<!--[if !mso]> <mce:style><! v\:* {behavior:url(#default#VML);} o\:* {behavior:url(#default#VML);} w\:* {behavior:url(#default#VML);} .shape {behavior:url(#default#VML);} -->

<!--[endif] -->

                       بقلم : الدكتور الوارث الحسن*/ المغرب               

 

تنحو رواية "اللص والكلاب"، إلى وصف الواقع الاجتماعي المصري وانتقاده، وتقدم بشكل أو بآخر صورة دقيقة عن هذا الواقع، بعد حوالي تسع سنوات من قيام ثورة الضباط الأحرار، بزعامة جمال عبد الناصر سنة 1952م. وتعكس في الآن نفسه، موقف الكاتب من المرحلة التاريخية التي احتك خلالها بالمجتمع المعيش وامتلك تجارب في عدة مجالات تخص ما هو اجتماعي وما هو سياسي وثقافي وأدبي. ويمكننا الكشف عن مرجع النص الروائي وسياقاته التاريخية والاجتماعية ومضامينه الخفية، من خلال تحديد الحقول المعجمية المهيمنة، وهي كما يلي :

*-الأحداث والمظاهر الاجتماعية : الطبقات الاجتماعية - التفاوت الاجتماعي - مرارة الطبقية - الصراع الطبقي - المأساة والمعاناة الإنسانية - الفقر المذقع - الغنى الفاحش - التهميش والإقصاء - الخيانة والانتهازية - التآمر وسيادة المكر والخديعة - الفساد والدعارة - اللصوصية (الحرامية) - الاتجاه بالممنوعات والمخدرات - المصالح الذاتية - رغبات الناس وإكراهات الواقع - العمل - الدين - المريدون والمتصوفة - المظاهر العمرانية - الحارة - المقاهي الشعبية - ...

*-الأحداث والمظاهر السياسية : التحولات السياسية - انتشار الوعي السياسي - التعبير عن الإرادة الإنسانية - النضال - الثورة - المؤسسات الرسمية للإعلام والأمن - الصحافة - فشل الثورة - مطاردة معارضي النظام - إهدار الحقوق المدنية - السجن - الاعتقال - الرجعية- ...

وإلى جانب هذه المظاهر الاجتماعية والأحداث السياسية المشار إليها في شكل تيمات محددة والتي يصعب تحديدها بدقة لكثرتها وتداخلها وتنوعها، نكتفي بجرد موجز للفئات الاجتماعية المتمثلة في التجمعات والطبقات والتيارات الفكرية والمذهبية، ومنها :

*-المؤسسة الرسمية : تتضمن الرواية عدة مؤسسات فاعلة ومؤثرة على شخصياتها، نذكر منها :

¬السجـن : هو مصير البطل (سعيد مهران)، وأثناء تواجده به، حصلت الخيانة وتحققت أهداف الانتهازيين.

¬الصحافة والشرطة : تطبق التعليمات، كل بطريقته الخاصة، وتتمثل في الدفاع عن النظام السائد ومطاردة معارضيه واعتقالهم. ونجد ضمنها : (علوان والمخبر ورجال الأمن).

¬الجامعة : شكلت نعمة (لرؤوف علوان) ومصدر وعي شقي (لسعيد مهران).

*-الجماعة المتصوفة : يمثلها المريدون بزعامة (الشيخ الجنيدي) والذين اختاروا «حياة خاصة تقوم على ممارسة الذكر وخلق فرص للتعاون والتآزر فيما بينها لمواجهة مصاعب الحياة المادية، مادامت الدولة لا توفر لهم مستلزمات الحياة»([1]).

*-فتوة الحارة : وهي فئة اجتماعية تتشكل من سيد الحارة (المعلم) ورجاله الذين يسهرون على حمايته وخدمته ويشتغلون لحسابه (الاتجار في الممنوعات والمخدرات والسرقة والتهريب) (بياظة مثلا). وتقدم الرواية (سعيد مهران) قبل دخوله السجن و(عليش سدرة) الذي انقلب عليه واحتل مكانته، نموذجا لذلك.

وعلى هامش هذه الفئة، تعيش فئات اجتماعية خاصة كالعاهرة نور، والقهوجي (المعلم طرزان) مثلا ...

