي تسبب مرض التدرن التاجي في العديد من المحاصيل الزراعية المهمة مثل القطن والقمح وغيرها، وتسبب خسائر اقتصادية في هذه المحاصيل لعبت دوراً مهماً في تقدم علم الهندسة الوراثية وتستخدم في نقل الجينات إلى النباتات لتحسين صفاتها الوراثية.
فسبحان الله الذي خلق كل شيء لحكمة، وخلق كل شيء بقدر، وكل شيء خلقه الله نعمة إذا تفكرن فيها وتدبرنا، وبالعلم نستطيع ترويض الأعداء، وتحويلهم إلى حلفاء تنفع البشرية وتفيد الناس، وصدق الله العظيم "وإن تعدو نعمة الله لا تحصوها".
مقالات ذات صلة:
الأعداء والأصدقاء من الميكروبات