بقلم : الدكتور الوارث الحسن/ المغرب
كثر القيل و القال عن إطاحة العسكر بالرئيس المصري المنتخب ، فإذا كانت القوى المساندة ( التيار الإسلامي=القطري) تعتبره نوعا من الانقلاب العسكري، فإن القوى المعارضة ( أتباع العلمانية المحافظة = السعودية) يرى فيه تصحيحا من الجيش لمسار الثورة، وبين هذا وذلك، احتدم الجدل و كثر اللغط : فهل خطوة العسكر بزعامة السيسي تصحيح أم انقلاب ؟ هل هو انقلاب عسكري محظ أم ثورة ثانية ؟ أم أنه انتصار لحركة تمرد الافتراضية ؟ أم هو صدام القوى الفاعلة في الخارج خوفا من نجاح التجربة التركية في مصر ؟
إن أغلب التنظيمات الإسلامية داخل وخارج مصر، اعتبرت أن ما حدث هو انقلاب عسكري على الشرعية لرئيس انتخب ديموقراطيا ، فداخليا تشكلت الجبهة الوطنية للدفاع عن الشرعية و دعت إلى الاعتصام في الميادين و الساحات تنديدا بانقلاب العسكر ، وخارجيا اعتبر حزب العدالة و التنمية التركي و حركة النهضة التونسية وجبهة الإنقاذ الجزائرية، ،و حركة التوحيد والإصلاح وجماعة العدل والإحسان المغربيتين، وعدد كبير من التنظيمات الإسلامية و اتحاد علماء المسلمين ، ما حدث بالانقلاب العسكري على شرعية رئيس منتخب بشكل ديمقراطي، و إقليميا تعزز بقرار الاتحاد الإفريقي تعليق عضوية مصر، وكذلك كان تضارب مواقف مجموعة من الدول الأوروبية التي أعرب البعض منها عن قلقها من تدخل العسكر في الحياة السياسية داخل مصر كالولايات المتحدة الامريكية و بريطانيا .
لكن الملفت النتباه حقا ، هو تحيز جامعة الدول العربية الى جانب السلطة العسكرية الجديدة معتبرة ما حدث على أنه ثورة جديدة، بل وتقاطرت على قصر الاتحادية جملة من رسائل التهنئة و التبريك بخطوة تولي العسكر للحكم في مصر، من مجموعة من الدول العربية كالسعودية، الأردن، الإمارات والمغرب و البحرين ، وتحدثت دول من أوربا الغربية كبريطانيا و فرنسا عن أن ما وقع ليس انقلابا عسكريا، في خضم ذلك سادت حالة من الفرح بين جموع شباب تمرد المصريين الذين نظموا تظاهرات 30 يوينو في ميدان التحرير و كافة المحافظات المصرية، وكذلك الأمر بالمنظمات الحقوقية والمدنية المصرية، في المقابل نظمت الجبهة الوطنية للدفاع عن الشرعية اعتصامات و خطابات مناوئة للعسكر و اعتبرت قيادات من الإخوان المسلمين التي تناوبت على منصة رابعة العدوية أن محمد مرسي هو الرئيس الشرعي لمصر و أن اي رئيس يحل محله هو خارج عن الشرعية
في هذه الأثناء تناقلت كبريات الصحف في العالم مقالات تشرح للرأي العام الدولي حيثيات المشهد المصري و الاحتمالات الممكنة و المرتقبة ، في ظل شد الحبل بين المعارضين و المساندين للرئيس المخلوع و تضارب عدد التابعين لكل اتجاه او فصيل في الميادين و الساحات ( رابعة العدوية و ميدان التحرير بالأخص) . هكذا ، نشر جونثان ماركوس، مراسل الشؤون الدبلوماسية في قناة البيبيسي البريطانية، مقال يتحدث فيه عن أن هذه الواقعة، تؤرق فعلا الخبراء السياسيين، فوزير الخارجية البريطاني، وليام هيغ، علّق عليها قائلا:" إنه تدخل عسكري في نظام ديمقراطي، لكنه تدخل عسكري يحظى بشعبيته". حيث تحدث ماركوس في هذا السياق، عن أن الجيش المصري له دور كبير في السياسة منذ ثورة 25 يونيو، وهو الدور الذي لن يختفي على الأجل القريب، وأن السيسي لن يقبل أن تبقى قواته متفرجة على الأوضاع السياسية وأن تغلق على نفسها في ثكناتها لحماية الحدود.
