بقلم : الدكتور الوارث الحسن* / المغرب <!--<!--[if !vml]-->
-إن الاستعمار عند تثبيت أقدامه في البلدان العربية اتجه نحو ترسيخ مناهج للتعليم ، تمكن بموجبها من تمرير أفكاره في المقررات الدراسية ، و قد ساهم فعلا في تكوين أجيال متعاقبة تحمل أفكارا تبتعد عن الدين و الإسلام .
هكذا فإن إنشاء مدارس تعليمية و استخدام أخرى حفز الطبقة البورجوازية إلى الالتحاق بهذه المدارس الحديثة التي تعتمد النمط الجديد من التعليم الحديث و الذي كان يهدف الغرب من ورائه إلى خلق جيل جديد له ثقافته لا تتقاطع مع الموروث الأصيل و بخاصة ما يرتبط بالحالة الدينية التي كانت و ماتزال جزءا أساسيا من الهوية الاجتماعية للبلدان الإسلامية .
وتنفيذا للتوجه الاستعماري كانت مادة التربية الدينية ، مادة غير إلزامية و لا يتعلق النجاح و الرسوب بما يحقق المتعلم و الطالب من درجة فيها و إنما كانت مادة هامشية جدا و حتى المدرس نفسه لهذه المادة لا يكون جادا في تعليمها في الأغلب الأعم .
كما أن نجاح الغرب المستعمر في إبعاد العرب والمسلمين عن حضارتهم و ثقافتهم الجامعية ، و عندما يبتعد الجمهور عن حضارته و ثقافته و هويته و دينه تكون الأنظمة التي تحكم البلاد أشبه ما تكون بالأنظمة الرجعية الملفقة التي لا محالة تفرز جيلا متناقضا إما ثائرا أو خانعا .
و هذا ما مكن من ظهور حركات التحرر الوطني و قد نشأت معها تنظيمات مناوئة التي قاومت المحتل و استقطبت جيلا من الطبقة الشعبية المقهورة و الفقيرة ، و حصلت معها بعض الدول العربية على استقلالها و لكنها ظلت واقعة تحت تأثير التوجهات الفكرية المتعصبة دينيا ،و التي زرعتها السياسة الاستعمارية و السلطات الحاكمة الرجعية . فكان ظهور حركات إسلامية متشددة و تابعة ، سيطرت على النخب القديمة و انتزعت منها الشرعية القيادية و بدأت تتأهب لتفريخ جيل جديد من المتشددين و الممانعين .
إلى ذلك تأثر العرب بالثورة الإخوانية الإيرانية و اعتناق بعض الكوادر من التنظيمات الإسلامية للفكر الوهابي و اعتبار الشريعة الاسلامية أساس الحكم و التشريع ، بيد أن بقاء الدول العربية و الإسلامية على ماهو عليه بعد الاستقلال من التخلف و انفصال مجتمعاتها عن حضارتها و تكوينها الثقافي الأم و الأساس ، خلف جيلا بأكمله يغرق في التخلف العلمي و هو ما تعيشه معظم البلدان العربية مقارنة بما تعيشه البلدان الغربية من تقدم علمي كبير وواسع و لذلك أسبابه و مبرراته الواقعية أفرز لنا مجتمعا يميل إلى التطرف و محاربة التطورو التقدم .
فضلا عن غلبة الفكر الديني على المدني في ظل هذه الإرهاصات و المخاض الذي يعيشه المجتمع العربي مما أفرز لنا نخبا تميل إلى الرادكالية و التطرف .
و في خضم ذلك تم اتهام الأزهر بالجمود الفكري و الخذلان العلمي ، و عدم رغبة رجالاته في الانتفاع بتطور الواقع و الحياة و الاكتفاء باجترار الماضي و هذا ما خالف دورها الديني و التوعوي لتحقيق الرفاهية الدينية . إضافة إلى إنشاء مؤسسات تعليمية حديثة تسير في مسار آخر بعيد عن التعليم الديني ، مثل كلية الألسن و كلية الطب و كلية الصيدلة و الهندسة ... تضاهي الكليات ذات توجه ديني و علوم شرعية .
و بذلك، لوحظ توجيه العناية نحو المؤسسات التعليمية المدنية بزيادة أعدادها و تنوع تخصصاتها و إغفال المؤسسات التعليمية الدينية و تطبيق الخناق عليها مما أفضى إلى مزيد من الانحسار فبدأ انشطار التعليم إلى شطرين متباعدين ، تعليم ديني محض و تعليم مدني محض، وهذا ما أدى إلى وقوع صدام عنيف أحيانا بينها و أفرز تباعدا في المنظور الديني و المدني .
ساحة النقاش