ويمكننا انطلاقا مما تقدم، أن نستخلص جملة من القيم الأخلاقية والمعايير السياسية والتاريخية التي يستعملها النص الروائي بطريقة ظاهرة أو مضمرة، وذلك من خلال رصد بعض السلوكات الفردية والجماعية للشخصيات. فهناك موقف (سعيد مهران) من الخونة والانتهازيين والذي تجسد في الانتقام منهم تحت ذريعة رد الاعتبار لنفسه والقضاء على رمز الفساد والانتهازيين. وهناك موقف المؤسسة الرسمية من جرائمه وموقف الجماعات الاجتماعية الهامشية من سلوكاته ومصيره. وينبري الكاتب بمواقفه الخاصة من الإعلام والأمن والسلطة والفقر والتهميش والغنى والثراء والدين وبعض المفاسد الاجتماعية والأخلاقية، إلى جانب المرأة والأمومة والأبناء واللصوصية والاتجار في الممنوعات والدعارة ... ولا يفوته بطريقة ضمنية أن يظهر نتائج التراتبية الاجتماعية في خلق صراع طبقي أدى إلى تبدل القيم وتصارعها : «فهناك من جهة، القيم الأصيلة القائمة على الثبات ونجدها عموما لدى الفئات الشعبية (الجنيدي ونور وطرزان). وهناك من جهة ثانية، القيم الزائفة التي تنهض على الخيانة والانتهازية وتمثلها شخصيتا (عليش وعلوان) اللذان تنكرا للقيم والمبادئ التي يحملانها، وانضما إلى الطبقات الغنية»([2]).

وهكذا، تعيد الكتابة عند نجيب محفوظ استثمار الواقع المباشر، واستعمال المعطيات الاجتماعية والسياسية والتاريخية، وفق مقاربة أخرى. ولعل ذلك، ما يفسر هذا الواقع المركب، وهذا التداخل بين القيم وتلك الانتقالات عبر تقنيات سرد متميزة، فيتحول الواقعي داخل الرواية إلى واقعيات أخرى، أي تقديم شكل آخر للواقع. (فسعيد مهران) في "اللص والكلاب" يعيش مشاكل شديدة الخصوصية، ويكابد معاناة اجتماعية حادة بسبب فساد المجتمع وانكسار القيم الإنسانية النبيلة، في ظل واقع اجتماعي متناقض أفرزته التحولات السياسية في خمسينيات القرن العشرين. ويكاد واقع (مهران) يتمثل بصورة واضحة في حياة كل إنسان مصري، ويرتبط ارتباطا وثيقا بالأوضاع السياسية والاجتماعية بما تعج به من أحداث ووقائع، ويحيل أيضا على واقع المدينة (القاهرة مثلا) وواقع المنزل والأسرة والحارة.

إنه واقع مركب يستمد أصوله من شرايين الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية في فترة زمنية محددة (بعد الثورة) تشهد بالتحول والتغيير وتنم عن تبدل جذري يشمل كل الفئات الاجتماعية. ويضاف إلى ما تقدم، اختلاف مستويات لغة الحديث التي تترجم اختلافات المظاهر الاجتماعية ويعكس جملة من القيم والتصورات. ولا أدل على ذلك، التعبيرات المحملة بالصور الحيوانية الحقيرة (الكلب، الحشرة، الثعبان، الخنزيرة، الدودة، البقرة، ...) أو بعض الألقاب الدالة على الحس الأخلاقي المنحط (اللص، السارق، طينة نتنة، الأوغاد، الخيانة، الخونة، الحقير، جثة عفنة، ...) أو المتميز (سيدي، مولاي، الشيخ، الأب، عم، أستاذ، المحبوبة، أمي، زوجتي...)، وكذا ما اتصل بالحارة (الشارع، الملاهي، المقام، الخمارات، المقهى، المدفن، الدكاكين، ...) أو الملابس (فستان، شبشب، بذلة الضابط، الجاكتة، طاقية، أقمشة مفصلة، ...) أو ما تردد في ثنايا الحوارات، من ألفاظ وعبارات خاصة.

                                                                                              * - أستاذ باحث

[email protected]

 

 


[1]- مقاربات منهجية للنصين النقدي والروائي، ص : 150.

[2]- المرجع نفسه ، ص : 151.

<!--<!--<!--<!--

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 2030 مشاهدة
نشرت فى 25 ديسمبر 2015 بواسطة yasloti

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

19,137