وزاد ماركوس أن إبعاد رئيس منتخب ديمقراطيا من قبل الجيش، يبدو في أي تعريف انقلابا، ولكن من ناحية أخرى، لا يمكن الحديث عن أن مصر عرفت في عهد مرسي ديمقراطية، ف"دورة انتخابية واحدة، مهما كان التوق الشعبي للتغيير، لم تجعل من مصر ديمقراطية، لأن هذا الدولة، ومثل العديد من البلدان الأخرى التي تصبو نحو الديمقراطية، لم تستطع بعد ترسيخ عادات السلوك الديمقراطي لدى الشعب وكذلك الزعماء السياسيين، ومرسي نفسه، لم يتشرب بالديمقراطية بشكل كاف".
وعبّر ماركوس عن ما حدث بقوله:" إنه انقلاب غير قياسي في ديمقراطية غير مكتملة" داعيا الخبراء والمؤرخين وحكومات المنطقة والدبلوماسيين في العالم على التعامل مع واقع مصر الجديدة.
أما فريد زكرياء، محلل سياسي بقناة سي إن إن الأمريكية، فقد كتب على أنه مثير للدهشة أن يعود الجيش المصري إلى واجهة الأحداث رغم الامتيازات الكبيرة التي يتوفر عليها، متحدثا عن أن ما قام به السيسي يعتبر انقلابا ناعما، لكنه كذلك خطوة ذكية للغاية منه، عندما أحاط نفسه برجال الدين والمعارضة، وعندما صرّح للعالم أنه سيدعم بناء دولة ديمقراطية عكس دولة الإخوان التي ظهرت عيوبها برئيس منتخب حكم بأسوأ طريقة ممكنة وتجاوز سلطاته وتجاهل الأقليات وتسبب في احتجاجات واسعة.
وأضاف زكرياء أن هناك طريقين أمام مصر بعد هذا التدخل العسكري: إما تكرار تجربة الانقلاب العسكري 'الناعم' في تركيا عندما أسقط الجيش حكومة أربكان الإسلامية بدعوى أنها تهدد النظام العلماني التركي، قبل أن يتراجع عن قراره فيما بعد، ويساهم في تنظيم انتخابات جديدة منحت الحكم لحزب العدالة والتنمية الذي ابتعد عن الدخول في صراع مع القوى العلمانية واحترم مبادئ الدولة العلمانية، أو أن تمشي مصر في اتجاه السيناريو الجزائري بداية التسعينات عندما ألغى الجيش نتيجة الانتخابات التي تصدرتها جبهة الإنقاذ الإسلامية، فكانت النتيجة عشرية دموية لم ينسها الجزائريون إلى حدود الآن، مشددا على أن تكرار أي من النموذجين، يعتمد بشكل كبير على رد فعل جماعة الإخوان المسلمين وتعاطيها مع الأحداث.
على أن هامش هذه التحليلات السياسية يترك لنا مجال إبداء الرأي و نقول ، إن خطوة العسكر المصري شبيهة إلى حد ما وقع في بعض الدول التي يشكل فيها العسكر قطب العصب السياسي ( الجزائر ، تركيا ، فينزويلا نموذجا ) و بالنظر إلى هذه التجارب السياسية للعسكر فقد تنوعت النتائج بين الدموي ( الجزائر) و العودة إلى الشرعية ( تركيا ، فينزويلا ) و بين هذا و ذاك يعيش اليوم المشهد السياسي المصري قاب و قوسن أو أدنى من أحد الخيارات لا ثالث لهما ، فإما حمل السلاح و الاقتتال أو العنف السياسي ( رغم السلمية الطاغية اليوم عند بعض الإخوان المسلمين) أو عودة العسكر إلى رشده و الانصياع إلى حركات التمرد الإسلامية المناوئة ، هذا بطبيعة الحال مع قياس درجة رد فعلها و قدرتها على حشد مزيد من الجماهير و خلق توتر في الميادين إلى درجة تتوقف معها المصالح الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية للبلد و انهيار الاقتصاد و بروز شبح الكساد إلى درجة لم تعد معها الأمور يتحكم فيها الجيش و السلطة المفروضة . و بذلك يكون إسقاط "مرسي" اليوم هو إسقاط لدولة إسلامية شرعية و يكون انقلاب العسكر هو انقلاب على الدين وتآمرا على الإسلام من طرف لوبيات الرأسمالية العالمية في سبيل إقامة دولة مدنية تقترض وترابي وتطبع مع إسرائيل ضد فلسطين ( حماس) .
+ أستاذ باحث و عضو اتحاد العربي للصحافة الإلكترونية
ساحة النقاش